في مثل هذا اليوم السادس نونبر من سنة 1975 انبلج فجر وضاح ولاحت تباشير الفرحة وهلت بشائر السعد. لقد كان ذلك اليوم يوما تاريخيا مشهودا ليس في حياة المغرب فحسب بل في حياة العالم بأسره، ذلك أن حدث المسيرة الخضراء المظفرة يعتبر الأول من نوعه في التاريخ السياسي الحديث لعالم اليوم. لقد فاجأ جلالة الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه بعبقريته الفذة الأصدقاء قبل الخصوم عندما قرر أن يضع حدا لسنوات القطيعة التي خلقها الاستعمار بين شجرة المغرب العتيدة و غصنها الأصيل الممتد عبر أقاليمنا الصحراوية الجنوبية التي كتب لها أن ترزح تحت نير سيطرة الاحتلال الاسباني. إن حدث المسيرة الخضراء يعتبر فتحا دوليا لا مثيل له في صفحات إنهاء المشاكل المصطنعة التي أوجدها المستعمر، فقد كان السائد في تلك الفترة أن حل المشاكل الاستعمارية يتم إما عبر استخدام القوة المسلحة أو الركون لحيثيات التفاوض المرير الذي غالبا ما يكلف الدول مسا بسيادتها و تنازلًا عن كرامتها، إذا لم يطل من عمر النزاعات إلى أمد بعيد في أحسن الأحوال. لقد أرست المسيرة الخضراء المظفرة بعدا جديدا في تاريخ الحسم السلمي للمشاكل التي خلقها الاستعمار، وكان لبعد نظر جلالة الملك الراحل أثرا عميقا في نجاح المسيرة الخضراء وتحقيق أهدافها كاملة دون إراقة قطرة دماء واحدة، ودون الدخول في متاهات المطالبات الدبلوماسية في أروقة المنظمات الدولية. كانت مسيرة سلاحها القرآن الكريم والإيمان بالوحدة الترابية للوطن، وعززها ذلك الضوء الأخضر الذي انتزعه جلالة الملك الراحل الحسن الثاني قدس الله روحه بكل حنكة واقتدار ودراية بخبايا القانون الدولي وأعراف المجتمع الدولي، فقد استصدر جلالته رحمه الله حكما من محكمة العدل الدولية بلاهاي يقر بوجود البيعة بين سكان الصحراء وملوك المغرب. فكان أن التقت المشروعية الوطنية بالمشروعية الدولية من خلال المسيرة الخضراء التي أجبرت العالم على احترام العبقرية المغربية بقيادة جلالة الملك ومن ثم الاعتراف الدولي بحق المغرب في استرجاع صحرائه المحتلة. إن المسيرة الخضراء التي أبدعها صانع المعجزات ورائد المنجزات وباني البلاد وموحدها الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه كانت بحق ولا تزال نموذجا فريدا في تشبث الشعوب بحقوقها وابتكار الوسائل القانونية لاسترداد تلك الحقوق، بل إنها اكتست طابعا روحيا بجانب أبعادها الوطنية والسياسية، فقد كانت صلة للرحم مع الأشقاء وتجديدا لمواثيق البيعة مع أمير المؤمنين. والان وقد مضت ثمانية وأربعين سنة على انطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، يتأكد للجميع أن المسيرة لازالت في طريقها تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله لتحقيق كافة أهدافها في الوحدة والبناء والتعمير، بانطلاقتها ابتدأت مسيرات الخير والنماء في صحرائنا الحبيبة، وأصبحت كل ربوع الصحراء المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله عبارة عن أوراش ضخمة للعمل والتنمية، تم فيها تحويل مدن و أقاليم الصحراء المغربية، من مداشر و ثكنات، إلى مدن كاملة المواصفات الدولية للعمران، وتحولت المدن إلى عروس ترتدي أبهى حلة، ومساحات خضراء، وشيدت مختلف الإدارات والمصالح الخارجية، وقاعات للمؤتمرات والندوات، فالتحقت الأقاليم الجنوبية العزيزة بنظيراتها في باقي أقاليم المملكة لتنعم اليوم بالرخاء والاستقرار وتفتح فيها بعثات دبلوماسية من مختلف دول العالم اعترافا مجددا بالسيادة المغربية على أقاليمه المسترجعة الحبيبة.