يتصدر فيلم «نينيو» (الطفل) من إخراج الإسباني دانييل مونسون حول المخدرات في مضيق جبل طارق الإيرادات في القاعات السينمائية الإسبانية منذ بدء عرضه خلال أواخر الشهر الماضي. وعكس ما كان مترقبا، لا يتعلق الأمر بحياة المهرب الشهير المغربي-الإسباني «نيني» رغم تصوير جزء من الفيلم في شمال المغرب، حيث مشاهد تبرز تورط الدرك الملكي المغربي في تسهيل التهريب الحقيقي لعصابات إجرام منظم تتجاوز الأشخاص وحتى الأجهزة. ومما يساعد على انتشار الفيلم، الذي تقدم القدس العربي قراءة فيه بعد مشاهدته، الفكرة المسبقة التي روجت لها الصحافة المغربية والإسبانية بأن الفيلم يحكي حياة المهرب السبتاوي (نسبة الى سبتة) «نيني» (تصغير للطفل) الذي اختفى في بداية آب/أغطس الماضي في ظروف غامضة، حيث يعتقد أنه لقي حتفه بينما المؤشرات الجديدة تدل على أن الأمر قد يكون مجرد عملية خداع بحكم أن الشرطة الإسبانية أفرجت عن الذين كانوا مع نيني خلال اللحظة المفترضة لاغتياله المزعوم في المياه المغربية. والفيلم في الواقع يروي عبر شخصية «نينيو»، التي يجسدها الممثل خيسوس كاسترو، حياة العشرات من الشباب الإسبان والمغاربة الذين يتقنون الإبحار في مضيق جبل طارق ويضعون خبرتهم واندفاعهم في خدمة عصابات كبرى للحصول على مبالغ مالية بسيطة، حيث يكونون في غالب الأحيان مجرد واجهة يلتهي بها الرأي العام وقوات الأمن في حين تجري عمليات التهريب الكبرى وراء الستار. هذه هي الأطروحة التي يؤمن بها بطل الفيلم، الضابط في الشرطة الذي يشك حتى في زملاءه بأنهم مرتشون وضالعون في تسهيل المعلومات لعصابات التهريب الدولي. هذا الضابط، الذي يجسده بامتياز الممثل لويس توسار، يقتفي عصابات الإجرام المنظم بين أمريكا اللاتينية مرورا بجنوب اسبانيا في مضيق جبل طارق وأساسا الصخرة وعصابات أوروبا الشرقية والغربية، فالمضيق بمعقوعه الاستراتيجي هو نقطة التقاء كل هذه العصابات والتهريب الدولي. وستحمل الصدف المهرب «النيني» في طريق الضابط الذي يراقب المضيق بمروحية حيث أن لحظات ملاحقة الشرطي للنيني بطائرة مروحية من المشاهد القوية في الفيلم. والنيني في الفيلم ليس من سبتة أو أوصول مغربية، وهي الأصول الحقيقية للمهرب الشهير، بل من الجزيرة الخضراء وله شغف بالبحر وسيبدأ بنقل كميات صغرى من المخدرات عبر جيت سكي وقوارب نفاثة لصالح عصابات أخرى. وسيجرب حظه في التهريب من المغرب، حيث سيزور كتامة، معقل المخدرات شمال المغرب، وينقل القنب الهندي بحرا تحت أنظار الدرك الملكي الذين يسهلون ذلك مقابل إتاوات ، لكن الفيلم يقدم رؤية أخرى عن البحرية الملكية المغربية غير المتسامحة مع التهريب بصفة نهائيا. الفيلم، وطيلة ساعتين، ينقل المتفرج الى عوالم التهريب في مضيق جبل طارق، وذلك بإيقاع سريع على شاكلة الأفلام الأمريكية وتوظيف ذكي للموسيقى وتقنية رائعة في الإخراج عبر ثنائية اللقطات الكبرى التي تبحر في نفسية شخصيات الفيلم من مهربين وشرطة، ولقطات بانورامية للمضيق وميناء الجزيرة الخضراء وحقول الحشيش في كتامة. فضاءات بقدر ما هي جميلة ورائعة بقدر ما توحي باستحالة رصد جميع حيثيات عوالم التهريب والإجرام المنظم لتداخل عوامل متعددة فيه من فقر وأمن وشجع للإغتناء. ومن المشاهد الأخيرة في الفيلم هو متابعة ضابط الشرطة للنيني عندما كان ينقل الكوكايين لينتبه أن النيني مجرد مصيدة لأن في الوقت ذاته كان يجري تهريب كميات ضخمة من الكوكايين عبر حاويات تجارية في ميناء الجزيرة الخضراء، حيث تستغل العصابة المعلومات التي كان يمدها بها ضابط كبير في الشرطة الإسبانية للقيام بعمليتين، الأولى للتمويه عبر أشباه النيني والثانية هي عملية التهريب التي تساوي مئات الملايين من اليورو. هذه من اللقطات الدالة في الفيلم والذي تختصر الفكرة المحورية وهي: بينما يلتهي الرأي العام بمهربين مثل النيني ويجعلوهم أسطورة تجري في الخفاء عمليات التهريب الضخمة والمعقدة. ورغم أن الفيلم لا يسقط في الإدعاءات المجانية مثل أفلام أخرى اسبانية حول المخدرات بجعل المغرب محور الشر في المخدرات، فهذا الفيلم يوزع الاتهامات على المغرب واسبانيا والإجرام الدولي. لكنه يسقط في النظرة الإستشراقية عندما يقدم النيني بمثابة المنقذ لفتاة مغربية، شقيقة أحد مساعديه، من أبوية المجتمع المغربي الذي يرفضها لأنها مطلقة، وسينقلها الى العيش في اسبانيا. وفي مشهد استشراقي آخر ، يظهر مهرب مغربي مساعد للنيني لحظة محاولته قتل شرطي وهو يقوم بالشهادة على شاكلة أنصار داعش، وهو مشهد مجاني بامتياز ويثير استغراب كل مشاهد عربي. ويضحك المشاهد العربي خلال الفيلم، إذ في لحظة معينة من إبراز طريقة تهريب المخدرات من الحدود بين المغرب وسبتة، حيث جرى تصوير المشاهد بكاميرا خفية وفي تقنية أقرب للفيلم الوثائقي، نسمع صوت امرأة مغربية تخاطب أخرى «هؤلاء لديهم كاميرا خفية، إنهم يصوروننا». لم ينتبه المخرج لهذه الفلتة.