إن كانت كوريا الشمالية في نظر العالم تظهر بمظهر الدولة الفقيرة المتعثرة الاقتصاد،على الرغم من مواردها المعدنية الضخمة و صادراتها من المواد الخام إلى جارتها الحبيبة "الصين الشعبية" التي تعتبر مصدر اقتصادها الرئيسي ،إذ بلغت صادراتها من الفحم والحديد الخام إلى شمال الصين سنة 2012 إلى ما يقرب من 2.4 مليار دولار أمريكى ، وفقا لوكالة كوريا الجنوبية لتشجيع التجارة والاستثمار. وإن كان تصنف من منظور ثاني طبق دستورها بما يسمى بالجمهورية الاشتراكية ذات الحزب الواحد ،فالعالم بالمقابل يصفها بالدولة الشيوعية المحكومة بقبضة من حديد من قبل أسرة كيم لمدة 60 عاما التي ما تزال تتحكم في كل كبيرة وصغيرة إلى يومنا هذا. ويسيّرها أكبر نظام شمولي ستاليني دكتاتوري في العالم منذ تولي الرئيس "كيم إل سونغ" مرورا بابنه الزعيم "كيم جونغ إل" ووصولا إلى الحفيد الشاب، ذو الثلاثين عاما الرئيس الحالي"كيم جونغ أون".كما أن موقعها الجغرافي وقربها من خصومها جعلها تتخذ سياسة جد صلبة اتجاههم بإقبالها على تطوير أسلحتها الرادعة وتحصين نظامها من الاختراق الخارجي، وملء السجون والمعتقلات ناهيك عن التصفيات التي لا تعرف الحدود ولا تخضع لقانون في صورة إعدامات بالداخل قلّما تخرج للعلن بحق من يزعزع النظام أو يخون بالوطن. فقد عرف معارضو النظام السياسيين في هذا الإطار على طول حقبته أشد أنواع التنكيل والتعذيب داخل السجون وشاهدوا أعنف طرق القتل الرحيم رميا برصاص المسدسات والمدافع والرشاشات، لكن ما جاء في تقرير آسيا ريبورت يوم أمس والذي تناقلته وكالات العالم بإسرها كان أشد فتكا وأعظم جرما تقشعر له الأبدان وتدمي له القلوب . إذ أعلن المصدر أن الزعيم "كيم جونغ أون" تجاوز هذا المألوف وفاق حدود الرعب والخوف، وأقدم بتاريخ 12 ديسمبر على أبشع أنواع القتل مستعملا طريقة وحشية تسمى " جويه تشيوان " يعني القتل بواسطة الكلاب المفترسة. وذلك في أقرب الناس إليه وبحق الرجل الثاني في النظام الشيوعي وهو عمّه ذو السابعة والستين عاما "جانغ سونغ ثايك" برفقة خمسة من مستشاريه الشخصيين بتهمة الفساد والخيانة العظمى بالتعاون مع الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية الخصمين اللدودين للنظام الشيوعي. ويضيف المصدر في سياق متصل أن طريقة تصفية الجماعة تمّت بطريقة وحشية بكل المقاييس والمعايير لا يمكن لعقل أن يصدقها أو لمنطق أن يستوعبها أثارت على إثرها حفيظة الرأي العالمي برمته، إذ استخدمت فيها 120 كلبا من أخطر الأنواع شراسة وعنفا، تركت بلا أكل لمدة ثلاثة أيام داخل قفص ثم ألقوا إليها بالعمّ "جانغ" والمتهمين الخمسة، مكبلين حفاة عراة مجردين من كل ملابسهم . في مشهد مرعب لم يسبق مثيله حتى في الأفلام الهوليودية، فكيف به أن يكون على شكل صور حقيقية تنهم فيها الكلاب لحوم وعظام بشر يصرخ ويبكي ويتودد لمدة ساعة إلى حين محو آثارهم من الوجود ، قد يكون من الصعب الإيمان بهذه الحكاية وتصديقها لو عرفنا أنها واقعية وحدثت فصول هذه المسرحية المروعة أمام أعين الزعيم كيم جونغ أون و 300 عضو من كبار حزبه وانتهت في جوّ من الفرح وشفاء الغليل. وتجدر الإشارة إلى أن تصفية "جان سونغ تايك" وتسرّب تفاصيل طريقة إعدامه الوحشية بالأمس ومنذ أن طفى الخبر على السطح توالت ردود منددة من هنا وهناك ،ومما لاشك فيه أنها لا تصبّ في مصلحة بيونغيانغ التفاوضية مع الدول العظمى ولا مع الجارة الجنوبية وستضر أصلا بالعلاقة الثنائية مع العاصمة بكين . وفي نفس السياق عبرت هذه الأخيرة عن أسفها للحادث وطلبت من في رسالة رسمية استعجالية من "بيونغيانغ" بفتح تحقيق من أجل الوقوف على حقيقة وحيثيات الفضيحة التي أثارتها وسائل الإعلام و زرعت الرعب في قلوب الأسرة الدولية. مما سيضطر الصين أن تتوخى الحذر من الزعيم الكوري الشمالي الذي أبان للعالم عن شدته وقساوته، وصار خطرا واضحا على أمن الصين وعلى نفوذها الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي في المنطقة . مما سيغيّر لاحقا ترتيب أوراقها في القضية الكورية المتعثرة بين طاولة السلام وطبول الحرب ويعيد إلى الواجهة صحة التهديدات النووية التي يطلقها الزعيم "كيم جونغ أون" ضد الأسرة الدولية من حين لآخر.