لِلْقارئِ العزيز هذا الْفصْل ، خُلاصة تأمُّلات أحَدَ أيّامِ الْأحد ، حَيْثُ في الْغالِب أكونُ وحيد . خِلاَلَ هذا اليوم ، وهذه الوحدة والسُّكونْ ، يَتُحَرِّرُ خيالي لِيَنْطَلِقَ ويهيمْ ... يَتَضَمَّن بعض الْمشاهِد السّورْيالِيَّة ، درامِيَّة وتراجيدية ، كما يشْمَل كُلُّ ما يَمُرُّ في خيالي منْ تأمُّلات ، ويَجوبُ ذِهْنِي مِنْ ذِكْرَيَات . وَوَصْف لِبَعْضِ الْمَشاهِد الْوَاقِعِيَّة والواقِعَة حَوْلي وما يَحْدث في محيطي ، لكِنَّها بِتَعْبيرٍ رومانْسي ، وأُسْلُوبٍ عَرَبِيٍّ خَياليٍّ بَدِيعْ ... وهُوَ وَلِيدُ لَحَظاتِ الصَّمْتِ الْقُصْوَى .
باسو . الأحد 5 نوفمبر 2012 أنا في بيتي اليوم وحيد ، لاحزين ولا سعيد . لا أُبالي بفصولي الروحية ، ومات لدَيَّ أيُّ فُضولْ . كأنني من خشبٍ أوْ من حطب . أوْ تِمْثالٌ بدونِ روحْ . فدوى ذهبت كالعادة كل أحد إلى أُختها مع ابنتنا دوام . تركَتْني كَواحِدٍ مِنَ الْأصْنامْ . كانتْ غاضبة بسبب إنعدام الوقت لإصطحابهم . لها الْحقِّ أنْ تغضب ... فأنا دائِماً عديم الوقت ... فضَّلْتُ البقاء في البيت لإنهاءِ لوحات الدكتور شريق ، وَوَضْع اللّمَسَاتِ الأخيرة على لَوْحَةِ لارا التي عَنْوَنْتُها " سَرابُ الحياة " ، وقبعْتُ في الشرفة ساكِناً أسْتَمْتِعُ بالقراءة وبأصوات الطبيعة المُتقلِّبة في صمت ... أسمع هديرها بين جدران البيوت وأشجار صُفْصاف باسو والصُّبَّار ، ووشوشة الريح كَهَمْسِ الرُّوح تتيه هنا وهنا ك ، مُنْسابَةٌ كَأنّهُ رقْصٌ أوْ فِرارْ . تَصْفَعُ هذا الحائط بِعُنْف ، وبشوقٍ تُعانِقُ ذاكَ الجِدارْ ... وهي تُزَمْجِر في الخارج مُزَفْزِفة ، وتُصطدم بنوافذ بيتي فترتعش ، وتُحْدِثُ صفيراً يُعْجِبُني . يُدْفئُني بِتِيّارٍمن الذِّكريات التي صارت كالضباب بارِدة ، تُدَغْدِغُني ... ذِكرياتٌ تأْتيني من كل مكان وَمِنْ كُلِّ زَمَانْ ... وتحملني دَوْماً بعيد : الى بروكسل البارِدَة ، حيث ياسمين صغيرتي الراقية الهيفاء . والى مونريال حيث مفقودتي ليلى التي أحب ، أُحِبُّكِ يا ليْلايَ صغيرتي ، فاشْرُقي علينا يَوْماَ أنا وأُمُّكِ وهادي Hadi في انتِظارِ بُزوغك ... ولكن تيهاني العُنْفُواني أكثر ، إلى تطوان ، حيثُ أنْتِ حبيبتي ... وهُنا مُنْتهايْ . حتى حشرجة الآذان المُنبعثة من صوامع المساجد تُقَطِّعُها الرياح إرباً إربا ... فلا يصلني من أصدائها إلاّ النزر اليسير الْمَبْحوح فيُشْجيني ... الأمطار غزيرة ، قطراته كبيرة ، مختلطة أحياناً بحبات الثلج ، ترتطم بزجاج النوافذ فتُحدِثُ رهْبة وقشعريرة وصخباً بديعاً يُدْفِئُني ... يبدو أنَّ الطبيعة هذا العام ، وخِلاف كل الفصول التي تَتَالتْ ، وكل السنوات التي خَلَتْ وتعاقبتْ ، غاضبة وجامحة كما في أعماق فؤادي ... وَأنَا أعْبُدُ الْجُمُوحْ ... زخّات الغيث ، أحياناً تنقطع ... كَما يَنْقَطِع دَوْماً هُدوئي وَسُكوني ، لِتعْصِف بي الزَّوابع ... كُتل السحاب السوداء تتحرك تاركة فجوات ، ترنو منها الشمس وتختفي ...