منذ فترة ليست بقصيرة توقفت عن تصفح بعض الجرائد هنا ، أو بالأصح لم أعد أقرأها كما كنت أفعل في السابق ، في حين أقضي كثيرا من الوقت أمام شاشة الكمبيوتر لمتابعة الأخبار أو بالأصح للبحث عن الأخبار التي أريد أن أعرفها و تهمني . بعد أن أصبحت الجرائد والصحف الورقية هنا روتينية ومملة مواضيعها ، لدرجة أني أتمنى أحيانا لو أن بعضها أو حتى جميعها أختفت تماماً. عناوين اليوم. تساؤلات كثيرة كانت تدور في ذهني لبعض الوقت كلما كنت أتصفح هذه الجرائد .. وهذا المساء وبشكل خاص وأنا أتصفح وأبحث عن بعض "ما يهمني" من أخبار عبرالمواقع الإلكترونية الإخبارية، استوقفتني بعض العناوين ، تشبه تلك التي هاجرت بسببها الجرائد الورقية .توقفت وقفة السائل المتامل .. اللعنة ، كل الأشياء هنا أصبحت تتشابه !!. أول العناوين تهم "عريضة " منشورة و مطروحة للتوقيعات. (نعم أريد..حلالاً !! يجب أن يظل الدجاج ..حلال ! لذلك..وقِّع هذه العريضة !!.. ). هذا كل ما يحمله "الخبر" وكل ما تحويه العريضة. هي وكما يبدوا إذاً، حملة جمع تواقيع على عريضة . تواقيع ضد مشروع قانون يحمل تشريعات ومواصفات جديدة ذات العلاقة "بالدجاج الحلال" وبالصحة البيطرية والرقابة ...وما شابه ذلك. مشروع قانون يمنع ذبح "الدجاج" بحسب الشعائر الإسلامية. وبالتالي كل من يوافق على ما ورد في العريضة ، التوقيع عليها ، وإرسالها إلى كل من يهمه الأمر "لتجنيد" أكبرعدد ممكن من "المعارضين" للمشروع محلياً وعالمياً. وثاني العناوين التي استوقفتني ، عنوان تصدر هو الآخر الكثير من صفحات المواقع الإلكترونية : (فيلدرز يطلق موقع إلكتروني جديد : "لا للمساجد".). ( المسجد هو رمز لأيديولوجية الكراهية والعنف والقمع، وهذا أمر يجب علينا أن نحاربه. لدينا حاليا ما يقارب 450 مسجدا في هولندا والعدد مرشح للإرتفاع أكثر ).. يقول فيلدرز معللا سبب إقدامه على إطلاق موقعه الجديد ومحاربته للمساجد !!. امتلكني شعورغريب ، أحسست وأنا أتصفح هذه العناوين بمشاعر غريبة لم أعهدها من قبل ، لم أفلح في فهمها إلاّ في وقت لاحق من المساء. إساءة واستفزاز. هي إذاً..عناوين لأحداث توالت ولا زال مثلها يتوالى ،كما سيتوالى الكثيرمنها كذلك مستقبلاً !. هي عنيفة أحيانا وقاسية جداً في أحيان أخرى .هي لعنة هذا الزمن الرديء تجعلك أحيانا تشعر بالعجز المطلق بأنك لن تستطيع القيام بشيء .. تقف مشدوها تتفرج على كم هائل من حالات الإساءات والاستفزازات التي أصبحت تزداد بشكل ملفت جدا في السنوات الأخيرة وبما لا يخفى على أي مراقب أو متابع . وإن حاولنا استعراض شريطها فلن ننتهي .أو أن جوانب كثيرة منها ستظل خارج تصورنا !. أتذكر منها (وقد تكون أغربها) اقتراحا بفرض غرامة سنوية على كل امرأة ترغب في ارتداء الحجاب ... ثم ،ربما أغباها ، مطالبة البرلماني اليميني خيرت فيلدرز بمنع تداول القرآن ، وأما أحلكها أظنها كان تصريحا لقسّ كنسي بالدعوة إلى منع النطق بتلفظ كلمة لا إله إلا الله بدعوى " أنها تستحوذ على الإله للمسلمين" ، هذا فضلا عن محاولات أخرى لا تقل غباء وغرابة عن سابقاتها مثل حرق القرآن والمساجد ، ووصولا إلى "لا دجاج حلال" للمسلمين في هولندا ، مرورا بقوانين وتشريعات ومواصفات جديدة تهم "عيد الضحى" وذات العلاقة بالذبح الحلال...وربما أحدثها (على الأقل الى حدود كتابة هذه السطور) عنوان يتصدر (اليوم) العديد من الصحف الهولندية : (فيلدرز يطلق موقع إلكتروني جديد "لا للمساجد" ).هذا...وغيرها من حالات أخرى كثيرة لا تعد ولا تحصى ، يعدّها المراقبون خطرا كبيرا على الاستقرار والتعايش في هولندا . والكثير لا زال يتذكر حين صوت البرلمان الهولندي لصالح حظر ذبح الحيوانات بالطريقة الدينية وهو التحرك الذي عارضته بشدة الاقليتان المسلمة واليهودية .اللتين رأتا فيه تعرضا للحرية الدينية وقرارا سياسيا أكثر من كونه دينيا . حلال و كوشير. . في البدء - وليس بالبعيد- كان الحديث عن إصدار قانون يحظر ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية (الحلال) واليهودية (كوشير). وهو "مشروع قانون برلماني يندرج في إطار الرفق بالحيوان تقدم به حزب الدفاع عن الحيوان الهولندي، يطالب بموجبه بحظر ذبح الحيوانات على أصحاب الديانات من دون تخدير، والذي رأى فيه قطاع كبير من الشعب الهولندي بمكوناته المختلفة مشروعا مخالفا لمبدأ حرية العبادة الذي يضمنه الدستور الهولندي لكل الطوائف الدينية بما في ذلك المسلمون واليهود. كما رأى في ذلك آخرون قطع مباشر مع ثقافة التسامح والحرية الدينية في التقاليد الهولندية" . لكن ولحسن حظ المسلمين كما اليهود أن المشروع لم يكتمل ، والجميل في الأمر أنه تشكلت حينذاك صورة نادرة "للوحدة" ( وإن كانت كاريكاتورية) بين الطائفتان المسلمة واليهودية ادانتا من خلالها الحظر المقترح بوصفه انتهاكا لحريتهما الدينية. فتوقف بعد ذلك المشروع (ربما لأن اليهود كانو هم كذلك معنيون ودخلوا على الخط !!) رغم أن في هولندا يعيش حوالي مليون مسلم من مجموع 16 مليون مواطن هولندي وأغلبهم من الأتراك والمغاربة ، في حين لا يتجاوز عدد اليهود في هولندا أكثر من 50 ألف. سكن حلال .. توالت بعد ذلك الإستفزازات.. فأصبحنا نسمع عن نوع جديد من السكن "السكن الحلال" . رغم أن مجرد تسمية هذا النوع من السكن ب "السكن الحلال" يثير الإستغراب والغثيان ، وكأن هذا "المسلم" قادم من كوكب آخرغير كوكب الأرض . أو كأن المنازل الأخرى التي يسكنها اليوم ليست حلالا. ومن الإضافات "الحلال" التي تحدث عنها صاحب المشروع ، خزانة جدارية للأحذية ، فصل المطبخ عن الصالون ، زيادة صنبور مياه سهل الاستخدام أثناء عملية الغسل والوضوء ، ولم ينسى طبعا تخصيص مكان جاهز لتثبيت جهاز الاستقبال (البارابول) دون أن يغفل باب متحرك يمكن توظيفه للفصل بين الجنسين عند الضرورة ". هذه هي الإضافات 'الحلال‘ والتي أثارت أول الأمر نواب حزب الحرية في البرلمان، قبل أن ينتقل الجدل إلى باقي الأحزاب.. دجاج حرام .. والآن إنتقلَ الحديث الى " الدجاج" . (قريبا لا دجاج حلال للمسلمين في هولندا ). عنوان عريض توسط لمدة مجموعة من الصحف الهولندية وتداولته العديد من المنابر كما الإذاعات السمعية منها والبصرية. ويهم الأمر قوانين وتشريعات ومواصفات جديدة ذات العلاقة بالذبح الحلال وبالصحة البيطرية والرقابة و...و...الخ .يتم بموجبها حظر ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية (الحلال) .. مسجد للمثليين. . وآخر الحكاية (وطبعا ليس آخرها) خبر آخر تداولته في الأيام القليلة الماضية العديد من المنابر الإعلامية في العالم وخاصة في فرنسا مفاده ، افتتاح أول "مسجد للمثليين" في أوروبا وبالتحديد في ضواحي باريس. والذي يقول عنه مؤسسه "أنه يهدف الى إستقبال المصلين الذين قد يشعرون بالإحراج عندما يزورون أماكن العبادة المعتادة بسبب توجهاتهم الجنسية. هذا رغم أن لرئيس مسجد باريس رأي آخر وهو يرى عكس ذلك تماما، "فالمسجد المخصص للمثليين لا يمكن أن يكون جزءاً من المجتمع ، لأنه منافي للإسلام حسب قوله.. أصابع نَدَم ، وأشبعناها عضّاً.. كنت – وكان غيري كثيرين – أظن أن هذه الأحداث كلها قد تغيّر شيئاً من فكر وتوجهات الناس هنا أوتبدل شيئاً في وعيهم أوعلى الأقل تعيد ترتيب بعض اهتماماتهم أو حتى أولوياتهم .. كنت أظن – وكان غيري كثيرين – أن أصابع الندم قد أشبعها هؤلاء عضّاً على سنوات مضت أضاعوا فيها الكثير من الفرص لبناء أنفسهم . ولكن يبدوا وأن الأصابع لا زالت لم ترتح من عضّهم .. وستظل كذلك إلى أن ينفض الجميع غبار التهميش والصراعات التي تُرصد هنا وهناك .. ويعمل الكل سوياً على توحيد الصفوف ، والتلاقي والتنسيق والحوار الايجابي لبلورة الرؤى وصياغة نظرة تكاملية تجاه الاحداث والتعامل بحذر مع الواقع المعاش وكل تطوراته.. "فالثعلب المكّار منتظرٌ...سيأكل نعجة الحمقى إذا للنوم ما خلدوا.. و العود محميٌّ بحزمته ، ضعيفٌ حين ينفرد." على قول صديقنا المصري هشام الجخ..في قصيدته "التأشيرة".