تتواصل حملات الشرطة على المجرمين في الدارالبيضاء، ويتوالى سقوط شبكات السرقة بالعنف يوما بعد آخر، والبيضاء تحاول الانضباط، وشباب يحاول العثور على الطريق المستقيم، غير أن ماضيه يعيقه والفيش يخيفه، كيف؟ الدارالبيضاء تحاول أن تنضبط بعد الغضبة الملكية، سواء من تسيرها الفاشل أم من تفشي الجريمة، وبعد أكثر من أسبوعين، تواصل الشرطة حربها ضد الجانحين والخارجين على القانون.الحرب عل التشرميل، والغزارة الإعلامية في نقل أخبار سقوط المجرمين بأيدي الأمن، دفعت بكثير من الشباب إلى تغيير نمط تفكيره، فقبل الحرب على التشرميل، عرفت البيضاء حربا على الباعة المتجولين، مما خلق حاليا نوعا من الاختناق لكثيرين، يريدون اليوم الحصول على عمل لا يزعج "أصحاب الوقت"، ويسمنهم من جوع، غير أن ماضيهم لا يسمح لهم في المضي إلى الأمام، وتتحول شهادة السجل العدلي إلى صك غفران دنيوي.خديمة تبعدنا عن مالين الوقتبالقرب من "حمام الفن" الشهير بمقاطعة ابن مسيك، جلس عبداللطيف فعلى كرسيه المعتاد بمقهى فرنسا، ينثر دخان سيجارته من نوع ماركيز، فيما تقاوم شفتاه ارتشاف ما بقي بقاع كأسه من قهوة باردة، يقول معلقا على اشتداد القبضة الأمنية مؤخرا، "كولشي مزيان علاه احنا كرهنا الأمن يولي والشفارة ينقصو، مكرهناش، ولكن خاصهم يساعدو الشباب باش مايمشيش للبلية والكريساج".عبداللطيف، سجين سابق أدين بتهمة تزوير ورقة رمادية لسيارة مسروقة من أوروبا، ويقول "لقد تورط مجموعة من أبناء الحي العاطلين في قضية تزوير مقابل 500 درهم، لم نتبين الأمر، كان هناك شخص يقدم لكل واحد يوقع على شراء سيارة ثم التوقيع على بيعها، ليظفر ب500 درهم، بعدها بستة أشهر سقطت الشبكة وسقطنا معها نحن".عبداللطيف ككثير من الشباب فقدوا الأمل في العثور على عمل قار، يوضح "اشتغلت كبائع متجول للفواكه، وعلى الرغم من أنه عمل موسمي، إلا أن الكر والفر مع القوات العمومية، وكثرة الصدامات مع لمخازنية، أرغمتني على الاستسلام، أردت التقدم للعمل كحارس أمن خاص، غير أني صدمت لما طلبوا مني فيش أنتروبومتريك".وسجلت "الحرب" على الجريمة في العاصمة الاقتصادية بعض التجاوزات، مما دفع بفاعلين مدنيين إلى التنبيه بأن المقاربة الأمنية ليست الحل الأوحد لمحاربة جنوح الشباب.وبدوره يقول مراد الشاب الثلاثيني أن شبابا كثر من أبناء حيه، يعانون تبعات سجلهم العدلي، دون أن يسجلوا حالات عود، إلا أنهم يعانون الحرمان من التقدم إلى وظائف قارة حتى ولو كانت أجورها لا تتعدى "السميك".مراد، وهو صديق عبداللطيف، يبدي تشاؤما أقل، ويقول "الانقطاع المبكر عن الدراسة هو أحد أكبر الأسباب في الانحراف، وعندما يرتكب شاب بلغ لتوه سن الرشد جريمة عن طيش، وبعد دخوله السجن، فإنه يحكم على نفسه مبكرا بأن حاته ستصير حياة "حبس" سواء خلف الأسوار أم خارجها".ويتابع مراد الذي يشتغل كموسيقي في أحد المطاعم بوسط الدارالبيضاء، "لقد أدت زيارة الملك الأخيرة إلى البيضاء إلى خلق ثورة كبيرة على مستوى اشتغال عناصر الأمن، وصار حضورهم في مختلف الأحياء وفي كل الساعات أمرا جديدا، ربما لم نعهده منذ أيام الصطافيط الخضرا ديال لمخازنية في الثمانينات، نعم لقد ارتاح الجميع، ولكن نود أيضا أن يجري التعامل مع إدماج الشباب والمراهقين في المجتمع بالحزم ذاته".الجمعيات: المال ها هو والنتائج فين هي؟وعلى الرغم من أن الدولة وفرت أموالا لجمعيات المجتمع المدني، في إطار مخطط المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلا أن طريقة صرف تلك الأموال من طرف الجمعيات ذاتها تطرح العديد من الأسئلة خاصة حول طبيعة النتائج المحققة.ويرى خالد العثماني وهو رئيس مؤسسة أنفا للثقافات والتنمية أن الجمعيات المدنية تتحمل المسؤولية أيضا في ما وصل إليه الشباب، ويوضح "في السابق كانت الجمعيات تشتكي من قصر اليد، وتعاتب الدولة بانها لا تدعمها سوا ماديا أو معنويان أما اليوم فالأامور تغيرت، وأصبح في بعض الأحيان تأسيس جمعية ما وسيلة للحصول على أموال الدعم، وهذا حديث آخر، أما عن دور المجتمع المدني في تأطير الشباب والمراهقين فكبير، ويمكن القول أن الأزمة أساسا هي في المخيال، وفي طريقة اقتراح الحلول".ويقول "إذا قمنا بجرد عام لأنشطة أغلب الجمعيات المدنية فإننا سنجد ان أغلبها يشتغل في المناسبات، ليقدم خدمات نمطية، كالفطور المجاني في رمضان، أو المساندة اللوجيستية كتقديم المساعدة في الجنائز، لكن كم عدد الجمعيات التي توفر دورات تكوينية لعاطلين، أو تعقد شراكات مع مؤسسات خاصة، لدمج سجناء سابقين شباب، أعتقد أن الحديث عن التشرميل عند الشباب، لا يجب أن ينسينا البحث عن أصل الداء، فمن يصرف أموالا للدعم الثقافي لجماعة في البيضاء، ويتوصل بعشرات الملايين من السنتيمات ليوزعها على أصحابه، هو أيضا مشرمل كبير".