قال بنكيران في حواره المتلفز الأخير عن وزير التعليم، المنتهية صلاحيته، أن له إمكانيات رهيبة، وأن أداءه كان جيدا جدا، وأنه كان مقترحا، إلى آخر لحظة، ليبقى على رأس وزارة التعليم، في حين قد تأسف جلالة الملك، في خطاب 20 يوليوز، لمردودية هذه الوزارة وضعف أدائها، وتجاهلها للبرامج السابقة، وعدم استثمار التراكمات الإيجابية للحكومات السابقة، وعدم إشراك الفاعلين الحقيقيين، فيما يخص تجديد المناهج التربوية، وبرنامج التعليم الأولي، وثانويات الامتياز. فما يراه بنكيران "جيد جدا"، يراه الملك في غاية الضعف والهزالة، هذا بعض الفرق بين جلالة الملك وبين رئيس الحكومة، بين ملك بن ملك بن ملك، وبين واحد من الناس، حاز على شهادة جامعية، في أغلب الظن، وذات يوم، ومن غير سابق إنذار، هبَّت رياح الحظ في اتجاه مسكنه الذي تَمْلِكُه حَرَمُه "نبيلة"، فأفاق ووجد نفسه متربعا على عرش رئاسة الحكومة، فذهَبَتْ شدّةُ توهُّجِ الأنوار بِبَصيرته، وأخذت بتلابيب عقله، فمازال في غيبوبة لا يكاد يفيق منها، لولا أن الملك بين الحين والحين يهاتفه. يرى الملك أن أداء وزارة التعليم دون المستوى المطلوب، من شدة تقديره لهذا الشعب، فهو يرجو له الجيد، ومن شدة حرصه على تقدم هذا البلد، فهو يريد له الأفضل، أما بنكيران، فيرى أن وزير التعليم أسطورة تمشي فوق الأرض، وأن إنجازه كان خارقا، وأداءَه كان رائعا، من شدة ما يحتقر هذا الشعب، ومن شدة حرصه على كرسي زائل، لو دام لغيره لما وصل إليه. البارحة، مرت علي لحظات لا يحسدني عليها أحد، وأنا أستمع إلى السيد بنكيران على القناة المغربية التي لم تستدعه، بل فرض نفسه عليها ليبرر الهندسة العبقرية، والتصميم المبدع، والأخلاق الناذرة، التي حكمت إخراج نسخته الثانية المتهالكة، أصابتني صدمة لا تضاهيها إلا صدمة الموت، فرئيس الحكومة يقول عن الشعب بأنه ناكر للجميل، وأنه إذا رأى محاسِناً كتمها وسكت عنها، وإذا رأى عيبا فضحه وشهّر به. أهذا هو رئيس حكومتنا الذي اغرورقت أعيننا ونحن نتلقى نبأ فوز حزبه "الإسلامي"، من شدة يقيننا أنه سيكون جدارا واقيا من الفساد والمفسدين، وحصنا منيعا للإسلام والمسلمين؟ أهذا هو رئيس حكومتنا الذي هللنا لنجاحه، وزغردت نساءنا لتوليه منصب الرئاسة، واستبشرت مساكيننا، وابتهج ضعفاؤنا، واعتقدنا، من سذاجتنا، أن الفاسدين يرتعشون خوفا وقلقا، وهم في الحقيقة كانوا أشد منا فرحا وابتهاجا؟ كيف تحول هذا الشعب الذي قال عنه بنكيران بأنه "ذكي وعبقري"، عشية عرض النتائج الانتخابية الأخيرة، إلى شعب عاق، يسفه المُجِدَّ المجتهد، ويُحَقِّر أعماله، ويتغاضى عن حسناته؟ كم هو شاسع ذلك الفرق بين بنكيران العقبة في طريق المفسدين، والشوكة في حلق المستبدين، وبين السيد بنكيران رئيس الحكومة، المشاكس للشعب المسكين، والعدو اللدود للموظفين الكادحين والمعطلين. الطامة التي يُندى لها جبين من بقي له جبين، أن السيد "الوفا" خان حزبه وتمرد على قراراته، وغدر بمؤسساته وهيئاته، رغم أنها هي من أوصلته إلى ما وصل إليه، ولن تُمْحا هذه الخيانة بمجرد فصاحة لسان السيد بنكيران، أو مقالة السيد يتيم، أو تصفيقات برلمانيي العدالة والتنمية، حينما هَمّ "الوفا" على دخول قاعة البرلمان، وكأنه بطل من الأبطال الأشاوس، فهذه الفصاحة مجرد هرطقة سياسي عليم اللسان، وتلك المقالة مجرد سواد في بياض، أو مجرد كلمات يبغضها الله ورسوله، لأنها توشك أن تهوي بصاحبها سبعين خريفا في قعر جهنم، وتلك التصفيقات مجرد عمل بهلواني من أناس فقدوا بوصلة الشرع والأخلاق، فجعلوا من الخيانة نبلا، ومن التمرد مَكْرُمَة، ومن الغدر فضيلة. حزبك مشاكس ومناوئ وحقود، خُنْه وتمرد عليه، ولا تُعِر قرارَه اهتمامك، واعص أوامره وَثُر عليه، وتعالى إلى حزبنا الإسلامي الذي يخشى الله ولا يخش غيره، وسوف ننهال عليك بالقبل ونتلقفك بالأحضان، ونفرش لك الأرض زهورا، ونملأ جَوَّك عطورا، ونُشْبِعُ هواءك بالأقحوان، ولا عشنا ولا عاش المشروع الإسلامي إن لم نجعل منك أسطورة بين السياسيين، مرفوع الرأس ناصع الجبين، حتى يتمنى كل وَفِيٍّ لحزبه لو أنه كان من الخائنين. لا تخش من أن يصفك "الساذجون" بأقدح الأوصاف، فلدينا من الكتائب المخلصة من تعمل بالليل والنهار، لِتَغْزُوَ المواقع بالمقالات والتعليقات و"الجيمات" و"اللاجيمات"، وتملأ الدنيا بالتصريحات، حتى نَخْلُق الرأي العام الذي نبتغيه، ونُثَبِّت الموقف الذي نرتضيه، أضف إلى هذا، فنحن هم "الإسلاميون"، الغيورون على دين الله، نحن الذين يعمرون المساجد ويتصدقون بالسر والعلن، ويصومون الاثنين والخميس والأيام البيض، نحن من يؤشر على الأخلاق، ويصادق على القيم، فالأمين من صادقنا على أمانته، والخائن من أشَّرْنا على خيانته، وأجمعنا على نذالته، وليس بعد قول "أولياء الله" قول، أو بعد شهادتهم رأي. أبمثل هؤلاء سَنستعيد أمجاد صلاح الدين، ونحرر القدس وأرض فلسطين؟ أبمثل هؤلاء سنسترد ما ضاع من تشريعات الإسلام، ونُحْيي ما مات من سُنّة خير الأنام؟ أبمثل هذه الطريقة في التفكير سَنُخَلِّق الحياة العامة، ونعيد للسياسة رونقها ومصداقيتها، وننصر هذا الشعب المسكين؟ أهكذا سنصنع الحضارة، ونحارب التماسيح والعفاريت، والتي يبدو أنها صارت مجرد صبية أمام أساتذتنا العظام، وعباقرتنا الأفذاذ؟ ليس كل ما قام به بنكيران سيء، فقد جَعَلَنا، على حبنا للملك، نحبه أكثر، وعلى تقديرنا له، نجله أكثر، فهو لا ينتمي إلى أي حزب، عدا حزب المغرب، بعكس السيد بنكيران، الذي ينتمي إلى حزبه وجماعته وأهله وعشيرته، فهي تنصره بالحق والباطل، وتدود عنه بما يجوز وما لا يجوز، رغم أنها تراه في كثير من الأحيان، يختلس من حسنات الدعوة المباركة التي تربى في كنفها، ما يتستر به عن سيئات السياسة وموبقاتها، وَيَلْتَهم من ثمار المشروع الإسلامي الراقي، ما يصبغ به كرسي الرئاسة الزائل، فلا إسلام نصرناه، ولا سياسة فلحنا في تدبيرها، ولا أخلاق نشرناها في المجتمع وبين الناس.