لم يعد التنزيل الفعلي والسلس للدستور الجديد الذي صوت عليه المغاربة بالإجماع، يسمح لأي كان، مهما كان موقعه السياسي أو الاجتماعي، العبث بتطلعات الشعب المغربي، التواق إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الضرورية التي تشكل المدخل الأساسي لبناء مغرب حداثي مجتمعي ديمقراطي. وتعتبر الحكومة إحدى المؤسسات الدستورية، - وإن لم نقل أولاها، لأنها مشكلة من أحزاب، ممثلة في البرلمان وأقرب من حبل الوريد من هموم المواطنين-، التي أوكلت لها مهام السهر على ترجمة نوايا الإصلاحات على أرض الواقع، دون الاختلال بالالتزامات التي جاء بها البرنامج الحكومي، مع الأخذ بعين الاعتبار التوازنات العامة والتي أساسها الأمن والسلم الاجتماعيين. من الضروري، أن تعكف الحكومة في الوقت الراهن على الملفات الكبرى والشائكة منها على الخصوص، وذلك في انسجام تام بين مختلف مكوناتها، واضعة جانبا كل ما من شأنه أن يعرقل إرادة التغيير والإصلاح. كما أنه من الواجب، على الأطراف الأخرى، سواء كانت مؤسسات برلمانية أو إعلامية أو جمعيات تمثل المجتمع المدني، أن لا تفرمل الإرادة الحكومية في استتباب الأمن وضمان الحريات العامة، وأن لا تشكل حاجزا أمام الرغبة الملحة، في استمرارية الكشف عن ملفات الفساد، ومعالجة إكراهات الجفاف والإضرابات التي تلاحق مختلف المؤسسات العمومية والخاصة. يلاحظ، أن هناك من له مصلحة في تهجين العمل الحكومي، والاستخفاف به، لأنه يتوقع أن طاحونة الإصلاح قادمة للعصف به، ولتجنيب كاسحة التغيير، يحاول اختلاق سيناريوهات توحي بغياب الانسجام بين الفرقاء السياسيين المشكلة للحكومة، أو إثارة خلافات من هنا وهناك، و إيعاز ذلك، إلى استباق موعد الانتخابات الجماعية، فقط، من أجل إبقاء الرأي العام على وضعه السابق المشحون بالرأي والرأي المضاد، وتضليله عن الواقع. إلى ذلك، لم تنجو تصريحات مسؤولين حكوميين من التأويل، لإيقاع الانسجام الحكومي في فخ الخلافات، وإعطاء انطباع للرأي العام، على أن الحكومة منشغلة في البحث عن خيوط التناغم في العمل، بدل الانكباب على الملفات العميقة، التي تستدعي استثمار الوقت والعقل والجهد لابتكار الحلول، بعيدا عن الصراعات والخلافات الضيقة. هناك أيضا، وقائع تمت في إطار احترام دولة الحق والقانون، أملتها ضرورة الحفاظ على الأمن الداخلي وصيانة الممتلكات العمومية والخاصة من الإتلاف أو التخريب، فجعلوا منها حدثا بارزا، موضوعها الرئيسي، عدم احترام حقوق التظاهر والاحتجاج، واختلقوا لها عناوين بالبنط العريض، تعيد بالأذهان إلى سنوات الرصاص، بينما الواقع هو عكس ما قيل ويقال. السياق العام التي تحاول من خلاله، بعض الجهات تمرير التشكيك في الانسجام الحكومي، وتعميم العجز و نشر ثقافة التشاؤم وقيم اليأس والبؤس في معالجة الأمور التي تستأثر باهتمام المواطن، ما هو إلا أسلوب غير ديمقراطي و اللاحضاري، لا يمت بأي صلة بقيم المواطنة وقيم المبادرات الخلاقة. لا خلاف، أن للمواطن الحق في التعبير عن رأيه، وهذا حق مشروع، لكن لا يمكن أن تتجاوز حريته الخط الأحمر الذي يحدده له القانون و أيضا الاتفاقيات الدولية. ولا جدال، أن للرأي العام حق الإدلاء بدلوه في مختلف القضايا، وأن يراقب العمل الحكومي، كل من موقعه، إيمانا منا بأن المسؤولية مرتبطة بالمحاسبة، إلا أنه، وكما يعلم الجميع، "من بيته من زجاج، لا يقذف الآخر بالحجارة".