عصام غربي : الإشاعة واحدة من تلك الأسلحة السرية التي وظفتها مختلف الأطراف المتصارعة على الحكم عبر تاريخ البشرية وكان للمغرب عبر تاريخه الطويل نصيب وافر منها، وكانت حاسمة في بعض الأحيان للإطاحة بحكم دول كاملة كما حدث مع المرابطين وشكلت سلاحا فتاكا لتخويف الناس من الحكام وإصباغ صفة "الخارق" عليهم ."أوال" تفتح كتاب الشائعات التي هزت المغرب وكان لها وقع على تاريخه السياسي والاجتماعي سليمان الريسوني يحكي المغاربة قصة الرجل الذي أراد أن يطلع زوجته على كنزة فجربها باختلاف حكاية ملفقة؛ قال فيها إنه باض بيضة وطلب منها ألا تحكي السر لأحد وبدل أن تصون المرأة وعدها وتحضن بيضة زوجها بعيدا عن آذان الناس، قامت بتفريخها على الجيران؛ وهكذا أصبحت البيضة بيضتين فسلة من البيض بل هناك من قال إن الرجل يبيض ذهبا وفضة... وإذا كان الرجل الذي اختلق هذه القصة قد خلص إلى أن زوجته ليست أهلا لصون السر ولا الأمانة فإن غرض الزوجة من تسريب الإشاعة وتضخيمها، كان ربما بدافع التباهي بأن زوجها يأتي أشياء خارقة، أو ربما حتى بدافع الانتقاص منه، وذلك عبر القول بأن الزموج الذي يضع طربوشا أحمر فوق رأسه شبيها بعرف الديك ليس إلا دجاجة تبيض بيضا وتحضنه ! وهذان الغرضان هما أساس الإشاعة على أنه إنسان خارق، أو إذلاله وتسويد صورته؛ وهو ما يؤكده المؤرخ مصطفى بوعزيز الذي يرى أن غاية الإشاعة هو "تدعيم النفوذ السلطوي أو تحطيمه وتشويهه". وإذا كان هدف الإشاعة هو تلميع أو تسويد صورة الشخصية، مادية كانت أو معنوية أي سواء تعلق الأمر بالحاكم بالفرج أو بالمجتمع فإن آلة اشتغال الإشاعة وتطورها ثم ضمورها تنطلق من فعل (أشاع) وهو ما يجعلها في حل من اي مصدر موثوق كما لا يلزم مروجوهال أية مسؤولية طالما أنها ليست إلا حلقة ضمن ما هو شائع ورغم أن الإشاعة لا ترقى إلى مستوى الخبر المسنود فإن خطورتها تكمن في هالة السرية الي تحيط بها، كما في طبيعة المعلومة التي تحملها فالإشاعة غالبا ما تكون حاملة لمعلومة لا يجوز تداولها علنا، لذلك فهي تكثر وتزدهر في المجتمعات المتكتمة والتي لا يكون الوصول إلى المعلومة فيها أمرا هينا وفيه يقول المغاربة مثلهم الشائع "الكرعة منين كتلقى لغبار متنفخ". تنتشر الإشاعة عادة داخل المجتمعات المنغلقة بحيث تصبح الأخبار الملفقة والإشاعات بمثابة متنفس للمواطنين والرعايا التواقين إلى معرفة ما يدور وراء الأسوار من سياسات وممارسات تخص صناع القرار. كما تنشط الإشاعة في المجتمعات واللحظات التاريخية الانتقالية ؛ حيث يكون الترقب والتطلع إلى القادم من القرارات سيد الموقف وهنا تصبح الحاجة إلى المعلومة وتداولها أمرا مهما ولو على حساب دقتها أو بنائها المنطقي؛ (زين العابدين بن علي فر رفقة زوجته بطن ونصف من الذهب.. وتسببت لعنة حلوله بجدة في اجتياح الفضائيات للمدينة المقدسة.. فرار ابن الرئيس المصري إلى لندن واعتقال وزير داخليته...). انتشار الإشاعات الكبرى المتعلقة بالمجال العام من سياسات وشخصيات عمومية عادة ما تستنفر له أجهزة الدولة المختصة سواء تعلق الأمر بالترويج للإشاعة أو بتحليلها والتصدي لها، وهنا لابد أن نذكر أنه ومنذ القرن الخامس عشر الميلادي، حين تحدث الفيلسوف الإيطالي الشهير ميكيافيلي عن الأهمية التي يكتسيها التوهيم عبر الإشاعة لضبط الشعوب بحيث في كتابه "الأمير" يربي الأمير الإيطالي و"يعطيه نصائح تتمحور حول تمكنه من أساليب تمنحه النفوذ على رعيته ومن ضمن هذه النصائح، نصائح التوهيم "يؤكد المؤرخ مصطفة بوعزيز ولهذا الغرض توجد بوزارة الداخلية المغربية خلية تهتم بالإشاعة وبتحليلها ورصدها ومراقبة حجم تأثيرها. الشائعة التي مست عرض فتح الله ولعلو "في فبراير 2004 اتصل بي أحد مصادري وأخبرني بأن زوجة أحدهم تقدمت بشكاية إلى مصالح الشرطة بالمضيق مفادها أن زوجها يمارس الشذوذ الجنسي رفقة أحدهم بفيلا بمنطقة كابو نيكرو، وأنه عندما التحقت الشرطة بعين المكان وجدت أن المعني بالأمر ليس إلا وزير المالية فتح الله ولعلو" يتذكر الصحفي ب"كاب راديو" أحمد بويوزان، الذي وقتها يراسل جريدة "الأسبوع السياسي" من تطوان، والذي يضيف مصرحا ل"أوال" اتصلت حينها بمفوضية الشرطة بالمضيق وبمرتيل ، لكنهم ظلوا صامتين، ولم ينفوا الخبر ولم يؤكدوه". عندما نشرت جريدة "الأسبوع السياسي" التي كان يديرها أنس التادلي، هذا الخبر، لثلاثة أسابيع متتالية، اهتز المغرب، وكثرت التأويلات فمن قائل بأن جهة في الدولة تسعى إلى تلطيخ صورة حكومة التناوب التي فتحت ملفات فساد تضرر منها عدد من محظوظي الأمس، ومن ساخر قال إن التناوب الحقيقي هو هذا الذي ضبط أحد رموز "الاتحاد الاشتراكي" وهو يمارسه، فيما ذهبت جريدة "الأحداث المغربية" حينها إلى أن أحد المقاولين المتضررين من قرارات فتح الله ولعلو قد وظف جريدة "الأسبوع السياسي" لتشويه صورة وزير المالية... خلال العدد الثالث والأخير من "الأسبوع السياسي" جاء في غلاف الجريدة وبالبنط العريض عنوان :"الشذوذ الجنسي والطبقة السياسية" وقد تمت الإشارة إلى فتح الله ولعلو، في المقال الداخلي، وبشكل مضمر على هذا الشكل :" فضحو الله ولعنو" حيث "نفذ هذا العدد من الأكشاك، بل وزعت نسخ فوطوكوبي منه في الأسواق والقرى والمدن، ولعبت الأحزاب والاستخبارات دورا كبيرا في ذلك" يضيف الصحفي أحمد بويوزان، الذي أدين في هذا الملف بستة أشهر موقوفة التنفيذ فيما حكم على مدير الجريدة، أنس التادلي، بسنة سجنا نافذة مع منع صدور جريدة "الأسبوع السياسي". لاحقا تبين أن من روج لهذه الإشاعة ومن كان وراءها ليس غير طليقة فتح الله ولعلو التي انتقمت لزواجه من امرأة ثانية بعدما "كان القائد الاتحادي"الراحل عبد الرحيم بوعبيد هو من أشار على فتح الله ولعلو حول مصدر الإشاعة التي استهدفته قبل ست سنوات والهدف من وراء إشاعتها قال :"طبعا ما قيل كذب في كذب، اختلقته صحافة لا تجد ما تملأ به أوراقها" ثم صمت برهة وأضاف :"لا يمكنني أن أقول أن ثمة جهة كانت لها أهداف من إطلاق هذه الكذبة، اللهم نوع من الصحافيين الذين يطمحون للترويج لصحفهم". عشرة دراهم يوميا لكل مواطن راجت الإشاعة في بداية ستينيات القرن الماضي ثمة من قال إن حزب الاستقلال هو من أطلقها يكن الصحيح أنها خرجت من دهاليز المكتب الشريف للفوسفاط عندما أسندت إدارته إلى محمد الغزاوي، المدير العام السابق للأمن الوطني. كان محمد أوفقير تولى المسؤولية وكانت علاقته مع حزب الاستقلال ازدادت سوءا. فقد فهم أنصار حزب علال الفاسي أن أبعاد الغزاوي من مديرية الأمن الوطني مقدمة لشيء ما يدار في الخفاء. لذلك فقد انطلقت الإشاعة التي تقول إن مداخيل الفوسفاط ستجلب إلى كل مواطن مغربي مبلغ عشرة دراهم يوميا توضع تحت وسادته سواء اشتغل أم لم يشتغل. بعض المتتبعين للشأن الحزبي في تلك المرحلة ربطوا بين انتقال محمد الغزاوي إلى إدارة المكتب الشريف للفوسفاط رفقة موظفين سابقين في الإدارة في مقدمتهم المسؤول الأول عن جهاز الكاب واحد، محمد الجعيوي، وبعضهم اعتبر الأمر مجرد إشاعة لتحسين صورة الحزب الذي خرج متعبا من الحركة الانفصالية لعام 1959 التي تولد من رحمها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لكن تلك الإشاعة سيكون لها مفعولها بعد تولي محمد الغزاوي مسؤولية وزارة الاقتصاد. لا أحد يعرف تحديدا من أطلق الإشاعة غير أن مفعولها كان قويا وفتح عيون المغاربة على ثروات البلاد. وكان من أغرب تداعيات تلك الإشاعة أنها ترافقت مع دعوات للتبرع من أجل بناء سد واد زيز. وتردد أن ذلك التبرع يشكل مقدمة لفترة رخاء. وبدل أن يجد المواطنون المغاربة مبلغ عشرة دراهم تحت الوسادة كل صباح عاينوا ارتفاع ثمن السكر. كان من نتيجة ذلك الارتفاع أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية تقدم بملتمس رقابة لإطاحة حكومة الوزير الأول الحاج أحمد أبا حنيني. وكان من بين المتدخلين الشاب عبد الواحد الراضي الذي تحدث طويلا عن غلاء ثمن السكر قبل أن تتحول منطقة الغرب الفلاحي إلى خزان لزراعة قصب السكر. الحاج تابت: حكاية الشريط 24 ! آخر صورة ظهرت لعميد الاستعلامات محمد ثابت كانت خلال تقديم إفادته الأخيرة أمام المحكمة. ومما جاء فيها أن جنيا يسكنه يحول له الأشياء إلى لون أحمر. وأن ذلك الجني هو من كان يمارس الجنس العنيف ضد ضحاياه من النساء اللواتي اغتصبهن وبرر لجوءه إلى تصوير مشاهد لممارساته أنه كان يريد أن يتعرف على الجني الذي يسكنه. في علاقة مع مسلسل الإشاعات حول قضيته سيتردد في الدارالبيضاء التي حوكم فيها، ثم نقل إلى سجن القنيطرة لتنفيذ حكم الإعدام بحقه، أن الإعدام شمل شخصا آخر وان العميد محمد ثابت غير ملامح وجهه ومنح له جواز سفر مكنه من الذهاب إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية للاستقرار بها. وزادت الإشاعة أن أفراد أسرته لا يعرفون عن مصيره أي شيء، وأنه بحكم عمله في جهاز الاستعلامات كان يعرف الكثير من الإسرار وتحدثت الشائعات عن حكاية الشريط رقم 24 الذي لم يعرض أمام المحكمة بدعوى أنه يحوي مشاهد لشخصيات سياسية كبيرة صورها العميد ثابت في أوضاع مخلة للتأثير عليها. وتردد آنذاك أن صدور حكم بإعدامه لم يكن بسبب تورطه في فضائح جنسية لأن القانون الجنائي لا يحكم بالإعدام في مثل هذه الحالات يوم إعدام العميد ثابت سرت إشاعات بأن شبيها له من أعدم. وكان ذلك جزءا من دعاية نفسية، بالنظر إلى التأثير المتزايد لفضائحه التي عرت بعض ممارسات رجال الأمن. الشجرة التي تبكي دما بالرباط على مقربة مؤسسة مالية كبيرة في العاصمة الرباط سمع الناس عن شجرة تبكي دما ترددت أخبارها في كل مكان، وحين كان يحل أحد بالمدينة يكون أول شيء يسال عنه هو الشجرة التي تنزف دما. ترافق ذلك مع مزاعم عن كتابة حروف على جذعها باللغة العربية، قيل إنها تتغير من تلقاء نفسها كل صباح. كان تلاميذ المدارس يقصدون المكان بحثا عن المعجزة الجديدة التي أحيطت بهالة من التقديس، قيل آنذاك إن تلك الشجرة نبتت فوق قبر ولي صالح، وأنه ضجر من مظاهر الفساد وبدأ في قبره فسرت دموعه في أغصان تلك الشجرة تمنحها الحياة. قيل كذلك إن شخصا قتل غدرا في ذلك المكان، وان روحه زرعت بين "ضلوع" تلك الشجرة للإشارة إلى الموت الغادر عسى أن تبحث الشرطة في فتح تحقيق في وفاة افتراضية. أخيرا سيتبين أن لا صحة لكل تلك الإشاعات وأن شخصا ما حفر بضعة حروف في جذع تلك الشجرة بصباغة حمراء، حولتها الألسن إلى أنهار من دماء. إشاعة أن "الرسول هو مؤسس الطريقة التيجانية" ! يعتقد شيوخ ومريدو الزاوية التيجانية، على حد سواء أن شيخهم الأكبر سيدي أحمد التيجاني المولود سنة 1737 ميلادية بقرية "عين ماضي" بالصحراء الشرقية للجزائر، كان يتلقى الرسول أواخر القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي. كما يحكون أن التيجاني، الذي انتقل سنة 1813 إلى فاس على عهد السلطان العلوي مولاي سليمان، قد استطاع استقطاب هذا السلطان السلفي إلى طريقتهم الصوفية التيجانية ! رغم أن الثابت هو أن المولى سليمان كانت له مراسلات مع كبير السلفيين المتأخرين بأرض الحجاز (السعودية حاليا" الشيخ محمد عبد الوهاب، والذي يعتبر للمفارقة أكبر من حارب التصوف والطرقية في عهده؛ ومع ذلك يصر التيجانيون على رأيهم الذي يدعمونه بكون المولى سليمان قرب الشيخ التيجاني منه في فاس وأهداه قصره المعروف "دار لمرايا" ويبدو أن التجانيين قد اضطروا لاختلاق إشاعة كبرى ليغظوا بها على هذا التناقض الكامن في العلاقة الملتبسة بين السلطان السلفي والشيخ الصوفي، حيث روجوا لمقولة أن صاحب الطريقة التيجانية ومؤسسها هو الرسول نفسه ! وعن ذلك يروي المؤرخ "الضعيف الرباطي" أن "المولى سليمان استأذن التيجاني في الانتساب إلى الطريقة الأصلي" الذي ليس غير الرسول، وهو ما يؤكده شيخ الطريقة التيجانية محمد الكبير التيجاني على موقعه الإلكتروني بقوله :"بعدما تاقت نفس السلطان إلى أن يدخل في سلك المريدين التيجانيين، تريث مولانا الشيخ رضي الله عنه وقتا حتى أخذ الإذن في ذلك من صاحب الطريقة صلى الله عليه وسلم فاستجاب لرغبة الطالب وبعث له برسالة يبشره فيها بما أعده الله لأهل الطريقة ويدعو له بالخير والإعانة على القيام بأعباء الملك". ثم يضيف الشيخ محمد الكبير التجاني، "مما زاد مولانا الشيخ رضي الله عنه حبا في الملك مولاي سليمان ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أنه لا يوجد في الدنيا في ذلك الوقت أمير يسوس رعيته بمقتضى الكتاب والسنة أكثر من هذا الإمام الشريف" ورغم هذا التقارب بين الشيخ الصوفي والسلطان الوهابي، فلم تنج الطريقة التيجانية من تكفير الوهابيين فقد سبق "للجنة الدائمة للبحوث والإفتاء" التي كان يرأسها مفتي السعودية الراحل عبد العزيز بن باز، أن اعتبرت الفرقة التيجانية من أشد الفرق كفرا وضلالا". حين جعل المهدي الموتى يتكلمون ! عندما فكر المهدي ابن تومرت في بداية القرن الثاني عشر الميلادي، في القضاء على حكم الدولة المرابطية، وتأسيس دولته الموحدية استعان على ذلك بفكرة شيعية تقول إن الله سيبعث في آخر الزمان إماما يملأ الأرض عدلا بعدما امتلأت ظلما، وقد أورد المهدي ابن تومرت في كتابه "أعز ما يطلب" أنه "لا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان إلى أن تقوم الساعة... ولا يكون الإمام إلا معصوما... وأن الإيمان بالمهدي واجب، وان من شك فيه كافر، وإنه معصوم فيما دعا إليه من الحق... وإنه يقطع الجبابرة والدجالين وأنه يفتح الدنيا شرقها وغربها، وإنه يملأها بالعدل كما ملئت بالجور وإن امرأة قائم غلى أن تقوم الساعة". وكما مهد ابن تومرت لفكرة أن لا سبيل لتغيير الأوضاع إلا بمجيئ المهدي المنتظر، مهد أيضا للإشاعة التي أطلقها بين الناس كالنار في الهشيم والتي مفادها أنهه هو نفسه المهدي المنتظر المعصوم عن الخطأ من جاء ليملأ الأرض بعدل الموحدين وينزع عنها ظلم المرابطين. كانت البداية عندما طلب من أكثر مرافقيه علما وفصاحة وهو البشير الونشريسي أن يتظاهر أثناء جولاتهم بين القبائل بأنه جاهل وبأنه لا يحسن الحديث بالعربية ، غلى أن كان أحد الأيام الذي قرر فيه ابن تومرت إبهار أتباعه وأعدائه بمعجزاته، حيث أشار على الونشريسي قبل صلاة الفجر فتقدم أمام الجموع التي عهدته جاهلا غير منضبط في أداء الصلاة وأخذ ينطق بلسان فصيح بليغ ولما رأى انبهار الناس لحاله قال لهم :"إني رأيت البارحة في منامي وقد نزل بي ملكان من السماء وشقا فؤادي وغسلاه وحشياه علما وحكمة وقرآنا". وهكذا انطلقت الإشاعات تتوالد وتتزايد في ربوع الدولة المرابطية تقول إن الله قد خص ابن تومرت وصحابته بالكرامات والمعجزات. وبما أن مثل هذه "الألاعيب" ما كانت لتنطلي على أجهزة الدولة وعلمائها وسياسييها فقام المرابطون لمواجهة ابن تومرت وأتباعه، إلا أن هذا الأخير سيلجأ إلى حيلته الكبرى التي سيقضي بها على جيوش المرابطين ودولتهم بعدما اقتربت من القضاء عليه وأتباعه، بحيث اختلق فكرة أنه المهدي المنتظر الذي بعثه الله، ولكي يثبت هذه الإشاعة بما لا يدع مجالا للشك، جعلها على لسان "الموتى" عن ذلك يحكي المؤرخ المريني ابن أبي زرع :"كانت بين الموحدين والمرابطين حرب، فقتل من الموحدين خلق كثير، فمعظم ذلك على عشائرهم فاحتال المهدي بأن انتخب قوما من أتباعه ودفنهم أحياء بموضع المعركة وجعل كل واحد منهم متنفسا في قبره وقال لهم إذا سئلتم على حالكم فقولوا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا (يقصد في الآخرة) وإن دعا إليه الإمام المهدي هو الحق وهكذا سرت بين الناس الإشاعة المؤسسة لدولة الموحدين والتي تقول إن المهدي ابن تومرت هو المهدي المنتظر وأنه مدعوم بالأحياء والموتى. الحسن الثاني :الإنسان الخارق ! يمكن اعتبار الملك الراحل الحسن الثاني من أكثر ملوك المغربي الذين صاحبت مسارهم مجموعة من الإشاعات التي استمرت بنفس القوة حتى بعد موتهم، ويرجع هذا لطابع السرية الذي اتسمت به فترة حكمه، وكذا لما طبع مساره من اضطرابات وانقلابات. كل ذلك سيجعل شخصية الحسن الثاني ذات طابع "ميثولوجي" ومن عوالمه عوالم غرائبية، حيث ستتجاوز بعض المرويات التي كانت تحكى عنه مستوى الإشاعة لتصل حد الأسطورة، من قبيل أن الحسن الثاني يتحكم في الجن، وأن الذين حاولوا اغتياله كانوا عندما يقتربون منه يصابون بالبكم والصمم، وتشل أطرافهم... وإذا كان عدد من الملوك عبر التاريخ قد خلقوا وروجوا للإشاعات بغاية ترسيخ الحسن الثاني شخصية أسطورية، لم تكن بحاجة إلى من يختلقها ويروج لها، بل إنها كانت تستقي مادتها من وقائع حقيقية، فقد أكد الخبراء الذين فحصوا الطائرة الملكية بعد الهجوم الذي تعرضت له في غشت 1972 أنه واستنادا للأضرار التي لحقت بالطائرة، فإن نسبة النجاة من الحادث كانت أقل من واحد بالمائة، وهو الهامش الذي استفاد منه الحسن الثاني ليخرج سالما من محاولة انقلاب هي أغرب المحاولات الانقلابية الفاشلة في القرن العشرين. طابع السرية، أيضا الذي غلف وما يزال مصير المهدي بن بركة، أكبر معارضي نظام الحسن الثاني جعل الإشاعات تتناسل حوله، في ظل معطيات واضحة ونهائية فبعد كل التصريحات التي أعطاها بعض المتورطين الثانويين في القضية للصحافة، راجت في مرحلة من المراحل إشاعة تقول إنه بعد اغتيال الزعيم الاتحادي فصل رأسه عن جسده وقدم في إحدى الأمسيات إلى الحسن الثاني، في طبق من فضة، وأن الحسن الثاني حمل الغطاء وقرب الرأس من أحد مستشاريه الذي أصيب بالغثيان وبدأ يتقيأ إلى أن أغمي عليه. أما طابع السرية التي ضربها الملك الراحل حول نسائه وحريمه، فجعلت من السهل على عدد من المتربصين بالعرش أن يدعوا نسبهم إليه، وأن أمهاتهم كن من ضمن أولئك النساء والحريم؛ هكذا راجت في 1997 إثر الحوار الذي أعطاه الحسن الثاني للتلفزيون الإيطالي "راي أونو" إشاعة تقول إنه متزوج في السر من سيدة إيطالية. وفي 2005 نشرت الجريدة الإسرائيلية "يدعوت اححرنوت" حوارا مع إحدى الإسرائيليات واسمها "هيدفا سيلا" ادعت أنها هي وأخاها من صلب الحسن الثاني ، الذي قالت إنه كان على علاقة بأمهما "انيتا بن زكين" ابنه أخ "ليون بن زكين" الذي شغل منصب وزير البريد في حكومة امبارك البكاي لهبيل لسنة 1956؛ هذه الإشاعة التي سيتبين بعد أن كشفت الصحافة الإسرائيلية أن "هيدفا سيلا" هي عملية لجهاز الموساد، تورط جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" في إشاعتها لأغراض لا تزال مجهولة لحد الآن. ترويج إشاعة "هيدفا سيلا" سيغري مغامرا آخر هو هشام المنداري الذي تم قتل غشت 2004 في ظروف غامضة بإسبانيا حيث سبق أن صرح للجريدة الأمريكية "واشنطن بوست" في سياق تبرير سرقته شيكات الحسن الثاني من داخل القصر الملكي وكذا انتحاله اسم الأمير مولاي هشام ، قائلا بأنه ابن للحسن الثاني من سيدة تدعى شهرزاد الفشتالي. محمد الخامس بين "سلطان النصارى" والقمر كثير ممن تناولوا الإشاعة الشهيرة التي حولها الوطنيون إلى حقيقة إعجازية والقائلة بظهور السلطان محمد الخامس في القمر، لا يعرفون أن الحركة الوطنية المغربية لم تلجأ لإطلاق هذه الإشاعة إلا بعدما ضاقت ذرعا بالإشاعات التي كانت فرنسا وأذنابها يروجون لها للانتقاص من السلطان الوطني محمد الخامس، وإظهاره بمظهر المسؤول الفاسد المتحلل من قيم الدين الإسلامي والموالي لأحزاب شيوعية متطرفة لا تقيم للأعراف والأخلاق أي اعتبار. ففي يوم 20 غشت 1953 كان السيل قد وصل الزبى لذلك فكر الوطنيون في إطلاق إشاعتهم التاريخية فبدؤوا يوزعون صور الملك المنفي بكورسيكا بين الأحياء والقرى ولضمان نجاح خطتهم جعلوا نقطة دقيقة تتوسط الصورة، بحيث كانوا يحثون الناظر للتركيز عليها والإمعان فيها ثم النظر إلى القمر، وقد ساعد في ذلك كون صورة محمد الخامس كرمز للفداء والتضحية، كانت مترسخة في أذهان وقلوب المواطنين قبل عيونهم، وهكذا استطاعت هذه الإشاعة أن تجب ما قبلها من الإشاعات التي أطلقتها فرنسا وعملاؤها عن محمد الخامس من بين الإشاعات التي أطلقتها فرنسا على محمد الخامس قولها بأنه شيوعي يسعى إلى سلب الناس أرضهم وممتلكاتهم وتوزيعها على "الرعاع" والفقراء، وذلك لكي تؤلب عليه بعض الصناع والفلاحين والعلماء التقليديين، وتكسبهم إلى جانبها، وقد بدأت هذه الصورة في التغلغل بين هؤلاء المحافظين بعدما أعقبتها إشاعة أخرى قالت إن أبرز دليل على خروج محمد الخامس عن تعاليم الإسلام هو إظهاره بناته، والحال أن كل رجالات الحركة الوطنية في المغربي وتونس ومصر والشام... كن يدعمن في هذه المرحلة تعليم الفتاة وخروجها للعمل ولا يرون أي حرج في ارتدائها أزياء عصرية محتشمة لذلك جاء رد الأزهر الشريف سريعا على دعاوى أبواق فرنسا التي سعت إلى النيل من إسلام محمد الخامس. في خضم هذا التنافس على إطلاق الإشاعات جمعت فرنسا 270 من القواد والباشوات الموالين لها وأمرتهم يوم 21 ماي 1953 بأن يحرروا رسالة ينتقصون فيها من إسلام محمد الخامس ومن جملة ما جاء فيها :" بما أن السلطان سيدي محمد بن يوسف خرج عن جميع رجال المغرب العاملين واتبع طريقا مخالفا للقواعد الدينية بانتمائه للأحزاب المتطرفة غير المعترف بها وتطبيق مبادئها في البلاد، الشيء الذي جعله يسير بالمغرب في طريق الهاوية، فإننا بصفتنا كبراء المغرب وأصحاب الحل والعقد ومن ذوي الغيرة على الدين الإسلامي نقدم لسعادة المقيم العام وللدولة الفرنسية طلب عزل السلطان عن الحكم وتنحيته عن العرش وإسناد هذا الأمر إلى من يستحقه". وهذه من مفارقات الإشاعات التي روجت لها فرنسا، ففي الوقت التي آلمتها أن يخرج محمد الخامس من قبضتها روجت لإشاعة أنه خرج عن القيم الإسلامية واختار بدلها الفرنسية !كما كانت فرنسا في هذه الأثناء تحرض بوقها الإعلامي المتمثل في جريدتي "السعادة " و"الوداد" على إطلاق إشاعات مسمومة عن السلطان نقرأ في إحدى افتتاحيات "الوداد" التي أعقبت نفي محمد الخامس :"... الذين لا اطلاع لهم على حقيقة السلطان المخلوع ولا يعرفون شيئا عن إلحاده وزندقته... فهو يتلقى الرشوة ويبيع المناصب والوظائف". "الحاج" عبد السلام فرانكو ! بعد انقلابه على الحكومة الجمهورية في 1936 كلف الديكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو، الكولونيل خوان بيكبيدير بمهمة الدعاية للنظام الجديد وباستقطاب "الأهالي" المغاربة إلى جانبه في الحرب الأهلية الإسبانية التي خاضها فرانكو ضد الحكومة الجمهورية. هكذا لم يكن بيكبيدير يفوت فرصة لقاء أو خطبة إلا وحث المغاربة فيها على الالتحاق بصفوف "الثوار" مؤكدا على "الأخوة الإسلامية الإسبانية" التي يرعاها الأب الحنون فرانكو، ويشنع بالمقابل بالجمهوريين الذين يصفهم بالشيوعيين أعداء الإسلام والمسيحية وفي هذا الإطار حرصت مندوبية شؤون الأهالي بتطوان بأمر خاص من فرانكو على تنظيم عدة رحلات للحج وفي إحدى هذه الرحلات استقبل فرانكو وفد الحجاج الذين عرجت بهم البارحة الألمانية على اشبيلية عبر "الوادي الكبير" خصيصا لملاقاة فرانكو، الذي خطب فيهم قائلا :"لقد كانت إسبانيا والإسلام، الشعوب الأكثر تفاهما دائما أبدا. وفي الفترة العالمية الحالية ظهر عدو ضد الإنسانية وضد كل المؤمنين الذين لهم عقيدة، يجب عليهم أن يتحدوا لمواجهة هذا الخطر... هذا هو جوهر الإسلام" ! ولك يكتف دكتاتور إسبانيا بإشاعة أنه صديق للمسليمن بل روجت آلة دعايته بين البسطاء أن فرانكو دخل الإسلام واختار من الأسماء عبد السلام وحج إلى بيت الله الحرام وأنه على المسلمين الالتحاق بصفوف جيشه لمحاربة الشيوعيين، وإعادة الأندلس إلى حضن الإسلام. وقد أوردت ماريا روسا دي مادريارغا في كتابها :"مغاربة في خدمة فرانكو" أنه "في 22 يناير 11939 كتب أحد الحجاج، خلال توقفهم بطرابلس ، رسالة إلى أحد أصدقائه يعبر له فيها عن شكرهم وامتنانهم العميق لفرانكو وكيف أن كل الحجاج على متن الباخرة يرفعون أكف الضراعة داعين بالنصر لفرانكو حامي الإسلام وصديق المسلمين". أما المؤرخ المغربي ابن عزوز حكيم فيؤكد أنه "من ضمن هذه الوفود من كان يقسم أنه رأى فرانكو يؤدي مناسك الحج". وما يزال عدد من قدماء المحاربين في شمال المغرب، إلى اليوم لا يذكرون فرانكو إلا مقرونا بالحاج عبد السلام، هذا ما يؤكده الكاتب المغربي الراحل محمد شكري في روايته "الخبز الحافي" بقوله :"أبي يستلذ البطالة في ساحة "الفدان" مع المغاربة معطوبي الحرب الأهلية الإسبانية كان بعضهم يفخر بها لأنها أتاحت له أن يغامر وأن تكون له ذكريات عن المعارك التي خاضها منتصرا أو مهزوما وكان الكاوديو يسمى بينهم الحاج فرانكو". ملوك العلويين إذا دخلوا "دار الضمانة" ماتوا خلال زياراته الثلاث إلى وزان كان محمد الخامس يدخل مدينة "دار الضمانة" حافي القدمين لا لشيء إلا لكون المدينة تعتبر في تقدير الشرفاء الوزانيين زاوية كلها، بكل أحيائها وشوارعها لذلك يتوجب على داخلها خلع نعليه. وانسجاما مع هذه القناعة تبقى وزان إلى اليوم المدينة الوحيدة التي لا وجود لخمارات فيها. جرت آخر زيارة قام بها محمد الخامس إلى وزان يوم 11 يونيو 1959، ولسبب من الأسباب اقترنت في أذهان الناس بوفاته التي لم تحصل إلا في فبراير 1961، حيث ساد لوقت طويل اعتقاد يقول إن السلطان السياسي للبلاد ما كان عليه أن يطأ مدينة لها سلاطينها الروحيين، "هذا كلام العوام اعتمد على القول بأنه لا يمكن أن يلتقي السلطان الزمني، الذي كان يمثله الزاوية الوزانية، وهذا مرجعه إلى مراحل التنافس على السلطة عندما كان سلاطين المغرب يلتمسون بيعتهم من الزاوية الوزانية التي كان نفوذها الروحي يصل إلى بومباي بالهند" يؤكد ل"أوال" الباحث في المجال الصوفي محمد التهامي الحراق، والذي يضيف حكاية طريفة وقعت للحسن الثاني مع المدينة، بحيث إنه "بعد وفاة محمد الخامس بمدة أراد الحسن الثاني أن يقوم بزيارة لوزان، فبعث مستشاره شرفاء وزان في صحة الإشاعات التي تقول إن سلاطين وملوك العلويين ممنوعون من زيارة وزان ، وعندما حل المستشار بالمدينة ضيفا على مولاي عبد السلام الطيبي الخطيب ، سأل المستشار شيخ الزاوية في الموضوع فأجابه هذا الأخير بأن هذا كلام العوام ولا أساس له في الشرع وأن الشرفاء لا ينتظر منهم إلا الخير، وأن الأعمار بيد الله". ثم يستطرد محمد التهامي الحراق قائلا إن "بنسودة عندما نقل ما سمعه من شيخ الزاوية الوزانية مولاي عبد السلام الطيبي الخطيب، إلى الحسن الثاني أخذ هذا الأخير يذرع القاعة جيئة وذهابا، ويداه مضمومتان خلفه، وهو يردد : الحاجة للي عندي فيها الشك ما عندي ما ندير بها". ارتياب العلويين في شرفاء دار الضمانة يتعدى زمن الملك محمد الخامس إلى عهد السلطان مولاي إسماعيل الذي بلغه أن مولاي التهامي الوزاني، حفيد مؤسس زاوية وزان مولاي عبد الله الشريف، يطمع في منافسته على العرش، فبعث إليه من استقدمه من وزان إلى مكناس ولما اختبره في صحة ما بلغه من إشاعات وتيقن من عدم صحتها، قال مقولته الشهيرة :"اتركوا الوزانيين يفعلون ما يشاؤون في وزانهم".