في يومين قضى 24 شخصا نحبهم في حادثة سير مفجعة، وفي اليوم التالي لقي 14 شخصا نفس المصير. جثث تفحمت، مصابون بجروح خطيرة تهدد بإعاقة دائمة، أخبار يومية أصبحت شبيهة بأخبار شهداء الأراضي المحتلة، والعراق والتي بسبب حدوثها يوميا بات سماعها لا يستنفر في المواطن أي إحساس بالمسؤولية ولا يستنهض فيه أي شعور بضرورة القيام بشيء ما لوقف هذه الحرب. عدد الأفراد الذين يلقون حتفهم على طرقات المغرب يقارب إن لم يكن أحيانا يتجاوز عدد القتلى الذين يسلمون الروح مرغمين في العراق! خبر بات عاديا، ولم تعد تفلح معه لا نشرات الأخبار التي تذيع وتنبه وتحذر، ولا إشارات المرور، ولا عقوبات خرق قانون السير ولا أي شيء، مما دفع بالدولة إلى اللجوء إلى التعاليم الدينية، والاستغاثة بأئمة المساجد، للمساهمة في وقف النزيف على الطرقات في حرب لا تنتهي. بعد الصلاة...عادت الحرب من الرباط إلى طنجة، ومن الدارالبيضاء إلى فاس، ارتفعت أصوات أئمة المساجد تناشد المصلين والمصليات بعدم إلقاء أنفسهم وغيرهم للتهلكة، عدم خرقهم لقانون السير والسياقة بسرعة، ودعوهم إلى التزام التعاليم الدينية في سلوكهم، وأن القيادة الحسنة بدورها عبادة، توجب احترام النفس والغير وأفراد الأمة. "كانت خطبة في الصميم وخطوة غير متوقعة، أثلجت صدري، فسماع أخبار حوادث السير أو رؤيتها على الطريق أمر مفجع" يقول هشام أحد الذين، احد الذين حضروا صلاة الجمعة وشهدوا خطبة الإمام لوقف حرب الطرق، مواصلا "لكن ما يؤسف أن المصلين حينما خرجوا من المسجد عادوا لنفس السلوك المميت، مارة أو سيارة، منهم من عبر الطريق دون احترام إشارة الطريق، ومنهم من أخذ يركض في وسطها دون أن يفطن لتسببه في الفوضى، وكأنهم كانوا مغيبين عن هذا العالم حين كان الإمام يخطب، أو كأنهم غير معنيين بالأمر!". حتى الإمام وقف عاجزا أمام حرب الطرق في المغرب، وكأن تصنيفه من بين الدول ذات الطرقات المميتة يعد فخرا وليس كارثة يجب أن يستنفر لمحاربتها الفرد قبل الجماعة، سويعات بعد صلاة الجمعة أذاعت وسائل الإعلام المحلية أخبار حوادث سير خلفت قتلى وجرحى. أين مربط الجرح؟ توشك هذه السنة على نهايتها مخلفة وراءها أكثر من 8000 حادثة سير تسببت في مقتل ما يفوق 600 شخص واصابة ما يزيد عن ألف شخص بجروح بليغة و9000 بجروح خفيفة. حصيلة حرب الطرق لا تتوقف عند هذا الحد، فقد خلفت خسائر مادية تستنزف ميزانية الدولة، المستشفيات عاجزة عن تلبية حاجيات المواطنين الضرورية فتمتلئ بضحايا حوادث السير، المعونات الاجتماعية لا تستطيع إعالة الأرامل والثكلى واليتامى الذين تنتجهم يوميا حرب الطرق، أموال طائلة صرفت في ترميم الطرقات الرئيسية والطرقات السيارة ولم تسلم من حوادث سير مميتة، توجيهات وإرشادات تسعى لوقف هذا النزيف دون أية نتيجة تذكر، ليبقى السؤال المطروح: لماذا؟ لماذا الحرب لا تزال مستمرة؟ مصدر من اللجنة الوطنية لحوادث السير قال ل "الرأي": "السياقة بسرعة تتجاوز المسموح بها، وخرق قانون السير أحد أهم الأسباب الرئيسية لحوادث السير، ومادامت الرشوة مستفحلة بين القائمين على منح رخص السياقة، وشرطة المرور، فتنفيذ العقوبات الزجرية في حق مرتكبي هذه الحوادث يبقى مجمدا، وبالتالي يواصلون ارتكاب هذه الجرائم بكل حرية". مصدر آخر في نفس اللجنة رأى أن انتشار الأمية وغياب الوعي حتى بين السائقين ذوي المستويات الدراسية والمهنية العالية، إضافة إلى غياب عقوبات زجرية في حق المارة الذين يعرضون أنفسهم للتهلكة عمدا وفي تحد للسائقين، يحول دون تحقيق نتائج تذكر أمام حرب ضروس يقودها المواطنون المغاربة ضد بعضهم البعض فما أن تستقل سيارتك حتى تصبح عرضة للخطر في أي ثانية يقول مصدرنا آسفا. هل من مخرج؟ "الرأي" استطلعت الحلول التي يرى المواطنون أنها مناسبة للحد من إزهاق الروح على الطرقات، تقول أسماء "شخصيا أرى أن الحل هو في احترام السائق للأمانة التي منحها له الخالق وهي روحه، فأغلب السائقين يعتقدون أنهم بعيدون عن ارتكاب حوادث السير، وأن خرق القانون هو القانون وليس احترامه، إلى درجة أنه يستهزأ بمن يحترم إشارات تخفيف السرعة، ويتجاوزون الأمر إلى مضايقته في الطريق "لا بد أن نتحلى بروح المواطنة، وحب بلدنا، فيد واحدة لا تصفق كما يقول المثل، وتغيير هذا البلد إلى الأفضل لا يتم فقط من فوق، مادام الأساس غير مبني بشكل جيد"، يقول عز الدين مواصلا:"يقول رسولنا لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فلو طبقنا هذا الأمر في حياتنا على الطرق بكثير من المسؤولية واحترام الذات والآخر، وجعلناه نوعا من العبادة لخف هذا العنف الذي نمارسه على بعضنا بشكل يومي". على طرقات المغرب، سائقون وسائقات بوجوه متجهمة، لا يتورعون في الشتم والسب يلومون الآخر على تجاوزهم حيث لا يسمح بالتجاوز، ولا يتورعون بدورهم في خرق القانون وهضم حق سائق آخر، وحالما يترجلون من السيارة يبدؤون فصول الشتم والغضب في حق السائقين، ويتعجبون كيف لا تحترم أرواح المارة، وحالما يعودون إلى مقعد القيادة، خلف المقود، يواصلون سيل الشتم والغضب في حق المارة مستغربين كيف لا يحترمون قانون عبور الطريق، ويرمون بأنفسهم للتهكلة. مسرحية من الكوميديا السوداء تعيشها الطرقات في المغرب، يؤدي ثمنها الجميع، دون أمل في إيقاف الدماء على الإسفلت. الراي