شبه إجماع على رفض دعوة العدل والإحسان إلى حوار وطني نبيل بنعبد الله: مبادرة الجماعة ضرب من العبث السياسي لحسن الداودي: الأمور حسمت ولا يمكن العودة إلى الوراء سعيد لكحل: هذا تكتيك جديد للجماعة ولا أحد سيستجيب للدعوة دعت جماعة العدل والإحسان إلى ما أسمته « فتح باب الحوار الشامل على قاعدة ميثاق وطني جامع» في خطوة رفضها البعض رفضا قاطعا، بينما اعتبرها البعض الآخر تمويها من الجماعة، وتكتيكا جديدا بعد فشل مسعاها لاستمالة المغاربة لمقاطعة الدستور. بينما اعتبرها بعض المراقبين «فشلا دريعا للجماعة التي تعتقد أنها تملك ما يكفي من التنظيم لاستعراض قوتها في الشارع». ففي الوقت الذي كانت جماعة الشيخ ياسين، التي تبسط سيطرتها على حركة 20 فبراير الشبابية، تعتقد أنها تستطيع التأثير على الشعب لمجاراتها في دعوتها إلى المقاطعة، عرف الاستفتاء على الدستور نجاحا باهرا وحظي بالتصويت الإيجابي للغالبية الساحقة من الناخبين المغاربة. وقال الباحث المتخصص في شؤون الجماعة، سعيد لكحل، إن دعوة العدل والإحسان ليست الأولى من نوعها، فقد سبق لها أن وجهت دعوة مماثلة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، دعت فيها إلى ميثاق إسلامي، تكون فيه الجماعة هي النواة الصلبة. وكررت دعوتها فيما بعد، لتطرح فيها مرة أخرى أن يشكل الإسلام أرضية الحوار والنقاش، فتبين لها أن تلك الدعوة لن تجد لها أي صدى في أوساط الفاعلين السياسيين. بسبب تباعد الرؤى بينها وبين الأحزاب السياسية الأخرى، التي ترى أن هدف الجماعة هو تغيير النظام في المغرب. وأضاف سعيد لكحل، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أن العدل والإحسان «تستغل الحراك الحالي في المغرب، ومطالب التغيير المعبر عنها من طرف شباب حركة 20 فبراير، وحاولت الركوب عليها مرة أخرى، وهذا تكتيك جديد من الجماعة، رغم أن الحركة الشبابية تدفع التهم والانتقادات الموجهة إليها من مختلف الفاعلين بأنها وقعت تحت سيطرة الجماعة». وشدد المتخصص في شؤون الجماعة أن الهدف المركزي للجماعة في هذا الظرف بالذات هو محاولة تشكيل كتلة، خصوصا من شباب الحركة والهيئات السياسية المساندة لها، وتجميع كل هذه الأطياف المختلفة، للانتقال إلى المرحلة الموالية، بعد تشكيل قوة ضغط كبيرة على مستوى الشارع، فضلا على أن العدل والإحسان تستغل بشكل جيد الظرف الحالي، الذي يتزامن مع إعلان حركة 20 فبراير استمرار احتجاجاتها إلى حين إسقاط الاستبداد. ويمضي سعيد لكحل في تحليله لخلفيات دعوة أتباع الشيخ ياسين إلى التأكيد أن هذه الجماعة تعتبر حركة 20 فبراير بمثابة ذراعها الشعبي للخروج إلى التظاهر في الشارع، في محاولة منها لتطويعها وتحويلها إلى قوة لاستغلالها فيما بعد (بعد أشهر على أقصى تقدير كما يتراءى لها) لتحقيق أهدافها. ووصف الباحث المتخصص في شؤون العدل والإحسان هذا الموقف ب «الانتهازية»، التي تستعمل فيها الشباب الداعي إلى التغيير لتحقيق مطامحها التي لا تلقى أي تجاوب من طرف الشعب. بالمقابل أبرز أن دعوة الجماعة إلى ما تسميه حوارا وطنيا لن تجد أي تجاوب من طرف أي من القوى السياسية المغربية. فحتى الإسلاميين، في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية، أنفسهم لن يتجاوبوا مع هذه الدعوة، لأن الجميع يختلف مع هذه الجماعة حول الإطار السياسي للنظام المغربي. ولم تًخِب توقعات سعيد لكحل فيما يعود إلى رفض الكثير من القوى السياسية للمبادرة، واستحالة التجاوب مع دعوة الجماعة. حيث وصف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، مبادرة مريدي الشيخ ياسين بأنها «ضرب من العبث السياسي»، بينما اعتبر نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن دعوة العدل والإحسان «لا يمكن أن تجد لها صدى في أوساط الطبقة السياسية». وقال نبيل بنعبد الله في تصريح للجريدة «لما كنا في الحوار الوطني حول الدستور، كانت جماعة العدل والإحسان ترفض المشاركة فيه، وتغرد خارج السرب، وتقوم بتأليب الشباب ضده، والآن يخرجون بالدعوة إلى حوار وطني»، مشددا على أنه في اعتقاده لن تجد هذه الدعوة من يستجيب لها. وأردف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بالقول «العدل والإحسان ليسوا في وضعية تسمح لهم باتخاذ مثل هذه المبادرة، ولا نفهم الخلفيات التي تقف وراء مثل هذه الدعوة». ويكاد يتفق موقف نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لحسن الداودي، مع نبيل بنعبد الله في التأكيد أنه لا يمكن القبول بحوار وطني حول مسألة حسمت، وهي الدستور، وأقرها الشعب المغربي بأغلبية ساحقة ونسبة مشاركة مرتفعة. وقال الداودي لبيان اليوم لا يمكن القبول بالجلوس إلى الحوار بعد أن حسم أمر الدستور نهائيا، وإلا ستكون الأحزاب السياسية التي تقبل مثل هذه المبادرة متناقضة مع نفسها، وتساءل باستغراب «من يقبل أن يستجيب لدعوة مثل هذه بعدما صوت لصالح الدستور؟». وشدد الداودي في تصريحه للجريدة على أنه لا يمكن العودة إلى الوراء، وليس مقبولا العودة إلى نقطة الصفر في هذا المسلسل الذي انخرط فيه المغرب. وقال بنبرة لا تخلو من الاستهزاء «حنا شادين الطريق، ما يمكنش نرجعو اللور، راه مارش آريير ممنوع فلوطوروت». وكان بيان للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، حول نتائج الاستفتاء، نشر بموقع الجماعة، أشار إلى أن الاستفتاء على مشروع الدستور جرى فيما أسماه «جو من الاحتقان والتوتر يطبعه إصرار مخزني مثير للدهشة على الاستفراد بصياغة الوثيقة الدستورية التي تشكل القانون الأسمى وأساس التعاقد بين مكونات المجتمع، ويطبعه رفض واسع للجنة المعينة من قبل الملك لصياغة هذا المشروع، ومقاطعة كبيرة للاستفتاء حوله بسبب انعدام أدنى شروط النزاهة، وبسبب عدم استجابة مضامينه لأبسط انتظارات الشعب ومطالب القوى التي خرجت إلى الشارع طيلة أربعة أشهر بكل المناطق مطالبة بدستور ديمقراطي تصوغه جمعية تأسيسية منتخبة ويعرض على استفتاء نزيه، ليقول فيه الشعب، صاحب السيادة، كلمته الفصل». واعتبر البيان أن التعديلات الدستورية «لم تمس جوهر البنية الاستبدادية للنظام، وخطوة تنفيسية لإسكات صوت الشارع المنتفض». وخلص البيان، فيما يشبه التهديد، إلى دعوة جميع الأحزاب إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية «أمام الله والشعب والوطن» وختمت الجماعة بيانها بالدعوة إلى فتح «باب الحوار الشامل على قاعدة ميثاق وطني جامع، لتجنيب البلاد الانزلاق نحو الهاوية والسير في طريق المجهول الذي تسعى إليه وتدفعنا نحوه الجهات المغرقة في الفساد والمنتفعة من الاستبداد».