خرج الملك عبد الله بن عبد العزيز، قبل ثلاثة أعوام، بقرارات إصلاحية طالت مفاصل الدولة، من القضاء إلى التعليم، وهي قرارات يتناساها البعض اليوم، وقبل فترة بسيطة أضاف قرارات اقتصادية، وهيئة لمكافحة الفساد، كما قال للسعوديين قبل أيام: أنا خادم لكم. وقبل أيام أعلن ملك الأردن أن الأغلبية البرلمانية هي من تشكل الحكومة في بلاده، وهاهو ملك المغرب يخرج لشعبه بدستور جديد، ويخاطبهم قائلا «خديمك الأول» أي خادمكم، بينما القذافي يقول لشعبه: أيها الجرذان، ويقتلهم، والمدافعون عن نظام الأسد يصفون المتظاهرين ب«الحثالة».. فهل رأينا الفارق بين ملكياتنا وجمهورياتنا؟ جمهوريات بررت جزءا من مشروعيتها بمحاربة ما سمته الأنظمة الرجعية قاصدة الملكيات، لكن ما نراه اليوم هو أن تلك الجمهوريات هي التي تقتل شعوبها لتتشبث بالسلطة، وهي من تكرس الرجعية. هذا ما يحدث اليوم في سوريا على يد نظام الأسد، وفي اليمن على يد نظام صالح، وكذلك في ليبيا على يد القذافي. وكما لاحظ أحد الزملاء بذكاء أن «الملكية ليست معيار الرجعية، بل السلطوية الفردية في جمهورياتنا هي معيار الرجعية». فملكياتنا اليوم هي مصدر الاستقرار والتقدم، ويكفي تأمل الفارق بين ليبيا القذافي، مثلا، وبين سلطنة عمان، فرغم كل الثروات البترولية لم يستطع القذافي بناء دولة حديثة، بينما نجد السلطان قابوس، ورغم كل الإمكانيات المالية الضعيفة، يبني دولة حديثة، ويستجيب لمطالب شعبه سريعا. ولذا، فإن ملكياتنا لا تعني التحجر، كما هو حال كثير من جمهورياتنا، بل إن الملكيات هي التي تتقدم للأمام، وتتجاوب مع مطالب شعوبها، وهذا ما حدث أول من أمس في المغرب، يوم خرج العاهل المغربي مستجيبا لمطالب شعبه، ومتعهدا بأن يكون الحكَم، وليس طرفا، وتعهد بأن تحكم الأغلبية البرلمانية، وساوى المرأة بالرجل، وتعهد بمغرب عصري، واعترف باللغة الأمازيغية، وتعهد بأن تدرس بلاده أهم لغات العصر ليرتقي المغرب بأبنائه وبناته. ومن هنا يتضح الفارق بين ملك يستجيب ويطور، وبين رؤساء كل حرصهم هو البقاء في السلطة. ويكفي هنا أن نتأمل مفارقة جديرة بالاهتمام، فبريطانيا، وهي من أقدم الملكيات، تعتبر أيضا أم الديمقراطيات، مثلما أن الملكية في إسبانيا هي ضمان لدولة مزقتها الصراعات إلى زمان قريب. لذا، عربيا، فإن الأنظمة الملكية عامل استقرار، بينما الجمهوريات باتت عامل استعباد، حيث إن حكامها يبقون في مناصبهم فترات أطول حتى من أقدم ملوك المنطقة، وتتحول دولهم لشركات عائلية، فلدى ابن كل رئيس ميليشيا، وبلطجية، ومؤسسات مالية، ويكفي هنا أن نتأمل إعلان رامي مخلوف في سوريا «اعتزال» التجارة! بل إننا رأينا كثيرا من جمهورياتنا وهي تحول المؤسسات الأمنية إلى ميليشيات، ومن حسن حظ المصريين بالطبع أن جيشهم بقي مؤسسة محترمة حمت الدولة والشعب. وعليه، فليس المقصود أن الملكيات بحالة جيدة ولا تحتاج لمزيد من الإصلاح السياسي، والتطور، سواء الخليجية من دون استثناء، أو في منطقتنا، بل المقصود هو أن الملكيات العربية أثبتت أنها عامل تقدم واستقرار، وإصلاح، وثبت أنها خير وأبقى من جمهوريات مزيفة.