من الصعب الحديث على أن المدرسة المغربية عرفت إصلاحا حقيقيا و جذريا وجب حاليا الوقوف عنده بالنقد. و بالتالي فان تقييم ما يعرف بببيداغوجيا الإدماج لا يمكن أن يستند الى ممارسة عملية . بل سنحاول من خلال هذا التقرير رصد العبث البيداغوجي كامتداد لعبث البرنامج الاستعجالي الذي يعكس التردد في الاختيارات و إسناد المسؤوليات الى غير أهلها . وللتوضيح أكثر نقول إن الإشكال المطروح حاليا و المتمثل في اعتماد بيداغوجيا الإدماج من عدمها يجب استبداله بالسؤال الحقيقي وهو : كيف يمكن تطبيق الاختيار أو الاختيارات البيداغوجية في المدرسة المغربية بالموازاة مع خلق البيئة المناسبة لها ؟ لان المشكل هو في الأجراة بامتياز. بمعنى أن الرهان يتجاوز مسالة الاختيار الى التطبيق. وهذا هو مربط الفرس . فالأدبيات التربوية الرسمية غنية بأخر صيحات الموضة البيداغوجية لكن واقع المدرسة المغربية فهو يرتدي الأسمال البالية. و بيداغوجيا الإدماج في نسختها المغربية هي أشبه برأس وضع على جسد ميت . ولنا في الملاحظات التالية خير دليل. باعتبار بيداغوجيا الإدماج إطارا منهجيا لأجراة المقاربة بالكفايات فان الكتب المدرسية الحالية تناقض هذا المبدأ لافتقارها للوضعيات الديداكتيكية كمنطلق لبناء التعلمات , كما أن الفضاء المدرسي ضل حبيس الجدران و السبورة و الطباشير مما يجعل سياق بناء المعرفة و التعلمات ذات المعنى بالنسبة للتلميذ مجرد فكرا طوبا ويا . كما أن الكتب المدرسية لا تساير الوضعيات المسائل " الأهداف" و لا و "وضعيات الإدماج" أو" وضعيات إعادة الاستثمار" كما هو متعارف عليه في أدبيات التدريس بالكفايات. وبالتالي فمفهوم الصيرورة في الكتاب المدرسي ظل غائبا و مفقودا. إذن فهذا هو حال التعلم طيلة أسابيع بناء المعارف ليتم الانتقال الفجائي دون سابق إنذار من منهجية تقليدية إلى أسبوع تعلم الإدماج وبعده تقويم الإدماج. بمعنى أن تلك الزوبعة المثارة حول الإصلاح البيداغوجي لاتخص سوى أربعة أسابيع في كل دورة دراسية , يجد خلالها التلاميذ و الأساتذة كراسات إدماجية بين قوسين بوضعيات غريبة لا علاقة لها بالموارد فتتحول العملية التربوية إلى إدماج قسري تعسفي مستحيل. إن إدماج المكتسبات ليس عملية آلية ميكانيكية بل يستلزم أولا كشرط أساسي ترابط الموارد المراد إدماجها و تسلسلها و تقاربها من حيث الحقل المعرفي الذي تنتمي إليه و تقديمها للمتعلم بشكل بنائي لولبي في إطار المنظور المتعارف عليه في بناء المعرفة. وهو الأمر المفقود في المنهاج المغربي عموما أفقيا وعموديا . فالكتاب المدرسي منتوج هجين و عبارة عن نصوص طبقت عليها قاعدة قص/لصق و لا يشكل احدها تتمة للسابق . فالنصوص القرائية مثلا لا علاقة لها بلغة أدب الطفل بل هي لغة تقنية وكل نص يوظف معجم مغاير تماما لسابقه. فكيف إذن يمكن الدمج بين عناصر غير متجانسة ؟ مما يجعل مهمة إنتاج الخطاب الشفوي و الكتابي صعبة إن لم تكن مستحيلة. فالذاكرة البشرية في غياب الرابط و الناظم يستحيل عليها ربط المعارف السابقة بالمعارف اللاحقة, وتركيبها, ثم توظيفها لحل وضعيات- مشكلات جديدة , لان عملية الاستدعاء كآلية من آليات عمل الدماغ تفترض وجود تقارب بين معلومة و أخرى كما أن التصنيف الذي تقوم به الذاكرة ليس عشوائيا بل له معيار دقيق أساسه تقارب المعنى كما أن التداعي يكون نتيجة الاشراط و الارتباط أو التتابع الزمني و نتيجة الارتباط للتشابه في التاتيرات أو المعنى ...فنشاط الدماغ يقوم بالتخزين وفق آلية تسهل عملية الاسترجاع و التوليد من جديد. إن الاختيارات التربوية الرسمية هي خليط من التناقضات السافرة , ففي حين يتم تبني البيداغوجيا الفارقية ويتم الإسهاب في ذكر محاسنها ومناقبها وضرورتها , يقيد الأستاذ باستعمال زمن محدد بالحصص و الدقائق و الأسابيع ومحتوى دراسي ضخم يفوق طاقة الكبار فبالأحرى الصغار و يلزم بإنهائه بالتمام و الكمال . فالعملية بمجملها أشبه ببرنامج الكتروني موجه إلى حواسيب , وليس أطفال, مصنعة من معمل واحد , وما على الأستاذ سوى تنصيب البرنامج بلغة المعلوميات ليعمل وفق برنامج التشغيل , كأن جميع التلاميذ مجهزون ببرنامج الويندوز . فلا غرابة إذن إذا كنا نسمع كثيرا بمفهومي المدخلات و المخرجات المستوردة من حقل معرفي إلى حقل معرفي أخر. مرة أخرى نخلف موعدنا مع التاريخ بتبني الإصلاح الفوقي / الصفقة الذي فوت إلى مجموعة "لوفان الجديدة"برئاسة ضيف المغرب العزيز كزافيي روجرز , الذي فاقت شهرته شهرة وزير التربية السابق . وإذ نرفض تجرع طعم الفشل المرير فإننا نقول أن تغيير واقع المدرسة المغربية يجب أن ينطلق من المؤسسة التربوية فعلا وليس مجرد شعار رفعه السابقون ويرفعه الحاليون . المؤسسة التربوية؛ إدارة و أطرا تربوية بإشراك الأسرة ؛هي القادرة على إحداث التغيير بإعادة قرار الاختيار لها وتحملها طبعا مسؤوليته . وعلى الجهات الرسمية توفير كل وسائل العمل . بما أن النقاش البيداغوجي في المغرب على وشك العودة إلى نقطة الصفر فلا بد من القول ؛ كممارسين تربويين ؛ إن الفكر التربوي يعيش أزمة من المنظور الابستمولوجي ؛ باعتباره اتخذ الصبغة الأكاديمية المحضة ؛ و بدأ يبتعد عن تربة الواقع الذي ولد فيه ؛ فخلق لنفسه فضاء تجريديا تأمليا . بعبارة أخرى ؛ علم التربية أصبح يتأرجح في اختياراته بين كونه علما تجريبيا و علما نظريا و إن كان يقترب مؤخرا إلى المنزلة الثانية في انفصاله عن المدرسة و الممارسة الميدانية التجريبية الطويلة . لان الباحث ليس مدرسا كما أن المدرس ليس باحتا. بل همش الممارس وفرض عليه الباحث الأكاديمي استاديته وأصابه بدوار؛ بمفاهيمه العديدة المستوردة من حقول معرفية أخرى المنحوتة بين جدران الجامعات . في حين ظل المدرس المغلوب على أمره يواجه إشكالات يومية بسيطة في تعريفها ورصدها و المركبة في حقيقتها و تداخلاتها و المستعصية في حلها يتداخل فيها النفسي و الاجتماعي و الاقتصادي ؛ ليطل عليه الأكاديمي في كتبه ومنشوراته الورقية و الالكترونية بوصفته السحرية التي سرعان ما تتحول إلى إحباط داخل الفصل الدراسي الفقير مطبخه من وسائل إعداد الوجبة التي اعد تركيبتها الخبير التربوي. ومهما ادعت النظريات التربوية علميتها و تطورها فإنها لم تستطع أن تفرض على واقع المدرسة و على السياسيين تلك المقولة القديمة البليغة : " التعلم في الصغر كالنقش على الحجر " و عبارة : "peu mais bien , vaut mieux que beaucoup et mal" إذن يجب الانتقال من البحث الأكاديمي إلى البحث الإجرائي و تشجيع هذا الأخير باعتباره يهم المدرس أولا وكونه واقعيا ثانيا ؛ كما انه محلي ومحدد في الزمان و المكان و موضوعه ظواهر وإشكالات فصلية تم رصدها بالتأمل و التفكر و الملاحظة المباشرة كما انه عملي و تطبيقي أي موجه لحل مشكلات تربوية خاصة . وبالتالي ننتقل بالمدرس من طرف سلبي وظيفته تطبيق الأوامر الرسمية و المذكرات التي تسقط عليه من السماء بالمظلات إلى فاعل نشيط ومبادر يحس بمسؤوليته وتتعزز ثقته بنفسه ؛ ينشغل بحل المشكلات وإعداد المشاريع بدل كتابة الجذاذات . فلا مجال للحديث عن تطوير الممارسة التربوية دون المعلم- الباحث و دون فريق بحث المؤسسة التربوية في إطار تعاوني تشاركي. انه الإطار العام للإصلاح البيداغوجي بعيدا عن المهدي المنتظر القادم من بلجيكا بعصاه السحرية التي تكسرت على صخرة واقع المدرسة المغربية العنيد. ابراهيم سلاك الريش 28/4/2012