قبل أسابيع، كان موعد انتخابات أمريكية عامة شاملة من بينها انتخابات أعضاء الكونغرس الأمريكي بشقيه مجلس النواب والشيوخ بولاية كولورادو كما في باقي الولاياتالأمريكية. كثيرون هم المقترعون الذين بعثوا بالورقة الانتخابية عبر البريد لكن صفوفا تعدادها الآلاف استأثرت عناء الاصطفاف أمام صناديق الاقتراع، وقد حمل كل واحد منهم ورقة انتخابية شملت أسماء شتى وقع عليها التأشير والاختيار سواء محليا أو قوميا. أناس بسطاء حد السذاجة، لايهمهم سوى الحصول على الرفاهية وضمان الشغل والصحة والتقاعد وخفض الضرائب والعيش في أمان. تلكم محاور تفكير المقترع الأمريكي البسيط. سألت أحدهم: هل تعرف تأريخ أعضاء المرشحين لمجلس الشيوخ؟ فأجاب جوابا ساذجا: نعم، لقد تابعت حملتهم الدعائية الانتخابية والتي شرحوا فيها برنامجهم الاقتصادي والسياسي ومخططهم الأمني. وتابعت: هل يكفي ذلك، وهل تحكم عليهم من خلال الدعاية؟ فأجاب: كل مايهمني هو ضمان استمرار عملي وخفض الضرائب وتوفير التغطية الصحية لعيالي ! واصلت الحديث: وماذا عن دور أصول المترشحين في السياسة الخارجية الأمريكية ؟ فأجاب الرجل: حقيقة لاتهمني السياسة الخارجية، فبالمحصلة كلهم أمريكيون من أصول مختلفة. بعد برهة، استفسرت: ألا تعتقد أن بعض المنتخبين قد يميل الى ترجيح خدمة أصوله أولا بدل خدمة مصالح المواطن الأمريكي؟ فاسترسل المواطن: لاأشك في ذلك، فأنا مثلا إيرلندي شمالي الأصل ولي حنين دائم إلى مسقط رأس أجدادي، ولو أني كنت عضوا في مجلس الشيوخ لأثر ذلك في رؤيتي للسياسة الخارجية مع إيرلندا الشمالية تأثيرا خاصا مثلا. ثم سألت ضيفي: ليس هناك مرشح مسلم. لو كان هناك مرشح مسلم، هل تنتخبه؟ أطرق المواطن تفكيرا وأجاب مترددا: سيكون من الصعب علي أن أنتخب مسلما لأني مسيحي كاثوليكي، سيكون علي أن أتفحص الأمر جيدا، لكن إذا كان الأصلح فإني سأفعل لامحالة. ختمت المقابلة بالسؤال التالي: أرجو أن لاتفهم هذا السؤال خطأ، لكن... أتعْلم أن المرشح الديموقراطي في ولايتك للفوز بعضوية مجلس الشيوخ-أعلى سلطة تشريعية في البلاد- هو من أصل يهودي...من يهود أوروبا الشرقية؟ استغرب المقترع الأمريكي: لايارجل! أتقصد “مايكل بينيت”؟ أجبت على الفور : نعم، مايكل بينيت بعينه... والدته بولندية هاجرت الى أمريكا في الخمسينات وتدعي أن العائلة تعرضت للتضييق إبان عيشها داخل “جيتو وارسو” الذي أنشأته ألمانيا النازية. تلكم لمحة موجزة عن هواجس الناخب الأمريكي التي قد تختلف في أمور شتى حسب المستوى الفكري والتطلعات والبيئة الاجتماعية لكنها تتحد في ضرورة توفير الرفاهية والأمن. اليوم، وبعد فوز من فاز وخسران من خسر، إذا توقفنا عند الاحصائيات فإننا سنجد النتائج مذهلة: حصل اليهود على 14% من مقاعد الكونغرس الأمريكي، في المقابل فإن اليهود لايزيد عددهم عن 1.4% من مجموع ساكنة الولاياتالمتحدة. المسلمون لايتوفرون على مقعد واحد داخل قبة الكونغرس رغم أن عددهم يفوق 2% من مجموع ساكنة الولاياتالمتحدة، أي يفوقون عدد الساكنة اليهودية. الكاثوليك الرومانيون لايشغلون سوى 26% من المقاعد داخل الكونغرس وهم الذين يمثلون أزيد من 25.9% من الساكنة. المعمدانيون لا يشغلون سوى 8% من المقاعد داخل الكونغرس وهم الذين يمثلون 17.2% من ساكنة الولايات الولايات المتحدة. المشيخيون الذين يتبعون تعاليم البروتستانتي “جون كالفين” يشغلون 14% من المقاعد بينما يمثلون 2.8% من الساكنة. يتضح جليا من خلال الحسابات أعلاه مدى سيطرة اليهود على الكونغرس الأمريكي، علما أن الكثير من أعضاء الكونغرس أتباع الديانات الأخرى لايخفون دعمهم للحركة الصهيونية في قراراتهم المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية. ولو جردنا جردا إحصائيا لصناع القرار خلف الكواليس من رؤساء دوواوين ومكاتب ومستشاري أعضاء الكونغرس لكانت الطامة الحسابية أعظم، ناهيك عن الداعمين الماليين ومجموعات التأثير وقوى الضغط. جهل الناخب بمنتخبيه لم يعد عذرا شافعا، والجهل في عالمنا عامة لم يعد براءة لأن استقصاء الخفايا والإحاطة بالأمور أصبح أمرا ضروريا ضرورة الماء والغذاء، فالإدلاء بالصوت الانتخابي قد يكون ثوابا وقد يكون جريمة. ويبقى السؤال مطروحا: هل تعد السياسة الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني المحتل المسمى “إسرائيل” سياسة خارجية أم أنها واقعا سياسة داخلية ؟