بعدما نشرت صحيفة القدس العربي مقالا عن خطة إسرائيلية لاختراق الحركة الأمازيغية بالمغرب، تناولت قناة الجزيرة الفضائية في برنامج الحصاد المغاربي قضية الحركة الأمازيغية وعلاقتها بإسرائيل، وبثت صورا من الأرشيف لمظاهرة أمازيغية أمام مبنى البرلمان بالرباط في مشاهد قلما تعرض على القنوات التلفزية بشكل عام، كما كانت القضية موضوع عدد من الصحف الإلكترونية. بحسب مراسل صحيفة القدس العربي في مقال معنون ب: "دراسة اسرائيلية تراهن على النشطاء الامازيغ لاشاعة اجواء التطبيع في المغرب"،فأن "الدولة العبرية تراهن على ناشطين امازيغ مغاربة لاشاعة اجواء التطبيع بين العرب واسرائيل بعد نجاحها في اختراق هذه الاوساط" ثم يضيف قائلا: "كشفت دراسة إسرائيلية حديثة، أصدرها مركز موشي دايان التابع لجامعة تل أبيب نهاية شهر آب/اغسطس الماضي، عن مخطط إسرائيلي لاختراق الحركة الأمازيغية". من ناحية الموضوع يمكن طرح استفسارين وهما: - من يراهن على الأمازيغ هل هي الدراسة أم الدولة؟ - هل نجحت إسرائيل في اختراقها أم أنها لازالت خطة لاختراق الحركة الأمازيغية؟ لاشك أن الطرح غير دقيق لا من حيث استنتاجه ولا من حيث المفردات المستعملة من قبيل "خطة" "إختراق" "تطبيع" اللهم إن كانت نظرة شخصية للكاتب. والمؤسف أن المنابر اللتي تناولتها لم تقتبس أو تشر إلى الدراسة نفسها مما يطرح تساؤلا جذريا حول طبيعة الدراسة أو الخطة المفترضة "الصادرة في أواخر شهر غشت". لكن ما أود طرحه للنقاش في هذا الموضوع هو من يحدد إطار الحركة الأمازيغية وسقف طلباتها والخطوط المحرمة التي لا يجوز تجاوزها؟ تحظى الحركة الأمازيغية باهتمام العديد من مختلف التيارات وذلك مع طبيعة النمط الفكري المهيمن في العالم العربي من حيث نظرته المرتابة إلى طبيعة الحركات الإثنية غير العربية كحراك دارفور والأكراد والأمازيغ والأقباط. لأنها تنظر إليهم كمكتسبات قومية لا يجوز منازعتها فيها، فمثلا الأمر ميؤوس منه حينما يتعلق الأمر بالتنديد بمجازر دارفور والأكراد وكأن لسان حالهم يقول أن ذلك جزاء من يحاول المس بالقومية العربية. ووفق هذا النمط تحظى تلك الحركات بمتابعة إعلامية حريصة وحماسية مترصدة لهم بالمرصاد. وقليل من المنابر الأعلامية العربية التي تسلط الضوء على هكذا تحركات مادامت عربية، مقارنة بحراك الصحراويين رغم كونهم الأقوى في ميزان الحركات العربية. أو إسهامات العرب تاريخيا في إنهاء الحكم العثماني في فلسطين لصالح بريطانيا وتعامل شخصيات مرموقة مع الحكم النازي. أما المثال الآخر الذي أسوقه فهو مقال الدايلي تايمز المعنون ب "إسرائيل تنظر إلى باكستان كحليف في العالم الأسلامي" وهو مقال نشر أواخر شهر غشت دون أن ينال نفس الأهتمام رغم أنه لا مجال للمقارنة بين ثقل الحركة الأمازيغية المحتشمة وباكستان النووية. وهنا يجب النظر إلى الأعلام العربي كصدى للتوجهات العربية، فالمنصف يجب أن يقر أن قناة الجزيرة اتخذت خطوات لا بأس بها تجاه الأمازيغ ومنها استعمال مصطلح "الأمازيغ" بدل مصطلح "البربر" الذي ما يزال عالقا في أدبيات الفكرالتقليدي ضدا على نفور الأمازيغ منه، وكذا تخصيص ملف على موقعها للتعريف بالأمازيغ الشيء الذي قوبل من البعض باستياء جعلتهم يسمونها بقناة الفتنة. إذن، فالإعلام يبقى دائما مرتبطا بنوعية المخاطب وتوجهاته. إذ يكفي أن تصدر دراسة -مفترضة- حتى تجر رقبة الحركة الأمازيغية للتبرئ منها، ولا شك أن مرور ثمانون سنة على ما اصطلح عليه بالظهير البربري لم ينهي ذويه بحيث قدم ويقدم في محافل الفكر التقليدي كشاهد على خطورة النزعة البربرية بالرغم من أنه ظهير "ملكي شريف" يقضي بالاستناد لحكم العرف في المناطق الأمازيغية، علما أن العرف قانون غير مكتوب يعمل به في القوانين الوضعية والشرائع السماوية وأن المجتمع الأمازيغي ليس أقل إسلاما من غيره. هذا في حين نظرت القوى التقليدية إلى المجازر المرتكبة في حق لأمازيغ بأسلحة فتاكة كاستعمال الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا على أنها مواضيع مضى عليها الزمن ولا تستحق الذكر. كل هذا يبين أن الحركة الأمازيغية لم تتمكن بعد من الخروج بقضيتها إلى قضية مستقلة جريئة بل بقيت تراوح قواعدها التي سمح بها المناخ الثقافي والسياسي وحذرة من مغبة جرأة خارج الحدود المسموح بها.