أثارت الأحكام التي أصدرتها محكمة الاستئناف في مدينة سلا قرب الرباط بحق أعضاء ما يسمى خلية بلعيرج ، استياء واسعا في أوساط عائلات المتهمين والجمعيات الحقوقية المناصرة لهم . فلم يكد القاضي يعلن الأحكام حتى ضجت القاعة بالهتافات المنددة بالقضاء "غير العادل " ، مختلطة بدموع بعض أفراد عائلات المعتقلين واستنكار آخرين . وقضت المحكمة بتثبيت حكم المؤبد في حق عبد القادر بلعيرج الزعيم المفترض للخلية ، في حين خففت الحكم إلى عشر سنوات بحق القيادات السياسية بعدما كانت المحكمة الابتدائية أصدرت بحقهم أحكاما بالسجن بين 20 و25 عاما. أما أحكام البقية فبقيت كما هي ، باستثناء متهم واحد خفض الحكم بحقه من ثماني سنوات إلى خمس . وكانت المحكمة الابتدائية قد حكمت بالسجن 25 عاما على كل من زعيمي حزب البديل الحضاري الإسلامي محمد المعتصم والأمين الركالة ، والأمين العام لحزب الأمة محمد المرواني . أما حكم السجن 20 عاما فقد طال كلا من عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الإسلامي العبادلة ماء العينين ، ومراسل قناة المنار في المغرب عبد الحفيظ السريتي . كما حكمت المحكمة بسنتين سجنا نافذا على عضو حزب اليسار الاشتراكي الموحد محمد نجيبي . وتراوحت بقية الأحكام بين 30 سنة وسنة واحدة. ووجهت للخلية التي تشكلت من 35 شخصا تهم المس بسلامة أمن الدولة وتكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية. مسرحية مكشوفة وعبر رئيس هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في الخلية المفترضة المحامي عبد الرحمن بن عمرو عن " تفاجئه " بالحكم ، معتبرا في تصريح للجزيرة نت أن هذه الأحكام " غير القانونية " تتلاءم والوضع الحالي للمغرب الذي لا " يوجد فيه قضاء مستقل " . وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه منسقة لجنة عائلات المعتقلين السياسيين الستة سكينة قادة التي وصفت المحاكمة في تصريح للجزيرة نت بأنها "مسرحية مكشوفة ". وبحسب قادة - وهي زوجة مراسل قناة المنار - المشمول في القضية ، فإن الأحكام " متناغمة " مع تصريحات وزير الداخلية التي تدين المعتقلين. من جانبها وصفت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة رياضي الأحكام " بالسياسية " و"غير العادلة "، واعتبرت أن القضاء حاكم المدانين بسبب انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية . وفي تصريح للجزيرة نت وصفت خديجة وضع القضاء في المغرب بأنه " مزر وغير مستقل " و"يحكم بالتعليمات "، و " ينتقم " من المعارضين. وقبيل النطق بالحكم ، ظهرت على عائلات المعتقلين علامات ارتياح مشوب بالحذر بسبب ما أسفرت عنه لقاءات وزير العدل المغربي مع أسر المعتقلين من وعود قطعها الوزير بضمان إجراء محاكمة نزيهة ، قبل أن تبدأ الشكوك بمراودتهم بعد مرافعة النيابة العامة الأخيرة التي أدانت المعتقلين السياسيين بشدة . واعتبر أحمد ساسي نائب الأمين العام لحزب الأمة (الذي لم يرخص له) أن وزارة العدل تجاوزت الضمانات التي أعطيت لعائلات المعتقلين عندما أضربوا عن الطعام من أجل ثنيهم عن الاستمرار فيه ، لكنها لم تلتزم بها حسب قوله . وقال إن الأحكام لم تفاجئه ما دامت تؤكد " التقهقر الذي يعرفه المغرب في مجال حقوق الإنسان ". سنوات الرصاص ونفس الموقف عبر عنه منسق السكرتارية الوطنية للتضامن مع المعتقلين السياسيين الستة أحمد وايحمان ، إذ اعتبر في تصريح للجزيرة نت أن الحكم كان متوقعا بسبب " الانتهاكات الأخيرة " لحقوق الإنسان التي تذكر " بسنوات الرصاص " وتفتقر إلى شروط المحاكمة العادلة ، خصوصا أنها تأتي في الوقت الذي تروج فيه أخبار عن تعذيب أعضاء من جماعة العدل والإحسان كما يقول . وتفجرت قضية بلعيرج حينما ألقت السلطات المغربية يوم 18 فبراير2008 القبض على 35 شخصا بتهمة تكوين خلية إرهابية تخطط لتنفيذ أعمال تخريب واغتيالات سياسية . ونتج عن ذلك حظر حزب البديل الحضاري الإسلامي بعد اعتقال قادته ، وتأكيد عدم منح الترخيص لحزب الأمة الذي اعتقل زعيمه محمد المرواني . وشكل هذا الحدث مفاجأة مدوية بسبب الاعتدال الذي عرف به القياديون الإسلاميون المعتقلون ، وهو ما دفع محللين إلى التشكيك في الرواية الرسمية واتهام السلطات باستعمال القضاء للترهيب وتصفية الحسابات السياسية .