منذ بضع سنوات اخترع بريد المغرب العديد من العبارات الرنانة والجمل الطنانة التي تفيد في مضمونها بأن هذا "البريد"بدأ يتحرك ويتطور تماشيا مع ما تعرفه القطاعات الأخرى ،ومواكبة مع التطورات التكنولوجيا الحديثة.. "إخترع" بريد المغرب على سبيل المثال :"ما نضتي إكسبريس" وإن كانت هذه التسمية بدورها لا تتماشى على الإطلاق مع هوية البلاد ولغة البلاد، وكان حري "بمخترعي" هذه الخدمة أن يعنونوها بسهولة ب:حوالتي السريعة، وليس" ما نضتي إكسبريس " فالعبارة مكتوبة بحروف عربية لكنها تنطق بلغة فرنسية محضة ، بالإضافة إلى أن كافة الخدمات بهذا القطاع مفرنسة ،ولا تتماشى أبدا مع هوية المغرب ولغته وثقافته.. ففي جميع المعاملات البريدية المتعلقة بتحويل وإرسال الأموال داخل المغرب يجب عليك أن تملأ كافة الخانات بلغة الفرنسيين بالرغم من أ ن مطبوعات هذه الخدمات المالية كتبت بلغة مزدوجة : العربية والفرنسية ،لكن موظفي و موظفات البريد يجبرونك على ملأ الخانات الفرنسية بدعوى أن النظام المعلوماتي عندهم مفرنس. ودون الدخول في متاهات اللغة، نقتصر هنا للتعرض لخدمة :"ما نضتي إكسبريس" لنواصل لاحقا التطرق لباقي خدمات بريد المغرب البئيسة الذي يتباهى بشعار مزيف يختم به كل مطبوعاته و يقول هذا الشعار "بريد المغرب الذي يسهل حياتكم " والحقيقة المرة أن هذا الشعار إنما هو حق أريد به باطل ، ففي غالب الأحيان يعقد حياة الناس ويصعبها ولايسهلها على الإطلاق. اكتفى بريد المغرب مؤخرا باعتماد ما يسميه "مانضتي إكسبريس" وألغى حوالة الإرسال العادية التي كانت قيمتها الأدائية في متناول الجميع .حولي 12.00 درهم لمبلغ أقل من 1000.0درهم بينما قيمة الإرسال بواسطة ....الإكسبريس تساوي 35 درهم إذا كان المبلغ المرسل يقل عن ألف درهم. وتقول مطبوعات بريد المغرب الأنيقة جدا بأن الحوالة يمكن للمرسل إليه ا ستلامها في جميع شبابيك بريد المغرب عبر التراب الوطني و هذا صحيح وجميل جدا لكن المأساة الكبرى تكمن أحيانا في عدم استلامها من طرف المرسل إليه في أي بريد على الإطلاق ،وهو ما يحدث في أغلب الأوقات والسبب هو "تعطيل النظام " وقد يستمر هذا الخلل أيام وأسابيع في العديد من المناطق ،فأنت تبعث بمبلغ مالي لأحد أقربائك ليستعين به على متطلبات الحياة،لكننظام بريد المغرب يؤجل هذه الاستفادة ربما لبضعة أيام وأسابيع في المناطق النائية ،ولا سبيل لك لمطالبة بريد المغرب بأي شيء،لأن هذا البريد شرع قانونا خاصا به يعفيه من أي مسئولية،وهو قانون أسوأ من قانون الغاب إذ "لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يتحمل بريد المغرب مسؤولية الأضرار والنتائج المادية المترتبة عن التأخير في الأداء "هذا ما تقوله الفقرة ج من شروط الإرسال المكتوبة على ظهر مطبوع "مانضتي إكسبريس"سيئة الصيت. فبريد المغرب يقول لزبنائه :إقبلوا بشروطنا وخدماتنا كما هي .وإذا لم يعجبكم الأمر اشربوا ماء البحر أو انطحوا السماء ،وهو قانون سيء بكل ما تحمله كلمة السوء من معنى ،فهو احتقار للمواطن من جهة وانتقاص من آدميته ثانيا،ولا أعتقد أن الدول المتحضرة تقبل بأن يسري مثل هذا القانون على مواطنيها ،ربما،المغرب هو الدولة الوحيدة في هذا الكون الفسيح تسمح لإداراتها و مؤسساتها بمعاملة مواطنيها بالكثير من السوء و الأذى. بالمناسبة نتساءل –هل مثل هذه القوانين التي تشرعها الإدارات كالبريد و الأبناك تتم المصادقة عليها في مجلسي الحكومة والوزراء و يناقشها البرلمان بغرفتيه و يصادق عليها لتصبح سارية المفعول بهذا الشكل الحقير على المواطنين الذين مازالوا يعتبرون في هذا البلد مجرد رعايا فقط.. نتمنى أن يجيبنا أحد على هذا التساؤل الذي يتعلق بهذه التعاقدات المفروضة على الرعايا،من قبل إدارات متعددة في مقدمتها : البريد ، ووكالات توزيع الماء والكهرباء والشركات الأجنبية التي احتلت كثيرا من مدننا وقرانا في قطاع الماء والكهرباء أيضا ،أضف إلى ذلك شركات الاتصالات والهاتف وغيرها من المؤسسات التي تحرر عقودا إذعانية ،وعليك كواحد من- الرعية . وليس كمواطن كامل المواطنة والأهلية أن تمضي عليها فقط و تذعن لشروطها المجحفة و خدماتها السيئة.. إن حقوق الإنسان تبدأ من هنا ،واستنادا إلى مبدأ"العقد شريعة المتعاقدين "فإن أي عقد يجب أن يشترك في وضع بنوده الطرف المستفيد والطرف المنتج للخدمة ،كما يجب على المنظمات والجمعيات الحقوقية التي بالغت كثيرا في استهلاك الكلام عن الحرية السياسية أن تهتم قليلا بمثل هذه الحقوق التي تعتبر أساسية جدا ،لأن الشعب يريد الكرامة ،والكرامة تبدأ من هذه الأساسيات ،أي أن يصبح المواطن مواطن حقا له حقوق أيضا وليس واجبات عليه فقط .. نسأل في الختام إدارة بريد المغرب هل هي بدورها تعتبر زبنائها مجرد رعايا فقط ،عليهم أن يؤدوا فواتيرهم المرتفعة ويقبلوا بهزالة خدماتها. وللحديث صله. -- عبد النبي الشراط رئيس تحرير جريدة الوطن