تستعد الدارالبيضاء كما يستعد كل الشارع الكروي المغربي نهاية الأسبوع القادم لاستقبال كلاسيكو عاصف بين الأخوين اللدودين الرجاء والوداد بين رجاء الشعب ووداد الأمة اللذين فرقت بينهما عدة أشياء باستثناء اسم واحد أرخ لذاكرة مشتركة بين الناديين واخترت أن أكتب عنه عبر منبر مرايا بريس كوفاء لهذا الاسم الذي لم تنصفه الظروف وجل ما ناله هو اسم ملعب صغير في الدارالبيضاء ، ذلك السوسي القادم من إيسافان بنواحي تارودانت ذلك المثقف الخبير في كل شيء المتبصر وصاحب النظرة الثاقبة قسم كازا بلانكا لقسمين وكان أول من فجر الشرارة الأولى للندية وحماس الديربي البيضاوي حينما خرج من رحم الوداد بعد أن كان أحد مؤسسيه وصانعي أمجاده ليأخذ على عاتقه صنع درة تشارك هواء الدارالبيضاء مع الوداد كما قالها بلسانه ذات يوم ونحن على مشارف الديربي العشرين بعد المئة بين الناديين لا يمكن أن نهمل أو نمر دون أن نخصص لهذا الرجل اللذي طاله هو الآخر النسيان والتهميش في آخر سنوات حياته الحيز الوافي كاعتراف بما أسداه هذا السوسي الأصل لكرة القدم الوطنية حتى استحق لقب والد وأخ وصديق، نبوغه الدراسي وتفوقه وإجادته البارعة لعدة لغات بطلاقة جعلته يتمم دراسته في فرنسا في مجال البنوك لكنه كان على موعد مع اكتشاف ذرات عشق كان يخبئه له القدر عشق الساحرة المستديرة ، عاد ليلعب بعد ذلك في أرض الوطن مع الاتحاد الرياضي لكن مشوار محمد بن الحسن لم يدم طويلا فالرجل لم يكن لاعبا رائعا أو نجما ساطعا تماما مثل غيرو شيخ المدربين الفرنسيين وكأن نفس السيناريو يتكرر هنا لكن النهاية للأسف تختلف كثيرا ، لم يتسرب اليأس إلى نفس الرجل ولم تتملكه السآمة من كرة القدم ليسافر إلى لندن لتلقي تكوينه في ميدان التدريب ويعود إلى أرض الوطن ليتولى تدريب بعض فرق الأحياء ويبدأ بالكتابة في الصحافة الرياضية مفاجئا الجميع بحسه الكروي العالي وثقافته التكتيكية الكبيرة ليختار البير جيكو لإرساء اللبنات الأولى لأول فريق مغربي يؤسسه الوطنيون سنة 1937 ،اختيار لم يأتي بمحض الصدفة بل أتى نظرا للسمعة الطيبة الكبيرة والشعبية الجارفة التي يتمتع بها الرجل ليأخذ على عاتقه مهمة شاقة كان كفؤا لها وبنى ودادا قادرا على المنافسة وأحرز معه أربعة ألقاب للبطولة وثلاثة ألقاب لشمال إفريقيا ، كانت عينه الثاقبة تصطاد المواهب وتجيد اختيار الطيور النادرة لقد جمع جيكو مول الطربوش الحمر بين كل شيىء فاستحق أن يوصف بأنه ظاهرة منفردة في تاريخ الكرة المغربية فخبرته ورحلاته الكثيرة حول العالم أهلته ليكون ملما بكل أساليب التدريب الحديثة وحتى الجانب النفسي كان يحظى بنصيبه في مفكرة الأسطورة حيث كان يحادث كل لاعب على حدة ويعمد على منحه الثقة ، شعبية الرجل بدأت تكتسح المشهد شيء أقلق الفرنسيين كثيرا حتى أنهم حاولوا اغتياله مرتين ، لكن مشوار العسل لم يستمر وغادر بير جيكو الوداد بعد خلافات له مع أطراف في الوداد تبقى تفاصيلها حتى اللحظة مجهولة ليشد الرحال ويقرر أن يصنع للوداد غريما ينافسه على سطوة العاصمة الاقتصادية ، بير جيكو كان من أسس لهوية الرجاء وأرسى مبادىء الثقافة الرجاوية مبتدعا فلسفة كروية مبتكرة وجديدة مبنية على الفرجة والاحتفالية أسلوب لعب مستورد من أمريكا اللاتينية في وقت كان الوداد يعتمد على الواقعية وأخيرا ظهر أن بير جيكو أسس فريقا قادرا على أن ينافس الوداد وليأخذ محمد بلحسن (بير جيكو) انتقامه الصغير فأخذ معه كثيرا من الرجاويين المغرمين بطريقة جيكو وفلسفته مسؤولين ولاعبين ولم يبخل جيكو على الرجاء بأي شيىء رغم أن نجاح الرجاء لم يرتقي لما حققه مع الوداد لكن يكفيه فخرا أن هذا الرجل ابن سوس العالمة والمتسبع بثقافة المسيد أسس لثقافة الفراجة الرجاوية التي بقت راسخة ومنهجية أخذتها كل الأجيال المتعاقبة على الخضراء منذ اعتزاله سنة 1968 ودع البير جيكو الحياة في الثلاثين من غشت من سنة 1970 وطاعون التناسي وألم الإهمال يتآكله في غرفة حقيرة فوق السطوح في درب السلطان وشمعة يتيمة تنير قتامة ساعاته الأخيرة المشوبة بمشاعر مختلطة بين الإحساس بالغبن والخيانة في تجلي جديد من تجليات مسلسل النكران ، ودع البير جيكو الدنيا في صمت غريب دون أدنى اهتمام أو التفاتة متروكا من طرف انتهازيين تاجروا باسمه وتاريخه كثيرا واستعملوه مطية لخدمة مصالحهم الخاصة دون أن ينال هذا الفذ الغير قابل للتكرار شيئا سوى ملعب شعبي يحمل اسمه ، عبقري الكرة المغربية لم يسلم من بطش الغادرين والمشككين في تاريخه الشريف حتى وهو في الدنيا الأخرى فلازلت تسمع حناجر حاسدة تتحدث هنا وأخرى تلهث هناك محاولة تجريد الرجل من سمعة سرمدية ستبقى أبد الآبدين محفورة في تاريخ الرجاء والوداد فطوبى لهذا الرجل وألف قبلة على جبينه ولتعش ذكراه حية بيننا.