بدأت تطفوا على السطح في المغرب ، حالة سياسية شاذة عن كل الأعراف السياسية التي يشهدها العالم الديمقراطي المعاصر . فرغم أن المراقبين المغاربة يعتبرون نتائج الانتخابات التي تجرى كل أربع سنوات غير ذات أهمية فيما يتعلق بصنع القرار الاستراتيجي للبلد ، وما دامت كل السلطات الفعلية بيد الملك والممنوحة له بنص الدستور ، فإن الحالة السياسية التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة جعلت المغاربة خجولين مما يجري في دواليب القرار السياسي . مما جعل آمالهم في نخب تفرزها صناديق الاقتراع في حال إجراء تعديلات دستورية في مهب الريح . فالمغاربة إن صوتوا على النائب الفلاني ، يحدث أن ينقلب عليهم ويغادر إلى حزب آخر ، وإن لم يصوتو يفاجؤون بتعيين وزير أول إحالته على المعاش أرحم له من بقاءه في رئاسة حكومة بلد أغلب ساكنته من الشباب . ففي المغرب يحدث أن يتصارع قياديان في حزب واحد أمام الملأ ، ويحدث أن يتصارع حزبان يحملان حقائب وزارية في نفس الحكومة ، ويحدث أن يتصارع الوزير الأول مع وزراء حزبه ، ، ويحدث أن يتصارع حزبان حول الهوية السياسية الملك ، فهناك من يدافع من الأحزاب عن السياسية الملكية لأن الملك أمير المؤمنين ، وهناك من يمارس المعارضة ضد ذلك الحزب لأنه يدافع عن المشروع الديمقراطي الحداثي للملك . فمن داخل حزب الاستقلال ، يخرج بعض الأحيان القيادي في الحزب حميد شباط ، والذي يشغل منصب عمدة فاس ، بتصريحات غير منسجمة مع السياسة العامة لحزبه ، فيرد زملائه على تلك التصريحات بأنها تأتي من شخص معذور في كلامه ولا يجب أخذها بالجدية اللازمة ، وحينما يشعر الحزب بأنه مهدد في مواقعه من قبل خصومه فلا يتررد قياديوه بالاستنجاد بشباط قصد شن حروب كلامية ، ملاسنات لا أهمية لها في الواقع الاقتصادي والسياسي للمغاربة . ومن داخل الحكومة ، دخل حزب التجمع الوطني للأحرار الإداري في صراع مع حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري حول قضية بيع أملاك وزارة الشبيبة والرياضة ، ومادامت الأعراف الحكومية تقتضي إنسجام المكونات السياسية التي تحمل الحقائب الوزارية ، فإن الهجومات والهجومات المضادة بين حزبين في حكومة واحدة عبر الصحف والبيانات التنديدية ، تستخف بالمغاربة الذين رضوا بهؤلاء السياسيين ممثلين لهم . ومن داخل الحكومة أيضا ، يحدث أن يعارض الوزير الأول عبر صحيفة حزبه قرارا لوزير يحمل حقيبة وزارية في حكومة يترأسها . فبعد أن باشرت النيابة العامة قرارها بالتحقيق في ملابسات تحويل الطريق السيار داخل المدار الحضري للدار البيضاء والذي أثيرت شكوك حول تدخل شخصيات نافذة في قرار التحويل ، وصفت جريدة الوزير الأول القرار بالغامض والملتبس . مما يعني أن رئيس الحكومة لا يهمه التحقيق ولا نتائج التحقيق ، وإنما الخوف من أن يطال مكروه وزير التجهيز والنقل المنتمي لحزبه ، والمسؤول عن الطريق السيارعثمان الفاسي الفهري . ومن داخل النظام السياسي ، أنشأ كاتب الداخلية السابق فؤاد عالي الهمة ، مع أن أعراف الداخلية في المغرب لا تعرف وزيرا سابقا ولا لاحقا ، فكل المتعاملين مع هذا الجهاز يخضعون لولائه حتى القبر ، أنشأ الهمة حزبا يأخذ على عاتقه الدفاع عن رسالة الأصالة والمعاصرة التي دشن بها العهد الجديد سياساته عبر مدونة الأسرة ومنح عقيلة الملك لقب الأميرة . إلا أنه بعد الاكتساح الغريب لهذا الحزب لمجالس المدن والقرى أثناء الانتخابات البلدية الأخيرة بعد ولادته في ظرف قياسي ، أخذ على عاتقه محاربة الفكر السياسي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي ، وبدأت المعركة بعد أن أصدرالفقيه الريسوني فتوى تحريم التسوق من المتاجر التي تبيع الخمور بشن خديجة الرويسي ، القيادية بحزب الهمة ، هجوما ضد حزبالعدالة والتنمية واعتبار سياسته منافية للمشروع الديمقراطي الحداثي للملك . حزب العدالة والتنمية الإسلامي بدوره لم يخرج عن هذه الحالة الشاذة ، فقد تمسك بمواقفه السياسية تجاه النظام الملكي ، ودافع عن فتوى الريسوني ، واعتبر هجومات حزب الأصالة المعاصرة حربا ضد الهوية السياسية للنظام الملكي والذي يستمد مشروعيته من إمارة المؤمنين . لذلك يعارض الحزب إقامة ملكية برلمانية في المغرب ، خوفا على الملكية من مزايدات هؤلاء العلمانيين على تحكم الملك في القطاعات الحساسة كحقلي الدين والجيش . يبقى الشعب المغربي هو المتضرر الأول من البهلوانية السياسية التي تحكم كل مرافق تدبير الفضاء العمومي المغربي ، يستحيل عليك أن تميز بين الموالاة والمعارضة ، بين الجدية والمزاح ، بين الحق والباطل .. عبث لا أول له ولا آخر .