قدمت عالمة الاجتماع البلجيكية إيزابيل جاكي في مؤلف صدر لها مؤخرا بعنوان "الشيخوخة فيالمغرب: قصص حياة وبورتريهات"، تحليلا دقيقا لشيخوخة السكان المغاربة في ارتباطهابظروف الحياة على شكل دراسة أنجزتها عام 2009. ويقع هذا العمل، الصادر حديثا عن المنشورات الجامعية البلجيكية "أكاديميا برولان" ، في 200 صفحة. تقول مؤلفة الكتاب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنهيهدف إلى "اقتراح عمل تحليلي مع طموح متواضع بوضع أسس لتأسيس علم الشيخوخة فيالمغرب". إلا أن إيزابيل جاكي تجاوزت هدفها الأكاديمي لتقدم عبر فصول الكتاب نظراتعن المجتمع المغربي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكانت عالمة الاجتماع المرموقة، التي استقرت بالمغرب بين عامي 2001و 2006 في إطار الشراكة بين المغرب والمجموعة الفرنسية ببلجيكا، قد أشرفت فيالبداية على ندوات دراسية حول "النوع" بكل من جامعتي الرباط والقنيطرة لتدرس بعدذلك الشيخوخة في الوسط الحضري المغربي. وأجرت إيزابيل جاكي، المتخرجة من جامعي لييج وباريس 5 ، مقابلاتمع عدد من الرجال والنساء من مختلف الفئات الاجتماعية، ولجأت إلى مناهج مقارباتيةوالتدقيق في الأدب العلمي المغربي الناطق باللغة الفرنسية، وكذا الكتابات الروائيةحول هذا الموضوع. وأعربت الكاتبة عن اهتمامها بدراسة مسلسل الشيخوخة، بالرغم من أنهفي بداية القرن ال`21 ما زال هذا المسلسل في المغرب غير واضح وغير ذي دلالة منالناحية الإحصائية. ولتحقيق هذا الهدف، والمساهمة في التغلب على النقص في المؤلفات التيتعالج هذه المسألة ، تستخدم عالمة الاجتماع عدة أدوات في البحث واختارت حكايات منالحياة، فهذا الحكي، كما تقول، "يتيح المقاربة من الداخل" ويسلط الضوء على مساراتفريدة التي هي في الآن ذاته دعوة لتجنب التعميمات المتسرعة. ومن خلال التمييز في البداية بين طب الشيخوخة وعلم الشيخوخة وهماتخصصان ، حديثان، أشارت إيزابيل جاكي إلى النظريات الأكثر شهرة ، كتلك المتعلقةبالتحديث عند بورخيس وكوجيل والتي تحدد الشيخوخة حسب معايير "العمر الزمني" والذيتعتبره الباحثة غير مناسب في حالة المغرب"، والقدرة الجسمانية للعمل" ، و"التبعية" والمظهر الخارجي. وتستخدم عالمة الاجتماع البلجيكية، التي جعلت من كتابها هذا في الآننفسه دراسة مثيرة للاهتمام على أكثر من مستوى سواء بالنسبة للباحث أو بالنسبةللقارئ العادي، الفرادة الدقيقة للقيام بتوازنات بين "الشيخوخة في الفقر" و"الشيخوخة والغنى" وللتمييز خاصة بين شيخوخة الرجال وشيخوخة النساء. وأشارت إلى أنه في المغرب "وفي إطار دراسة حول الشيخوخة، لا يمكنالحديث عن الشيخوخة دون التمييز بين شيخوخة النساء وشيخوخة الرجال". وتساءلت عن وجود الشيخوخة كفئة اجتماعية متميزة، ملاحظة أن "أي فئةمجتمعية لا تتوفر على انسجام وأهمية العائلة التي ننتسب إليها أولا وقبل كل شيء وفيكل الأعمار". ومفهوم العائلة باعتبارها نواة صلبة للتضامن الاجتماعي حاضرةباستمرار في الدارسة التي تنكب بهذه المناسبة على إحصاء العدد وإبراز أهمية دورالعجزة والخيريات. ويشكل المنهاج الذي رسمته عالمة الاجتماع مرآة للواقع الإنسانيالمغربي منذ 1935 إلى الفترة الحالية من أجل تسليط الضوء على الممارسات وطرقالتفكير الثقافي المهيمنة. وأضافت "إننا نعيش الوقائع بشكل مختلف "إذا كنا رجالا أو نساءومعوزين أو ميسورين" وأن الشيخوخة بذلك متعددة الأشكال وثقافية، أيضا "لأننا شيوخفي نظر الآخر فقط". وفي هذا المرصد حول النوع البشري حيث تم ذكر الانتقال الديمقراطي،والثورة الهادئة لمدونة الأسرة والإصلاحات التي أطلقتها المبادرة الوطنية للتنميةالبشرية للتأكيد على أثرها على تنمية البلاد، تجس عالمة الاجتماع نبض المجتمعالمغربي وتقف على معيش الشيخوخة بالأمس واليوم. وخلصت الكاتبة إلى أن الأمر يتعلق بمحاولة الوصول، من خلال الحكيوالقراءة والملاحظة، إلى "فهم أشمل للشيخوخة" بالمغرب، ومختلف المواقف حولها، مشيرةإلى أن "المجتمعات تعرف عموما من خلال الطريقة التي تتعامل بها مع شيخوختها".