أجمع المشاركون في ندوة نظمت مؤخرا بالرباط حول "سؤال الهوية الثقافية ورهانات الديموقراطية المحلية" على أن الثقافة والديمقراطية في المغرب الراهن شرطان متلازمان لتصور أفق المجتمع المغربي والمغرب الديمقراطي الحداثي. وتقاطعت في أغلب العروض والمقاربات والتعقيبات والإضافات التي ميزت هذه الندوة، التي نظمت يومي السبت والأحد الماضيين، المفاهيم الأنثربولوجية واللسانية والتاريخية والسوسيولوجية والفلسفية مع المفاهيم الإجرائية التي تقربها من المجال السياسي في تصور الجهة-الجهات والجهوية مع الطرح الاقتصادي والاجتماعي والتخطيط للدخول في تجربة الديمقراطية الجهوية. وأكدت على أهمية النسيج المجتمعي في تصور الشأن الثقافي، وفي إبراز قيم الديمقراطية الجهوية التي يراهن عليها المغرب في ضوء التحولات المحلية والكونية، على أساس ضرورة استثمار مختلف التصورات المقدمة في هذه الندوة لصياغة أرضية ثقافية اقتصادية وسياسية جديدة لجعل الديمقراطية الجهوية بمثابة "رافعة" والشأن الثقافي بمثابة "عمود فقري". وأوضحوا أن بناء الدولة الوطنية الحديثة ينبغي أن يتم من خلال التفكير في المشاريع التنموية والأدوار والوظائف التي تقوم بها الثقافة المغربية، بتعددها وتنوعها وزخمها وتعبيراتها في إبراز الهوية المغربية بإسهام الدولة والفاعلين الجهويين والنخب والمثقفين ومكونات المجتمع المدني بحثا عن نموذج ثقافي-اقتصادي-اجتماعي وسياسي يراعي المكونات الكبرى والخصوصيات الجهوية. وأكد المشاركون في هذه الندوة، التي نظمها مركز دراسات حقوق الإنسان والديموقراطية واتحاد كتاب المغرب، على أنه من ثم يكون الشأن الثقافي حجر زاوية في المشروع الديموقراطي المأمول، مقترنا بالاعتراف بالحقوق والواجبات والوحدة والاختلاف وإرساء قيم الحوار والتسامح، وإنضاج مسلسل الاهتمام بالمرأة والأسرة والطفل والإعلام، واعتبار "المواطنة" إبدالا جوهريا في هذا المشروع. كما شكل هذا اللقاء، الذي يندرج في إطار النقاش المفتوح في المغرب حول مشروع الجهوية الموسعة والذي شارك فيه حوالي خمسين جامعيا وباحثا وكاتبا من عائلات فكرية متعددة ومتنوعة، مناسبة لتعميق النقاش في جملة من القضايا الأخرى، المرتبطة بسؤال الثقافة في علاقته بدينامية الإصلاح الديموقراطي في مغرب اليوم. كما كانت الندوة، التي تناولت مواضيع همت "الثقافة والديموقراطية" و"الهوية الوطنية والخصوصيات الجهوية: التكامل في التعدد والاوحدة في التنوع" و"التنوع الثقافي للجهات: طريق للتنوع والديموقراطية" و"الجهوي-الوطني-الكوني: جدلية التفاعل والتواصل والإبداع"، مناسبة لتبادل الرأي حول الإشكاليات المتعلقة بالسياسات العمومية في المجال الثقافي وترجمتها جهويا، وبدور مختلف الفاعلين في النهوض بالثقافة، وبالتعدد الثقافي ودوره في بناء الهوية الوطنية وتعزيز مسلسل الديموقراطية والتحديث.