أضحت تطوان مدينة الأبواب السبعة، من خلال مهرجانها الدولي للعود، الذي أطفأ هذه السنة شمعته الثانية عشرة، عاصمة دولية لسلطان الآلات الوترية ورمز الموسيقى الأصيلة، والحامل لهوية موسيقة عربية منفتحة على كل تجارب المعمور. وتجسد احتفال الحمامة البيضاء بسلطان الآلات الوترية خلال اليوم الثاني، من الأيام الثلاثة للمهرجان الذي سيسدل الستار عليه اليوم، باستضافة فنانين قاسمهم المشترك عشق آلة يزيد عمرها عن 4000 سنة، وتجمعهم دقة العزف عليها مهما تعددت أوتارها، والخبرة في التعامل مع أدق تفاصيلها. فقد رحل جمهور المهرجان في مستهل هاته الأمسية الموسيقية الثانية من أمسيات مهرجان العود بتطوان، الذي تنظمه وزارة الثقافة بتعاون مع ولاية تطوان والجماعة الحضرية بها ووكالة تنمية أقاليم وعمالات شمال المملكة، في سفر ممتع عبر التراث التركي من خلال تقاسيم أداها الفنان محمد بيتماز بامتياز في عزف منفرد ومتفرد على العود قدمت خلاله وصلات من التراث التركي، وأخرى مطبوعة ببصمته الموسيقية الخاصة. وبيتماز ينحدر من عائلة موسيقية تأثر بها وأثرت مخزونه الموسيقي، خاصة جده المنشد محمود بيتماز عازف آلة السيتار والكمان، ووالده يحي بيتماز المنشد وعازف العود، وعمه بكير بيتماز المنشد والملحن. وبيتماز حائز على شهادة الموسيقى الكلاسيكية التركية من معهد الدولة بالجامعة التقنية لإسطنبول، حيث يمتهن التدريس، ويشرف منذ سنوات على الإدارة العامة لتعليم العود. وحلق المهرجان بعد ذلك بجمهوره في أجواء فنية راقية من قلب تقاليد إيران الموسيقية صحبة مجموعة "طائر من النار" (إيران/أرمينيا) بقيادة الموسيقي حسن تبار على آلة ''السنتور'' التقليدية الإيرانية. وقدمت المجموعة بالمناسبة نسيجا من النغمات والإيقاعات والأشعار صيغت لذاكرة الليالي الشرقية المنسية، وتأملات شعرية رقيقة وراقية تحمل على الغوص في أعماق الكون الروحي والصوفي، من خلال إنشاد شعري رفيع لأبيات آتية من المغرب العربي وإيران والهند وبلاد الرافدين. وأثث هذا السفر الفني الإيراني الأرميني صوت جيرار كوردجيان السجي من أرمينيا وعزف حسن تبار على آلة السنتور، التي تطورت بمرور الزمن من علبة مستطيلة ذات أوتار معدنية، إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي، أي صندوق من خشب الجوز وأوتاره البرونزية الإثنان والسبعون المتساوية السمك مع أن كلمة السنتور تعني بالفارسية مئة وتر، والفنان الإيراني الآخر بيجان شيميراني في الإيقاع. واختتم هذه الأمسية الموسيقية الشيقة الفنان المغربي الشاب هشام التطواني ابن مدينة الرباط، الذي يعد من العازفين الشباب الذين يتوقع لهم شأن كبير في مجال العزف على العود، وقد أطرب الحضور بوصلات ومقطوعات من الموسيقى المغربية الأصيلة، أنصتت لها الآذان وتمايلت معها الأجساد، وصفق لها الجمهور مطولا. ويشهد الكثيرون لهذا الفنان الشاب، الذي لقب بالتطواني نسبة إلى والده عبد الواحد التطواني ،أحد رواد الأغنية المغربية، بأنه عازف موهوب ينتقل بين مقامات العود باحترافية كبيرة، وقد اكتشفه عشاق النغم الأصيل بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، مع عازف الكمان الأسطورة الراحل محمد الغازي. أما اليوم السبت فستعيش تطوان، الحمامة البيضاء، آخر أيام احتفالها بالعود والعوادين وبالآلات الوترية التي تنتمي إلى عائلته، خلال دورة هذه السنة، بتقديم وتوقيع قرص دورة 2008 "أولاد زرياب" من إنتاج وزارة الثقافة ومؤسسة (بنيوما)، قبل يستمتع جمهور المهرجان مساء بإبداعات من المغرب، بلد التنوع الفني والانفتاح الحضاري، ومن أرض الكنانة مصر المحروسة، ثم لبنان فبلاد الشام ،حيث العود يتبوأ مكانة خاصة، لتؤكد مدينة الأبواب السبعة بذلك مؤهلاتها التراثية والفنية والموسيقية الضاربة في القدم، وموقعها الاستراتيجي في المشهد الموسيقي المتوسطي.