دشنت مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة، التي تأسست مؤخرا، أنشطتها عشية اليوم الأربعاء بالرباط، بندوة فكرية حول موضوع "الهوية والمواطنة". ورامت هذه الندوة، التي شارك فيها الأساتذة إبراهيم بوطالب، وأحمد بوكوس، وعبد السلام الشدادي، طرح الإشكالات المرتبطة بالهوية والمواطنة وتحليلها، كالتهديد الذي بات يمثله زحف العولمة الداعية إلى تكسير القيم الثقافية والفنية للمكونات اللغوية والفكرية والأخلاقية للهويات الوطنية. كما توخت إبراز اهتمام السلف بالهوية الصحيحة وقيم المواطنة السليمة ودعوته إلى حوار الهويات المتساكنة رغبة في إقامة مجتمع تحكمه قواعد المواطنة ومبادئ الوطنية، وما يقتضي ذلك من معرفة بالآخر واعترافا به في إطار التعدد الخصب والاختلاف البناء. كما حاولت إبراز توغل الهوية في اللاشعور الجماعي وتغذيها من الرموز التي تؤسسها وتستمر مندسة في ثناياها، وقيام المواطنة بنشر مبادئ التساكن والتضامن والتسامح، وارتكازها على اليومي والمعيشي والواقعي وارتباطها بسلطة القانون. وفي هذا الصدد، قال المؤرخ وأستاذ التاريخ السيد إبراهيم بوطالب، إن الهوية تقوم على أربع مرتكزات هي الوطن الذي هو المغرب المبني على الانفتاح، والشعب الذي بني على الاختلاف من أجل الائتلاف، والتاريخ الذي يمتد إلى أزيد من 12 قرنا، ثم المصير أو المستقبل ويتحمل الشعب مسؤوليته ومسؤولية النتائج التي ستتمخض عنه. والمواطنة، حسب الأستاذ بوطالب، هي سلوك يقوم على حب الوطن، وهي أيضا عقيدة وعروة وثقى تفرض مجموعة من الواجبات، وتربية الأجيال الصاعدة على الموطنة والتعلق بالوطن، ومسؤولية تتجسد أساسا في المشاركة في بناء الديموقراطية، وبالتالي فالمواطنة، في نظره، تعاقد اجتماعي. أما عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية السيد أحمد بوكوس، فتناول هذا الموضوع من زاوية موقع الأمازيغية، مبرزا أن الخوض فيه يستلزم كثيرا من الاحتراز، خاصة وأن توظيف مفهومي الهوية والمواطنة يأخذ تلوينات تتغير والسياق العام، وأن معالجة هذا الموضوع تتطلب طرح العلاقة القائمة بينهما. وأضاف أن انفتاح الوطن على العولمة لا ينبغي أن يترتب عنه إقصاء المحلية والجهوية، اللتين يتوجب عليهما، أيضا بالمقابل، عدم إقصاء البعدين الوطني والكوني، مشددا على أن الهوية المغربية، المتعددة الروافد والمطبوعة بالتنوع، بناء متراص ودائم ومنفتح، وهي ذات صلة بالمجالين الجغرافي والتاريخي، وراسخة بثوابتها. في حين تحدث الباحث والأستاذ الجامعي عبد السلام الشدادي، عن موضوع الهوية والمواطنة والأبعاد المرتبطة بهما، موضحا أنه يمكن تناولهما من جوانب متعددة، منها صيرورة هذين المفهومين في إطار التحولات التي يشهدها العالم حاليا، وهي جذرية وجديدة ومهمة، لاسيما في ما يتعلق بتحقيق المجتمع المعرفي، وكذا من خلال التغيرات التي حصلت بالمغرب في خمسينيات القرن الماضي ووصلت أوجها في العقد الأخير. وحاول المحاضر تقديم بعض الخطوط العامة للإشكالية الراهنة ومنها التحديات المطروحة في إطار العولمة، والمعطيات المتوفرة في ميادين الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة العالمية التي تعطي مفهومي الهوية والمواطنة صبغة جديدة وملحة، مبرزا أن هناك ارتباطا متبادلا بين الهوية والمواطنة، وأنه لابد من تقوية الهوية على أساس بناء المواطنة. وكان رئيس مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة السيد خالد القادري، قد أوضح أن هذه المؤسسة تأسست لربط الماضي بالحاضر وبالمستقبل، وإبراز نضالات الرجل الذي تحمل اسمه طيلة أزيد من سبعة عقود على جميع الأصعدة والواجهات، وتعريف الأجيال الصاعدة بنضالات الرواد، ومن بينهم الأستاذ أبو بكر القادري، وإطلاعها على الذاكرة الجماعية للمملكة، وتحسيسها بضرورة الحفاظ عليها. وأضاف أن المؤسسة، إضافة إلى سعيها إلى الحفاظ على الهوية الوطنية، ستعمل على استشراف المستقبل عبر الدرس والبحث، وذلك من خلال الخزانة التي وهبها المجاهد أبو بكر القادري للمؤسسة وما سيتم تجميعه من وثائق وأرشيفات، ثم من خلال ما تعتزم تنظيمه من ندوات ولقاءات وتظاهرات ومعارض مختلفة، مشددا على انفتاح المؤسسة على جميع الاقتراحات التي تتوافق ومراميها. وقد حضر هذه الندوة، التي أقيمت برحاب المكتبة الوطنية للمملكة، إلى جانب الأستاذ أبو بكر القادري، شخصيات عديدة من عوالم السياسة والدبلوماسية والفكر والثقافة من بينهم، على الخصوص، السادة عبد الواحد الراضي الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وإسماعيل العلوي الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ونزار بركة عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال. يشار إلى أن مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة تهدف إلى تشجيع البحث في الميادين المتعلقة بالعمل الوطني والسياسي والاجتماعي، وتنشيط الحياة الثقافية بصفة عامة، واحتضان الخزانة الخاصة للأستاذ أبو بكر القادري لوضعها رهن إشارة المهتمين، وكذا ما ألفه من كتابات ومؤلفات، من بينها "المغرب والقضية الفلسطينية" و"مذكراتي في الحركة الوطنية" و"رجال عرفتهم" (أكثر من عشرة أجزاء).