تبدو بلدة تيغدوين غير عابئة بما يموج به العالم العربي من احتجاجات شعبية ، فهنا والوقت ضحى يوم السبت، لا أحد يكسر السكون غير خرير مياه العين النابعة بوادي "أزات" المتواري بين أوريكا ووارزازات (جنوبي شرق المغرب). بعيدة بحوالي 60 كيلومترا، عن مدينة مراكش، تتمطى الجماعة القروية تيغدوين بين سفوح جبال الأطلس الكبير بالمغرب، لكن صيتها تجاوز الوادي إلى مختلف مناطق المغرب بعد اكتشاف العين ب"سيدي الوافي" سنة 1990. "هنا يجد الباحثون عن شفاء للقصور الكلوي، ومغص البطن والأمعاء، ضالتهم"، قال محمد (اسم مستعار) مالك نزل في البلدة. وكما تتناسل حكايات عن كرامات" ماء "تيغدوين"، فإن هذه البلدة بمنازلها الحمراء الواطئة، وطوق أشجار الصفصاف الذي يحفها، تراهن على سياحة "طبية" تفتقر للهيكلة، حيث يعيش الناس هنا على الكفاف والعفاف في انتظار زيارات خاطفة من سياح الداخل. محمد، هو واحد من أبناء "تيغدوين" حيث رأى النور، وفي مسقط رأسه قرر الاستقرار، إلى أن يحين أجل الرحيل، لكنه طلب عدم كشف اسمه لدواع لم يفصح عنها. كان يتحدث عن مكانة البلدة، مؤكدا أنها تتوفر على أكبر مداخيل بين نظيراتها المتناثرة في أحواز مراكش، مشيرا إلى أنها تتوفر على حوالي 1500 دكان، تكترى من المجلس القروي، بسومة شهرية أدناها أربعون درهما (حوالي 3,5 أورو)، فضلا عن مداخيل مجازر البلدة، ومرابد السيارات، تشفع لها للتقدم، دون أن يتحقق ذلك. وفيما أنحى محمد باللائمة على "تقاعس" من لدن أعضاء المجلس القروي، فإن الأنكى، حسب إفادته، أن البلدة ترزح تحت جور ذوي القربى، رغم سمعتها الطيبة بين المغاربة. السبب وراء ذلك، هو أن تيغدوين، حيث يلتئم سوق أسبوعي كل يوم أربعاء، تجر أذيال إشاعات مغرضة أطلقها البعض لأغراض مبهمة وصمتها بالدعارة. فقد أشار محمد إلى أن أستاذا محاضرا في المغرب وفرنسا، يتحدر من المنطقة، ما فتيء في كل مناسبة أتيحت له للنيل من شرف البلدة الأمازيغية، موضحا أن دليلا للسياحة نقل عنه مقولة بالفرنسية "هناك بيوت للدعارة في تيغدوين"، مما يجعل بعض السياح الأجانب يصرفون النظر عن إدراجها في مسارات رحلاتهم. وعلى نقيض تيغدوين، وعند طرف طريق أفعوانية (تربط بين مدينتي مراكش ووارزازات)، تخترق جبال الأطلس الكبير، تبرز"توفليحت" كمحطة للسياح الأجانب. وشكل هذا المركز لسنوات محطة تتوقف عندها وجوبا حافلات وسيارات السياح من مختلف الجنسيات، للتمتع بطبيعة تخطف آهات الإعجاب من أفواههم. لحسن، هو نادل بأحد المقاهي في هذه المنطقة المنحدرة، كان يستقبل ثلة من زائري المقهى بابتسامة تحتل وجهه ولا تعكس ما يعتمل في صدره. غزا الشيب شعر هذا الرجل السبعيني ، وأخذ منه الزمن عقودا في هذا المكان، بينما اتسم حديثه بالعفوية، حينما رمى بالعتاب نار الثورة المتقدة في نفوس العرب في بلدانهم، وهو يحيل إلى أنها لفحت جيوب البسطاء من أمثاله في المركز القروي. ولطالما حصل، لحسن، من السياح الأجانب على" بقشيش" محترم ساعده في مجابهة صروف الدهر، غير أن احتراز هؤلاء من زيارة بلدان تصفها المنابر الإعلامية ب"بطون تتمخض لتلد الثورات" ولم تستثن من بينها المغرب، قد انعكس سلبا عليه وعلى أمثاله. صمت لحسن لبرهة، قبل أن يستطرد متهكما "زائرونا خلال هذه الفترة العصيبة أغلبهم مستعملو الطريق المغاربة وخاصة منهم الراغبون في قضاء حاجاتهم في المراحيض لاستكمال الطريق". في انتظار أن تفد عليها قوافل السياح العرب والأجانب، تبقى بلدة" تغدوين" رابضة بين قمم الأطلس الكبير بأحواز مراكش تعيش حياتها اليومية العادية بشكل رتيب، فيما تفيض بيوتها بكرم حاتمي قل نظيره، إذ لا يتردد سكانها في دعوة زوار البلدة إلى شرب كأس شاي بماء عين "سيدي الوافي".