من سيفوز في 6 تشرين الثاني (نوفمبر)؟ هل هو الرئيس الحالي باراك أوباما، أو منافسه من الحزب الجمهوري ميت رومني؟ لا مكان في العالم تضاهي فيه حماسة انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية ما هي عليه في الشرق الأوسط. ولم تكن المناظرة حول السياسة الخارجية يوم الاثنين الماضي بين المتنافسيْن مطمئنة أبداً، فهي لم توفر للعرب والمسلمين أي سبب ليصدّقوا أن أي طرف سيتبوأ سدّة الرئاسة في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة سيعالج مشاكلهم الأساسية. وتُعتبر الولاياتالمتحدة منذ عقود القوة الخارجية المهيمنة في الشرق الأوسط، بعد أن حلت مكان بريطانيا وفرنسا لأداء هذا الدور في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد أن تخلّت عنه روسيا بعد انهيار الإمبراطورية السوفياتية. ومع ذلك، تواجه الولاياتالمتحدة اليوم تحديات أكبر من أي وقت مضى. فشعوب المنطقة تنتفض ضد ساستها – وهي محقة في ذلك نسبياً. وبدلاً من أن تكون الولاياتالمتحدة فوق مستوى النزاع وتتوسط في النزاعات بطريقة صادقة، لمحاولةً نشر السلام والازدهار، شنّت حروباً مدمرة إلى حد كبير جداً، تسببت بقتل وجرح أعداد هائلة من الأبرياء، وفرضت عقوبات على أعداء مزعومين، والأهم من هذا كله وضعت إسرائيل في صميم سياساتها في الشرق الأوسط. ومن أوضح الرسائل التي تتضمنها الموجة الإسلامية التي تجتاح أرجاء المنطقة، أن العرب والمسلمين فقدوا ثقتهم بالولاياتالمتحدة. وما عادوا يريدون أن تتدخل في شؤونهم وأن تتحكم بهم، مع العلم أنها رسالة آتية من القاهرة وصولاً إلى بغداد، ومن غزة وصولاً إلى كابول، ومن الضاحية الجنوبية لبيروت إلى طهران، ومن تمبكتو إلى صنعاء. ولم تختبر الولاياتالمتحدة يوماً هذا المقدار من الاستياء والبغض – وحتى الكراهية الشديدة. هل بإمكان الولاياتالمتحدة استعادة سمعتها الملطخة؟ هل تستطيع تغيير المسار الذي تسلكه؟ ستتطلب أي إعادة تأهيل مراجعة جذرية للسياسات الراهنة، ولا مؤشر أبداً على ذلك، علماً أن قلة فقط من العرب تضع آمالها في ميت رومني. وعندما أعلن بالطريقة التي فعل، يوم الإثنين الماضي، أن «هذه الدولة هي أمل الأرض»، لا شك في أن عدداً كبيراً من العرب والمسلمين انفجروا ضاحكين ارتياباً. وهو أضاف قائلاً، «إن أصبحت رئيساً، فستكون الولاياتالمتحدة قوية جداً!». وهنا تكمن بالتحديد المشكلة التي يواجهها الشرق الأوسط، حيث إن الوفاء الأعمى الذي يكنه رومني لإسرائيل – وتعهده المتكرر «بوجوب غياب أي فاصل بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل» – وتهديده المتغطرس في شأن نفوذ الولاياتالمتحدة لا يأتي إلا بتوتر حاد. وهو حتماً ليس الرجل الذي تريد المنطقة أن تراه داخل البيت الأبيض. ولكن هل أوباما أفضل حالاً؟ سرعان ما استُبدِل الخطاب الذي ألقاه في القاهرة خلال عام 2009، حيث تعهد «ببداية جديدة» مع العالم العربي، بخيبة أمل مريرة، عندما أذعن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وبدلاً من أن يواصل سعيه للتوصل إلى حل عادل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، تقبّل فكرة أن تستمر إسرائيل بالاستيلاء على أراضٍ فلسطينية، وصدّ محاولة الفلسطينيين نيل اعتراف بدولتهم في الأممالمتحدة. فهل سيقوم بما هو أفضل من ذلك في حال أعيد انتخابه؟ ليس الأمر مؤكداً على الإطلاق. ومع أن أوباما نجح في انتشال الولاياتالمتحدة من العراق، فقد فشل حتى الآن في التفاوض للخروج بطريقة مشرّفة من حرب أفغانستان التي يستحيل الفوز بها. والأسوأ من ذلك أنه سبق سلفه جورج دبليو بوش المولع بالقتال عندما زاد إلى حد كبير عدد «عمليات القتل المستهدفة» لمقاتلين مزعومين، باستعمال طائرات من دون طيار في باكستان واليمن والصومال، وربما قريباً في منطقة الساحل الأفريقي. وما من طريقة أكثر فعالية لظهور «إرهابيين» وتأجيج شعور الكراهية إزاء الولاياتالمتحدة. لماذا تتشبث الولاياتالمتحدة إلى هذا الحد بدورها كطرف متآمر عسكرياً في الشرق الأوسط؟ تقوم الإجابة المعتادة على رغبتها في التحكم بموارد النفط والغاز الكبيرة في المنطقة. لكن الخبراء يقولون إن الغاز الصخري يُعتق الولاياتالمتحدة من اعتمادها على نفط الشرق الأوسط. وفي مطلق الأحوال، تُظهِر الأرقام أن الشرق الأوسط صدّر خلال السنة الماضية نسبة 72 في المئة من نفطه الخام إلى آسيا – لا سيّما الصين، والهند، واليابان، وسنغافورة – بدلاً من الولاياتالمتحدة. ولا يرى أي من هذه البلدان حاجة إلى قواعد عسكرية في الشرق الأوسط. وغالباً ما يتم اعتبار اهتمام الولاياتالمتحدة بحماية إسرائيل سبباً آخر للحضور العسكري الأميركي الطاغي في المنطقة. وفي هذه المرحلة بالتحديد، تُجري الولاياتالمتحدة مناورات في مجال الدفاع الصاروخي بالتعاون مع إسرائيل، في ما وُصف «بالمناورات الأضخم في تاريخ» العلاقة الطويلة بين البلدين، وذلك بهدف تعزيز سبل الدفاع الجوي الشامل لإسرائيل. ويجدر التذكير بأن حماية إسرائيل أمر مختلف تماماً عن مسألة ضمان سيادتها العسكرية التامة. وهذا ما يعنيه التزام الولاياتالمتحدة ضمان «التفوق النوعي العسكري» لإسرائيل – أي قدرتها على هزم أي تكتل من جيرانها. وقد نجحت مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل في إدراج هذه الضمانة خطياً في القانون الأميركي. وتتقبل الولاياتالمتحدة، وبالتالي تدعم إسرائيل، في المحاولات التي تبذلها لتدمير حركات مقاومة على غرار «حماس» و «حزب الله» – وهي حركات تصفها الولاياتالمتحدة بالإرهابية – وجريمتها أنها تسعى لحماية شعوبها في غزة ولبنان من هجوم إسرائيلي. وفي الوقت عينه، تبذل الولاياتالمتحدة قصارى جهدها لتدمير «محور الممانعة» الذي حاول التحكم بالنفوذ الإسرائيلي في منطقة المشرق. ويبدو أن قسماً كبيراً من الحملة الأميركية الراهنة، التي ترمي إلى حض إيران على الإذعان – مع فرض عقوبات غير مسبوقة على قطاعها النفطي ومصرفها المركزي، وشن هجمات إلكترونية على منشآتها الصناعية – هو مدفوع بالرغبة في القضاء على أي تهديد كامن للهيمنة الإسرائيلية. ولا يحق لأحد تقديم الإغاثة للشعب المحاصر في غزة. وعندما حاولت سفينة «مافي مرمرة» التركية غير المسلحة التي حملت على متنها ناشطي سلام، اختراق الحصار الوحشي المفروض على غزة، تعرضت لهجوم من قوات خاصة إسرائيلية في المياه الدولية، ما تسبب بمقتل تسعة أتراك، من بينهم ناشط يحمل الجنسيتين الأميركية والتركية. وتنتظر تركيا سدى أن تقدّم إسرائيل اعتذاراً، مع العلم أن علاقاتها، التي كانت في السابق طيبة مع إسرائيل، تراجعت إلى حد الجمود. وقد انتقدت الولاياتالمتحدة إرسال الأسطول بدلاً من انتقاد إسرائيل. وآخر ما ستفعله الدولة التركية هو الإقرار بالهيمنة الإسرائيلية. والجدير ذكره أن مصر، التي باتت الآن بقيادة «الإخوان المسلمين»، تستشيط غضباً حيال القيود التي فرضتها اتفاقية السلام مع إسرائيل برعاية أميركية في عام 1979 على حرية تصرفها في سيناءوغزة. إلا أن الرئيس محمد مرسي تعهد عدم السماح للقضية الفلسطينية بالإفلات من السيطرة. وكان هنري كيسنجر، الذي قاد السياسة الخارجية الأميركية بين 1969 و1977، يقول إنه كلما اقتربت الولاياتالمتحدة من إسرائيل، زاد تهافت العرب على واشنطن. وتعمل شعوب المنطقة اليوم على تحدي وجهة النظر الساخرة هذه، حتى لو لم يحصل ذلك بعد في أوساط كل قادتها. وبدلاً من تحريض إسرائيل ضد الشرق الأوسط برمّته – وتدمير أي دولة أو حركة مقاومة تجرؤ على حماية نفسها من النفوذ الإسرائيلي – حري بالولاياتالمتحدة أن تشجّع نشوء ميزان قوى بين إسرائيل وجيرانها. ويُثبت التاريخ أن توازن القوى يسمح بحفظ السلام، في حين يؤدي عدم التوازن إلى الحرب، لأن الفريق الأقوى سيحاول دائماً فرض إرادته بالقوة. تلك هي بعض الأمور التي قد يعنى الرئيس الأميركي المقبل بدراستها، في حال كان مهتماً باستعادة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط المضطرب.