باتت الأزمة السورية على مشارف النهاية المتوقعة لنظام فضل استخدام أسلحته الثقيلة من طائرات ودبابات لقتل الشعب وتدمير البلاد على استخدامها لتحرير الجولان المحتل، وهي النهاية التي تخطط لها فرنسا وأمريكا وبريطانيا عبر الاعتراف بحكومة منفى وجيش حر في مواجهة جيش النظام وتحويل ملف الرئيس السوري إلى المحاكم الدولية، ويبقى السؤال: هل سيقود الإبراهيمي هذا المشروع الغربي أم يجد بديلا له مثلما وجد بديلا للحرب الأهلية في لبنان وتوحيدا مؤقتا للطوائف الدينية في العراق، وحكومة أزمة في أفغانستان؟. الإبراهيمي الوسيط البديل؟ الكل يتوقع فشل مهمة الإبراهيمي بعد فشل مهمة كوفي عنان لكن الغائب في هذا التوقع هو أن الإبراهيمي هو الأكثر دراية بالعلاقات بين موازين القوى في المنطقة ما بين لبنان وسوريا وما بين إيران وتركيا وما تستطيع أن تتحمله المنطقة من تحولات دون المساس بمصالح المتصارعين حول الهيمنة على القرار في سوريا وعلاقته بالدول العظمى. صحيح أن الوضع السوري معقد لكن كان الوضع اللبناني أكثر تعقيدا ومع ذلك تمكن الإبراهيمي من حل اللغز فيه، أما الوضع الراهن الذي تتجاذبه الدول العظمى يبدو واضحا لأن هناك شبه إجماع بضرورة رحيل الرئيس السوري والحوار الذي سيطرح هو حول كيفية انسحابه مثلما وقع في اليمن، لكن يبدو أن فرنسا وبريطانيا وأمريكا لا تريد حلا شبيها باليمن وإنما على الطريقة الليبية. في عام 1995م التقيت صديق الإبراهيمي المرحوم مازن البندك فقال لي: "سألت الإبراهيمي عن سبب عدم دعوته إلى الجزائر للوساطة بين الأطراف المتصارعة حول السلطة وهو الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، فامتنع عن الإجابة" عندئذ أدركت لماذا تستمر الأزمة في الجزائر. عاد المشهد إلى ذاكرتي وأنا أتابع "الخرجات الثمانية" للجنرال المتقاعد خالد نزار المتابع من العدالة السويسرية، وتساءلت ماذا لو سكت الجنرال مثلما سكت الإبراهيمي ألا تكون الجزائر قد نسيت وجوها شاركت في الأزمة؟ وهل يحق للمتقاعدين تضليل الرأي العام بتقديم معلومات غير صحيحة حول الثورة المسلحة حزب فرنسا الحقيقي وتوقيف المسار الانتخابي؟ ولماذا لم يحرك مجاهد ساكنا حول هذا التشويه؟ هل كذب بلخادم؟ من أبجديات المؤسسة التشريعية التي تجاهلها الجنرال هو أن انتهاء العهدة فيها يكون يوم تنصيب المنتخبين الجدد وليس يوم توقيف المسار الانتخابي يوم 11 جانفي 1992م بعد أسبوع من صدور نتائج الدور الأول للانتخابات التشريعية ليوم 26 ديسمبر 1991م، والدستور الجزائري ينص على أن الرئاسة تكون لرئيس البرلمان لمدة 45 يوما مثلما حدث أثناء موت الرئيس هواري بومدين وتولي رابح بطاط المرحلة الانتقالية، أولم يكن بلخادم رئيسا للبرلمان؟. الحقيقة التي لا يريد الجنرال الكشف عنها هو أن حزب فرنسا لا يقبل برئيس محسوب على التيار الوطني أو الإسلامي إلا إذا كان مخترقا من المصالح الفرنسية، وحزب فرنسا الذي أتحدث عنه هو الذي تولى مهمتي تسيير المؤسسة العسكرية والجامعة الجزائرية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، وبوادر التخلي عن قيادات الثورة الجزائرية وجنودها تجلت في مؤتمر 1964م الذي كان أول مؤتمر لحزب الطليعة في الجزائر، كما هو موجود في وثائق المؤتمر، فقد أحدث قطيعة مع مؤتمري جبهة التحرير الوطني الأول (مؤتمر الصومام) والثاني (مؤتمر طرابلس)، وحتى يتأكد القارئ مما أدعيه فما عليه إلا مراجعة قوائم قيادة الحزب الطلائعي جبهة التحرير فلن يجد فيه كريم بلقاسم أو خيضر أو بوضياف أو آيت أحمد وغيرهم ممن قادوا الثورة، والانقلاب على بن بلة مكن "ضباط فرنسا" من التغلغل في الحكم، بحيث أن اغتيال بومدين ما يزال غامضا مثل اغتيال محمد بوضياف وقبلهما خيضر وكريم بلقاسم، ولا أتحدث عن إعدام أول عقيد شاب وهو شعباني في عهد بن بلة. ومجيء الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الحكم حرر ضباط فرنسا من أيديولوجية حزب جبهة التحرير فأصبحوا يعملون بحرية أكثر وبدؤوا في تنفيذ مشروعهم بمحاولة تغيير النشيد الوطني (قسما) بعد أن فشلوا في تغييره عام 1963م فجعلوه مؤقتا في الدستور، وحاولوا تغيير اسم جبهة التحرير الوطني وألغوا وزارة المجاهدين ورهنوا البلاد لدى فرنسا، وحين فشلوا مرة أخرى لجأوا إلى افتعال أحداث 5 أكتوبر 1988م، بدفع تلاميذ الثانويات إلى الانتفاض على كل ما يرمز إلى الدولة الجزائرية، وكانت النتيجة هي تشكيل سلطة جديدة تتماشى مع التحولات الدولية التي واكبت سقوط جدار برلين، غير أنهم لم يتوقعوا أن الشعب الجزائري لا يصوت على بقائهم في الحكم مما جعلهم يدفعون بالبلاد نحو سنوات الدم، ماذا لو أن هذه الجماعة لجأت إلى الدستور وقامت حكومة انتقالية دون اللجوء إلى استيراد أحد رموز الثورة لاستكمال إهانته باغتياله على المباشر وتوريط الشخصيات الوطنية في جريمة لم يشاركوا فيها. صحيح أن بلخادم كان متحمسا في تحقيق المصالحة الوطنية عبر العقد الوطني الذي لم يحضر توقيعه في روما ولكنه لم يكذب كما يدعي أعداؤه، وصحيح أن بلخادم محسوب على التيار الإسلامي ولكن من كانوا ضده هم أولئك الذين كادوا أن يمنعوا عام 1988م إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر وبلخادم كان منذ البداية ضد التطبيع مع إسرائيل وهذا هو سر الكره له.