فيما يبدو أنه محاولة من مدريد لتلطيف أجواء التوتر التي تطبع العلاقات المغربية-لإسبانية في الوقت الراهن،على خلفية التصريحات التي أدلى بها،منذ حوالي أسبوعين، عباس الفاسي،رئيس وزراء المغرب، أمام برلمان بلاده، بشأن فتح حوار صادق مع إسبانيا،من أجل إنهاء احتلال مدينتي سبتة ومليلية، وباقي الثغور في شمال المغرب، اضطر ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا، في تصريحات صحافية تداولتها اليوم الأربعاء،عدة منابر إعلامية،إلى وصف العلاقات بين مدريدوالرباط بكونها "إيجابية وتدعو إلى الارتياح". وتعليقا على ما صدر عن رئيس وزراء المغرب، قال رئيس الدبلوماسية الإسبانية " إنه موقف منطقي ومعروف، طالما عبر عنه المغرب، في مختلف المناسبات، سواء أمام البرلمان أو في باقي المنتديات السياسية، مشددا على أن إسبانيا ترفض من جهتها، بشكل واضح وصريح، المطالب المغربية وتتشبث بحقها في اعتبار المدينتين جزءا من ترابها الوطني". وأضاف موراتينوس، الذي كان يتحدث أمس في منتدى صحافي، رعته مؤسسة جريدة "أ ب ث ) الإسبانية " أن تعارض مواقف البلدين بخصوص تلك القضية، لا يحول دون قيام واستمرار علاقات طيبة بينهما ". ويخالف الموقف الجديد المعبر عنه من طرف موراتينوس النبرة الحادة والصارمة التي طبعت مواقف وخطاب أكثر من مسؤول إسباني لحظة اندلاع الأزمة،بينها بيان وزارة الخارجية الإسبانية نفسها الذي اتسم بنفس الطابع،إضافة إلى ما صرحت به ماريا تيريسا دي لافيغا، نائبة رئيس الحكومة، التي جزمت باستحالة فتح أي حوار أو نقاش، كيفما كانت طبيعته، مع المغرب بخصوص مصير سبتة ومليلية. وكانت أصوات من المعارضة والحكومة، تعالت وذهبت لحد الزعم أن المغرب، بتحريك ملف سبتة ومليلية، أراد استغلال الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بإسبانيا لإرباكها بمطلب استعادة الأجزاء المحتلة من ترابه ،وأن الرباط إنما أرادت بموقفها، تكرار نفس السياسة التي نهجتها عام 1975 حينما استغلت الاحتضار الطويل للجنرال فرانسيسكو فرانكو، ديكتاتور إسبانيا السابق، فقامت بتنظيم المسيرة الخضراء إلى المحافظات الصحراوية، التي كانت تحتلها إسبانيا ثم خرجت منها سلما بموجب اتفاق ثلاثي بينها وبين المغرب وموريتانيا.واستنتج دعاة ذلك المنطق الغريب أن "المغرب جار ليس وفيا". وفي وقت لاحق،عادت أصوات مماثلة من اليمين واليسار الإسباني،لتروج أطروحة أخرى مفادها أن المغرب هو الذي يعاني من مصاعب داخلية، يريد إخفاءها بإثارة موضوع سبتة ومليلية ، فضلا عن القول بإنه أراد الانتقام لنفسه من أثار زيارة الملك خوان كارلوس للمدينيتن المحتلتين نهاية .2007 وسأل الصحافيون وزير خارجية إسبانيا،عن إجراءات الطرد التي اتخذها المغرب منذ شهر مارس، في حق بعثات دينية كانت تعمل في مجال الخدمة الإنسانية لفائدة المناطق المهمشة والفقيرة،بعد الاشتباه في خروجها عن رسالتها الخيرية والقيام بنشاط تبشيري ؛ فأوضح موراتينوس أن مدريد أعربت للسلطات المغربية عن "انشغالها" خاصة وأن القرار شمل مواطنين أوروبيين يعتنقون الديانة المسيحية،مضيفا أن ما أبلغته إسبانيا إلى المغرب، بكيفية مباشرة ،درءا لكل التأويلات، اتخذته على الصعيد الوطني، وباعتبارها تتولى أيضا الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي. وأشار رئيس الدبلوماسية الإسبانية إلى الأسباب التي حملت المغرب على القيام بما قام به،قائلا إن الرباط اشتكت من النشاط التبشيري المبالغ فيه الذي مارسته بعض العناصر التي تم طردها ، لكن الوزير الإسباني علق بالقول إن بلاده والاتحاد الأوروبي لم يقتنعا بالتبريرات المقدمة من المغرب، مبرزا أن بلاده ستتابع مناقشة الموضوع مع الجانب المغربي، مؤكدا بالمناسبة على ضرورة احترام حرية الأديان التي تدافع عنها إسبانيا ضمن مبادرة "تحالف الحضارات" التي أطلقها من قبل، رئيس الوزراء، خوصي لويس ثباطيرو، الذي سيحضر مؤتمرا للتحالف سيعقد في البرازيل الأسبوع المقبل. تجدر الإشارة إلى أن السفير المغربي المعين لدى مدريد، لم تتم تسميته رسميا من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس،وبالتالي يلزمه بعض الوقت قبل الالتحاق بمنصبه الجديد. ويبدو أن التصريحات "الملطفة" التي أدلى بها موراتينوس تصب في تشجيع الرباط على التعجيل بإيفاد سفيرها الصحراوي الجديدأحمد ولد سويلم، الذي قيل إن مدريد أبدت تحفظا على تعيينه في البداية ثم سلمت في الأخير بالقرار السيادي الذي أتخذه المغرب. إلى ذلك،نشر موقع إخباري مغربي منذ أيام أن موراتينوس،سيتم تعيينه سفيرا لبلاده في الرباط خلفا للسفير الحالي لويس بلاناس،بحجة أنه القادر على إعادة الدفء إلى العلاقات المغربية - الإسبانية. وعلى الرغم من أن الدبلوماسية هي فن الممكن،كما يقال،فإنه يبدو مستبعدا تنحية، موراتينوس،عن الخارجية في الظروف السياسية الحالية التي تمر بها إسبانيا حيث يهيمن "شبح" إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها لمواجهة الأزمة غير المسبوقة.