الجزائر "مغارب كم": نسرين رمضاني هو انجاز كاد إن يتحول إلى وهم. انه "ميترو" الجزائر الذي لم يخرج من النفق ليرى النور، إلا بعد 30 عاما من الانتظار أي تاريخ وضع حجره الأساسي من قبل الرئيس الشاذلي بن جديد، ثالث رئيس عرفته الجزائر. هذا الانتظار لطالما تأفف منه الجزائريون لدرجة يأسهم من الوعود التي تكررت مرارا عن قرب انطلاق "ماكينة العصر"الى ان حل تاريخ 31 أكتوبر 2011 حيث أشرف على الافتتاح شخصيا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في سياق ضم هذا المكسب الى سلسلة الانجازات التي يتفاخر بتحقيقها خلال عهدته الرئاسية، على غرار الطريق السيار شرق غرب الذي يمتد من أقصى شرق البلاد إلى أقصى غربها. ولم يصدق سكان العاصمة أنهم سيتنقلون إلى وسط المدينة في ظرف 13 دقيقة بعدما كانوا يقطعون المسافة لأكثر من ساعة ،ليس لبعد المسافة و لكن للاكتظاظ الذي أضحى سمة مدينتهم التي يطلقون عليها اسم "البهجة" ازدحام يكاد لا يفارقها إلا نهاية الأسبوع ، فان كان الغرض ليس للعمل، فمن من اجل قضاء الأغراض الإدارية، بحكم تواجد معظم الهيئات الرسمية في قلب العاصمة الجزائرية التي لم تعد تسع لكل أبنائها الذين يحاولون من جهتهم تفاديها بفعل إزدحام لا يطاق.لكن ما العمل إذا تجمعت المصالح كلها في عاصمة لتكدر صفوها وبياضها وتحملها أكثر مما يطاق. لكن واقع العاصمة الجزائرية، يصعب تغييره لتفرع الاتجاهات التي تربطها بالمناطق الغربيةوالشرقية والجنوبية، مما يعني إن وجود "الميترو" الذي بلغت تكلفة إنجازه 100 مليار دينار أي ما يعادل مليار أورو، لن يحل كل مشاكل النقل في العاصمة، ما لم يتم التفكير في توسيع مسالكه ليشمل المناطق المذكورة . لقد تبين انه بعد دخول هذه الوسيلة الخدمة منذ أكثر من أربعة أشهر وعلى مسافة 9.5 كلم فقط، أن الأمور بقيت على حالها ماعدا بالنسبة للسكان الذين يقطنون المسلك على طول 10 محطات، اذ رأوا انه لا مفر من الاستفادة من خدمات الاشتراك الشهرية او الأسبوعية. ورغم ان فرحة الجزائريين بدت كبيرة بتحقق هذا الحلم الذي ظل شاهدا على فساد النظام وفشله في تحقيق الحد الأدنى من ظروف العيش الجيدة للمواطنين، إلا إن الجميع ابدى عدم رضاه عن مسلك الخط الأول، إضافة إلى سعر التذكرة المرتفع (50 دينار جزائري، أي نحو نصف اورو، وهو مرتفع مقارنة بسعر تأشيرة الحافلة المقدر ب15 او 20 دينار). وسجلت في هذا الصدد احتجاجات المسافرين بخصوص سعر التذكرة مقارنة بإمكانيات المستعملين بصفة عامة والطلبة خاصة. وتتيح التسعيرة لمستعملي "الميترو" الدائمين اشتراكا شهريا يقدر ب 1820 دينار وبعدد غير محدود من الرحلات وكذا اشتراكا أسبوعيا ب 540 دينار، فضلا عن اقتراح تذكرة لعشر رحلات ب 400 دينار. وقد شجعت أنواع الرسوم المعتمدة اعتماد الصيغ الأكثر طلبا من طرف المستعملين أي الاشتراك الأسبوعي والاشتراك الشهري وشراء دفتر من 10 تذاكر. ويربط الخط الأول، البريد المركزي في قلب العاصمة بحي البدر في بلدية "باش جراح" مرورا ببلديات سيدي محمد وبلوزداد وحسين داي. وتم إنجازه من قبل تكتل مكون من ثلاث شركات: الفرنسيتان "سييمنس فرنسا" و"فينتشي" والأسبانية "كاف"، وتقوم باستغلاله "شركة مترو الجزائر" بالاشتراك مع مؤسسة "إدارة وسائل النقل الباريسية" (أر أي تي بي"). وتم تكليف نحو 500 مستخدم و400 شرطي بتأمين المحطات العشر. ولحد الآن وطبقا لآخر إحصائياتا الشركة المكلفة بالاستغلال التجاري، أقل ميترو الجزائر، ما لا يقل عن 2,4 مليون مسافر منذ تدشينه في الفاتح نوفمبر. وقدر معدل التردد اليومي منذ تدشينه ب34657 مسافر مع تسجيل ''أعلى رقم '' خلال العطلة المدرسية لا سيما في اتجاه الجزائر الوسطى (محطة تافورة) وحديقة التجارب. في حين يتمثل هدف الشركة في بلوغ 13 مليون مسافر. علما انه بإمكانه نقل إلى غاية 25000 مسافر في الساعة وفي الاتجاه الواحد. ويمكن خلال السنة الوصول إلى 90 مليون مسافر ، إذ يقل الميترو المسافرين ابتداء من الساعة 5 صباحا إلى غاية الحادية عشر ليلا يوميا وبمعدل رحلة كل ثلاث دقائق وعشرين ثانية خلال ساعات الازدحام أو الذروة،و كل خمس دقائق خلال أوقات الفراغ ويمكن ركوبه حتى في أيام الراحة والعطل . ورغبة في امتصاص النقائص التي مازالت تعتري هذا الانجاز، تعتزم الشركة ''الحفاظ على نوعية الخدمة الحالية وتسهيل أكثر فأكثر تنقل المسافرين من خلال تحقيق تنسيق بين الميترو والترامواي الذي انطلق مسلكه من المنطقة الشرقية للعاصمة في انتظار توسيع خطوطه أيضا. كما أطلقت مؤسسة ميترو الجزائر مناقصة وطنية ودولية لإنجاز الدراسات الأولية المتعلقة بتوسيع الميترو نحو الأحياء الواقعة غرب العاصمة . وذلك في الوقت الذي تشهد فيه أشغال انجاز توسيع الشطر الثاني للخط الأول الرابط بين البريد المركزي و ساحة الشهداء، من قبل مجمع برازيلي، وتيرة مقبولة . من خلال استعمال الأجهزة العصرية التي ستسمح بتحقيق مجمل الأشغال تحت الأرض ودون اللجوء إلى المتفجرات التي يتم استعمالها في هذا النوع من الأشغال، مع اتخاذ كل الإجراءات للحفاظ على البيئة وكذا البنايات على طول المسافة محل التوسيع بكلفة 15 مليار دج. ومن شان هذه التوسعة المساهمة بشكل هام في فك الاختناق عن حركة المرور وسط المدينة وتسهيل التنقل من وإلى هذا الجزء من العاصمة. وفي انتظار ان يلبي هذا الانجاز الذي خرج من دائرة الأحلام المستحيلة للجزائريين ،كل انشغالاتهم و يفك عنهم عقدة النقل، يبقى الأهم تسريع وتيرة الإشغال في المسالك المتبقية وتحديد أجال التوسعة للأجزاء الأخرى، بأن لا تبقى مجرد مشاريع لعقود أخرى من الزمن وتشهد نفس الولادة العسيرة للميترو.