أكد جميع المشاركين في لقاء وطني حول موضوع "الأحزاب السياسية والديمقراطية"٬ اليوم الجمعة بالرباط، انه لابد أن تسود الديمقراطية، ثقافة وسلوكا، ممارسة الأحزاب السياسية بالمغرب، حتى لايكون هناك تناقض بين الخطاب والواقع. وأشار المشاركون إلى أن الأحزاب السياسية في المغرب لا يمكنها المطالبة بالديمقراطية ما دامت الثقافة والممارسة الديمقراطية غائبة لديها داخليا. وأبرزوا في اللقاء الذي تنظمه شعبة القانون العام والعلوم السياسية وشعبة القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، بشراكة مع مؤسسة كونراد آدناور الألمانية٬وفق تقرير لوكالة الأنباء المغربية، أن الأحزاب السياسية المغربية تواجه اليوم٬ في سياق ما أنتجه الربيع العربي٬ تحديات تفرض عليها إعادة النظر في هياكلها وآليات اشغالها وكفاءاتها في ظل بروز حركات اجتماعية جديدة نجحت في تعبئة المجتمع وإحداث تغييرات جوهرية في عدد من بلدان المنطقة. وأوضح الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الحبيب الشوباني٬ في هذا الصدد٬ أن إشكالية الحياة الديمقراطية للأحزاب جزء من إشكالية أكبر حول علاقة الدولة بالمجتمع والتي يفترض فيها أن الدولة تخدم المجتمع داخل الديمقراطيات . وأضاف أنه "لا يمكن أن نطالب بالدولة الديمقراطية وإعمال الدستور الجديد في وقت نعجز فيه كأحزاب عن إرساء ديمقراطية داخلية"٬ مستشهدا في هذا الشأن بطريقة تعامل الأحزاب مع اللائحة الوطنية للنساء التي قال إنها طغت عليها الزبونية والمحسوبية٬ في حين يفترض أن تكون آلية لإحداث تحول ثقافي داخل المجتمع لرد الاعتبار للمرأة٬ إلى جانب "معركة الاستوزار" داخل بعض الأحزاب. وأشار الشوباني إلى أن ورش الديمقراطية الداخلية للأحزاب يفرض نفسه اليوم من خلال إرساء قواعد وحكامة حزبية داخلية في إطار مكافحة الفساد الحزبي الذي يندرج بدوره ضمن المطلب المجتمعي لمحاربة الفساد ككل. من جهته٬ ذكر الأستاذ الجامعي عبد الحي المودن٬ أن الحركات الاجتماعية الافتراضية التي عبأت المجتمع ونزلت للشارع في سياق ما يعرف بالربيع العربي حققت إنجازات تتجاوز سقف الأحزاب والمجتمع المدني والحركات الاجتماعية القائمة ووصلت الى حد إسقاط أنظمة وفرض إصلاحات جوهرية في بعض الدول. بالمقابل٬ أبرز المودن أن هذا المجتمع الافتراضي لم يتمكن حتى الآن من طرح نفسه كبديل للمجتمع السياسي الترابي المنظم والحركات الاجتماعية والأحزاب القائمة٬ بل إنه مهد لها الطريق للوصول الى السلطة ومراكز القرار عبر صناديق الاقتراع. وأضاف أن على الأحزاب السياسية التفكير جديا في ربط علاقة أقوى وأقرب مع المجتمع كي تستمر وتنافس الحركات الاجتماعية الجديدة المطالبة بدورها بإعادة النظر في دورها المحتمل في ظل عجزها عن الوصول للحكم وتدبير الشأن العام. من جانبه٬ تطرق الباحث والكاتب حسن أوريد لتأثير العوامل الجيواستراتيجية في تطور الأحزاب السياسية٬ مبرزا أن الديمقراطية تواجه اليوم امتحانا حتى في مهدها بالغرب وأن التعددية الحزبية في العالم العربي شكلت منذ بدايتها مجرد واجهة وأفرزت أحيانا الحزب الوحيد المتحكم دون أن تكون مرادفا للديمقراطية. وأضاف أن الربيع العربي دشن لعودة ما هو سياسي ووضع حد لهذه اللعبة٬ من خلال بروز السيادة السياسية للشعب باعتبارها جوهر وجود الديمقراطية٬ قائلا إنه "لا ديمقراطية دون ثقافة ديمقراطية يتقاسمها جميع الفاعلين السياسيين" و"لا وجود لأحزاب دون مرجعية إيديولوجية تتعلق برؤيتها للمجتمع ودور الدولة وتدبير الشأن العام". وأشار أوريد إلى أن الأحزاب مطالبة بالتجذر في المجتمع بدل حصر ظهورها في المحطات الانتخابية٬ إلى جانب التجديد المستمر لنخبها. أما الأستاذ الجامعي محمد حنين فقد استعرض الجوانب التي تعزز مكانة الأحزاب السياسية في الدستور الجديد٬ مشيرا إلى أهمية الرهانات المعلقة عليها لدمقرطة تدبير الشأن العام والتحديات التي تؤثر سلبا على أدائها سواء على مستوى الديمقراطية الداخلية٬ وبلقنة المشهد الحزبي٬ ومحدودية دورها في تأطير المواطنين٬ ومنافسة المجتمع المدني. واعتبر أن الأحزاب السياسية تواجه صعوبات في مواكبة المستجدات الدستورية٬ بدليل الانتخابات التشريعية الأخيرة التي كرست استمرارية نفس الممارسات لدى الأحزاب سواء في اختيار المرشحين أو الحملات الانتخابية أو في تدبير محطة تشكيل الحكومة الجديدة. وحول مصير العمل الحزبي وتحديات التحولات الراهنة٬ اعتبر الأستاذ أحمد بوجداد أن نتائج مشاركة الأحزاب في تجربة التناوب التوافقي كانت كارثية بالنسبة لها٬ حيث إنها لم تعد تقوم بدورها في التعبير عن مصالح الفئات التي تمثلها ونأت بنفسها عن اي شكل من أشكال الصراع وأصبحت تفضل المواكبة والمهادنة. وفي ظل هذا التراجع لما هو سياسي٬ هيمن التقنوقراط في بداية الألفية على السلطة وبرز فاعلون جدد في المجتمع المدني وأوساط الشباب٬ يضيف بوجداد الذي أشار إلى أن المجتمع عاقب الأحزاب بالنفور منها والعزوف عن الحياة السياسية وعدم الثقة. ويطرح اللقاء عدة إشكالات ومحاور حول كيفية إعادة الثقة للمواطن بالأحزاب والعمل السياسي في المغرب٬ والمرتكزات النظرية التي تسعف في رصد العلاقة بين الأحزاب والمجتمع المدني والدولة٬ ومكانة الديمقراطية داخل الأحزاب. كما يتناول المشاركون كيفية تجاوز الأحزاب لأزمة المشروعية وجعلها تساهم حقيقة في دعم المسلسل الديمقراطي٬ ومدى مساهمة الدستور الجديد في تقوية دور الأحزاب السياسية في دمقرطة المجتمع والدولة.