الرباط " مغارب كم" بوشعيب الضبار تقف بقامتها الرقيقة، ولباسها الأسود الطويل، فوق الخشبة، تمد أيديها نحو الأعلى، كأنها تريد أن تقطف ثمرة أو نجمة. لافرق. تنحنى، تتمدد،تتمرغ، "تلعب" بجسدها ،لتوظفه في مختلف التعبيرات بطريقتها الجريئة، التي لاتجاريها فيها أية ممثلة مغربية أخرى. تجثو على ركبتيها، تشدو، تشجو، تفرح، تحزن، تتأوه.ترثي لحالها:"أنا ضعيفة، أمي كانت تقول لي دائما أنت ضعيفة" ترفع عينيها الواسعتين نحو سقف المسرح. تحاور ذاتها. تتساءل "هل يستمر العزف؟". بينما نغمات البيانو وحدها تصدح في الفضاء، ككائنات مجنحة غير مرئية. لاتأبه للباسها، إذا أنزلق جزء منه.إنها في قمة الاندماج الفني حد الانصهار في الشخصية، لترسم صورة المرأة في مختلف تجلياتها، في علاقاتها مع المحيط العائلي والمجتمع. يتلون صوتها،يخفت أحيانا مستسلما، ثم سرعان ما يعلو محتجا بنبرات حادة. تشتاق لحضن الرجل، ثم تنفر منه، حين تكتشف غدره وخيانته لها، تفضحه بقايا عطر وشعر نسائي على كتفيه:" ابتعد عني لاتلمسني". غير أن أمها دائما لها بالمرصاد:" لاتهجري بيتك، الرجل هو كل شيء لايعاب أبدا.ليس في عائلتنا فتاة تعود إلى بيت أبيها. اصبري." لكنها تتمرد، بكل كبرياء، وترفض كل مظاهر الخنوع والانصياع. صديقتها الكاتبة، تقول لها دائما " أنت حرة، صوتك حر، جسدك حر، لونك حر.إنسانيتك حرة". بكل حماس، تعيد ترديد نفس الكلمات، التي تدعو إلى حرية الذات، كأنها أنشودة الحياة، وكنه الوجود، وسر الخلود. تفرح بحريتها، تطلق العنان لحنجرتها ولجسدها، لتغني وترقص على إيقاع " الكدرة" الصحراوية في توزيع موسيقي جديد.. تختفي وسط العتمة، ثم يلتمع الضوء من جديد، ليسلط أشعته على وجهها.. ينتهي العرض، وتلتهب الأكف بالتصفيق. هكذا ظهرت لطيفة أحرار، الممثلة المغربية المثيرة للجدل، في مسرحيتها الجديدة" العازفة"، وهي من تشخيصها وإخراجها، وتأليف الكاتبة السعودية ملحة عبد الله، وقدمتها ليلة أمس، في المسرح الوطني محمد الخامس بمدينة الرباط، في عرض، اتسم بنوع من الحميمية، وسط حضور، أغلبه من الشباب، ومن عشاق المسرح، والمثقفين والمهتمين. الجمهور أحاطها بدفئه، فقد جلس أمامها مباشرة فوق الخشبة، عوض القاعة، قريبا منها، لتكسير المألوف، وفقا لتصور فني جديد،أرادته هي بدون شك،كمخرجة، ماأعطى للعمل المسرحي الجديد نكهته الخاصة.لم يكن هناك أي حاجز أو مسافة بينها وبين المتلقي، ولذلك حصل التفاعل بين الطرفين. ثمة صمت كان يلف المكان أحيانا. وحده التعبير الجسدي كان يرتفع ويهبط،بمصاحبة الصوت مع تموجات البيانو، في تناغم تام. "إنها مسرحية راقية، تطرح قيم الحرية والجمال والكرامة والسلام والتسامح"، يهمس أحد المتفرجين في مسمع رفيقته، التي ترفع رأسها بإيماءة لتؤيد كلامه، قبل أن تنبري للرد، وهما يغادران باب المسرح:" أخشى أن يسيء البعض، كالعادة، فهم مضمونها، ويعتقد عن خطأ أن الدعوة إلى تحرير الجسد، تعني شيئا اخر، ليس هو المقصود بالذات،" في تلميح إلى مسرحية "كفر ناعوم" المقتبسة من ديوان "رصيف القيامة" للشاعر والإعلامي عدنان ياسين، وما خلفته من أصداء متباينة، على خلفية ظهور لطيفة أحرار، شبه عارية بلباس البحر، ماأثار زوبعة حولها، وصلت تداعياتها حد تهديدها بالقتل، عبر "الفايسبوك"...وهو أمر استنكره الجميع.