يطرح عبد الر حيم العطري، الباحث الاجتماعي المعروف، في الطبعة الثانية، الصادرة حديثا،من كتابه "تحولات المغرب القروي: أسئلة التنمية المؤجلة"، الكثير من القضايا الشائكة المرتبطة بالإشكاليات التي تعوق النمو بالبادية المغربية. ويشير الكتاب إلى أن سؤال التنمية القروية مغربيا يحمل أكثر من طريق، وأكثر من مقاربة، لكنه يجد ترجمته الواقعية دوما في الحلول الاقتصادية، التي ترمي إلى "تمدين القرية وترييف المدن"، بحيث يتم فهم التنمية القروية من طرف الفاعل السياسي وداعية التقنية على انها استنبات لأعمدة الكهرباء، وشق للطرق الثانوية، وحفر للأبار، وفي أفضل الأحوال،خلق لمناصب شغل مؤقتة في إطار الإنعاش الوطني، أو تخفيض في أثمنة البذور والحبوب لحظة الجفاف. والنتيجة، حسب الكتاب دائما، هي أن القرى المغربية التي صارت شبيهة بالمدن، لم يصلها التيار الكهربائي فقط، بل وصلها حتى صبيب الأنترنيت، ومع ذلك، فقد ظلت منتجة للهجرة نحو المدن، ومقبرة المتوسط، أو الضفة الأخرى في غير الحظوظ العاثرة،كما استمرت في احتلال مراتب مخجلة على مستوى مؤشرات التنمية البشرية. فما سر العطب القروي بالمغرب؟ الكتاب قدم له عالم الاجتماع المغربي الدكتور مصطفى محسن بكلمة أكد فيها أن "العالم أو الوسط أو المجال القروي"، حسب اختلاف هذه التسميات ومرجعياتها الموجهة، مازال يعاني، في مجتمعنا، من الكثير من مظاهر الإقصاء والتهميش وتعثر مشاريع التنمية والتطوير والإصلاح. بالرغم مما بذل من جهود كبيرة، منذ الاستقلال إلى الآن، في سبيل تحديث "المجتمع القروي"، وإنمائه اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، فإن ما انتهت إليه هذه الجهود لا يعدو أن يكون، في نظر البعض، سوى "تنمية معطوبة أو معاقة أو مشوهة"، لم تتمكن من أن تنفذ إلى صميم البنيات المادية والرمزية لهذا المجتمع القروي، فتحوله مفاعيلها وتأثيراتها الإيجابية صوب الانخراط المنتج في مسارات الديمقراطية و الحداثة والتنمية البشرية الشاملة المستديمة التي تروج لها خطابات ومشاريع هيئات وطنية ودولية مختلفة. ومما جاء في تقديم الدكتور مصطفى محسن، أيضا، أن كتاب السوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري، "مصنف يضم مجموعة دراسات ذات جوانب وأبعاد نظرية تحليلية و تطبيقية معا، عالج فيها الباحث/المؤلف، من منظور علم الاجتماع، بعض قضايا ومكونات "المجتمع القروي" وذلك مثل: الإشكالية العقارية والمخزن والجماعة والأعيان والعائلة والهجرة والمجتمع الواحي...مستنجدا في المقاربة والتفسير والتأويل وجمع البيانات الكمية والنوعية، بمرجعيات نظرية ومنهجية وبتقنيات وأدوات بحث متعددة. وبعد ان طرح الدكتور مصطفى محسن في تقديمه للكتاب،مجموعة من الاستنتاجات والخلاصات والأفكار، خلص إلى التساؤل، انطلاقا مما يستشف من مضامين كتاب الأستاذ عبد الرحيم العطري:" إلى أي حد استطاعت البحوث السوسيولوجية تخصيصا أن تنتج حول "تحولات المغرب القروي" معرفة علمية متسمة، ما أمكن، بالصدقية والموضوعية النسبية، وقادرة على رصد و فهم هذه التحولات، و أيضا صالحة للإفادة منها في توجيه وتدعيم مشاريع و برامج التنمية والتطوير والتغيير، في العالم القروي بالذات مما يسهم في أن يفك عن بعض مجالاته أطواق العزلة والإقصاء، ويقدره على امتلاك أهلية الانخراط فيما يطمح "المغرب الجديد" إلى بنائه من "مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي" مؤصل، مندمج في محيطه الوطني والقومي والإقليمي، ومتواصل مع سياقه الكوني الإنساني الشامل، ومع استحقاقاته ومستجداته العولمية الراهنة؟ لا يغطي كتاب العطري هذه القضايا و الإشكالات والمجالات الواسعة كلها، ولا يدعي ذلك، و لكنه يطمح، بكل تواضع علمي، إلى أن يجعل من مضامين عمله هذا نافذة معرفية مفتوحة يطل منها القارئ الباحث أو المهتم على بعض أهم مشكلات وأزمات و أوضاع العالم القروي، بله المجتمع المغربي بشكل أعم. وهنا تكمن، في تقديرنا، قيمة وراهنية و فائدة هذا الكتاب معرفيا واجتماعيا، الأمر الذي يجعل منه إثراء للبحث السوسيولوجي، بل وللمكتبة المغربية والعربية عامة. لذا فنحن نأمل أن يكون عامل تحفيز على إنجازات أخرى قيمة، ولا سيما من طرف طاقات شبابية باحثة، نرجو أن تكون واعدة بالكثير من العمل الجاد والعطاء النوعي والاجتهاد الصادق، كما هو شأن هذا المجهود السوسيولوجي المفيد".