عاد إدريس جطو، الوزير المغربي الأول السابق إلى واجهة الأضواء من جديد، وبدأ إسمه يتردد على أعمدة الجرائد في صفحاتها الأولى، كمرشح لتولي منصب وزارة الداخلية، باعتباره شخصية مستقلة لاإنتماء سياسي لها، وترى فيه بعض الأوساط هو الأنسب لهذا الموقع الحكومي الحساس. ومما يزيد في حظوظ جطو، حسب بعض المراقبين، كون فترات تدبيره للعديد من الوزارات، خلفت أصداء إيجابية لدى الفاعلين السياسيين والنقابيين، وشكلت في المحصلة انطباعا حميدا عنه كرجل دولة جدير بالاحترام. وحتى الآن، مازالت بعض المركزيات النقابية تستشهد بحسن تسييره للحوار الاجتماعي حول العديد من الملفات والقضايا الشائكة، منوهة بطريقته في الإنصات، واتساع صدره للنقاش، وتفهمه لمطالب الفئة الشغيلة بالمغرب. ولقد كان لافتا للانتباه،أن عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية،ورئيس الحكومة المعين، قام بزيارة إلى بيت جطو، مساء يوم الخميس فاتح دجنبر الجاري، ضمن لقاءاته مع عدد من الشخصيات السياسية الوطنية، وخصوصا منها تلك مارست الحكم، وتمرست به.وهي خطوة اعتبرها الكثيرون حبلى بالدلالات. عقب تلك الزيارة،أدلى جطو بتصريح قال فيه" أهنئ حزب العدالة والتنمية على هذا النجاح الباهر في انتخابات اعترف الجميع أنها كانت نزيهة، وبدون شك ستفرز مؤسسات قوية لرفع تحديات تواجه المغرب كالفقر والهشاشة والبطالة، وكل هذه التحديات لايُمكن مواجهتها إلا إذا كان لنا اقتصاد مزدهر". وعبر جطو عن اعتقاده بأن" رئاسة ابن كيران للحكومة سيكون لها وقع إيجابي لرفع هذه التحديات، وأملي أن تنخرط جميع الأحزاب السياسية لإنجاح هذه المرحلة التي يمر منها بلدنا العزيز،" وفق تعبيره. وفي ظل تواتر الأنباء حول احتمال إسناد حقيبة الداخلية لجطو، نشرت يومية " أخبار اليوم" في عددها الصادر يومه السبت، مقالا ب" مانشيت" رئيسي أعلى الصفحة الأولى:" الهمة في بيت جطو..زيارة مصالحة أم حقيبة وزارية في الحكومة الملتحية؟"، وصفت فيه زيارة فؤاد عالي الهمة، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس ، لبيت إدريس جطو، بأنها لم تكن متوقعة،" بعدما كان بينهما من فجوة وصلت إلى حدود لم يكن أحد يتوقعها ". وذكرت الجريدة،بأن بعض المصادر رجحت أن يكون الهمة عرض على جطو تولي وزارة الداخلية في حكومة بنكيران، بيد أن رجل الأعمال والوزير الأول المغربي السابق، نفى في اتصال مع نفس الجريدة، أن يكون قد تلقى أي عرض لتولي حقيبة وزارية. وقال جطو الذي سبق أن تولى مسؤولية وزارة الداخلية في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي، قبل أن يخلفه فيما بعد على رأس الوزارة الأولى:" لم يقترح علي أحد شيئا،وحتى إن زارني فؤاد عالي الهمة، فإن الأمر يمكن أن يكون شخصيا." وقالت مصادر قريبة من الأغلبية الحكومية، وفقا لنفس الصحيفة، إن ادريس جطو،تلقى عرضا مباشرا من عبد الإله بنكيران لتولي حقيبة الداخلية، نظرا لأن الإسلاميين يثقون فيه،وكانت تربطه بهم دائما علاقة طيبة، عندما كان في الوزارة ، وعندما تولى حقيبة الداخلية،لكن جطو تحفظ على هذا العرض وتعلل بسنه ورغبته في الابتعاد عن السياسة. من جهة أخرى، استنتجت الجريدة في ختام مقالها، أن المصادر ذاتها لم تستبعد أن يتولى جطو حقيبة الداخلية إذا عرضت عليه من قبل القصر، " ويمكن أن توضع زيارة الهمة في هذا الإطار." يذكر أن ادريس جطو قدم إلى عالم السياسة من إدارة مقاولة في صنع الأحذية، استطاع أن يوفر لها أرضية النجاح، لتنطلق بعيدا نحو مجالات أرحب وأوسع، ويقال إن ذلك كان مبعث اهتمام العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني بالرجل، وبضمه للجهاز التنفيذي كمسؤول تقلد في عدة مناصب وزارية وإدارية، نظرا لما يتصف به من قدرات في التدبير والتسيير. وثمة رواية أخرى تقول إن أول لقاء بين الملك الحسن الثاني وجطو كان حول اختيار أحسن الأحذية لعاهل البلاد، الذي كان حريصا على مظهره وأناقته، وسواء في وزارة التجارة والصناعة أو وزارة الداخلية، ظل الرجل، المولود سنة 1945 بمدينة الجديدة، محافظا على التوازن،دون الانزلاق في بعض المتاهات،متحاشيا قدر الإمكان الدخول في معارك جانبية، بل كان يمسك جيدا بملفاته، وخصوصا منها ذات الطبيعة الاقتصادية او التجارية. وكان أكبر محك لقدرة الرجل على مدى تحمله لمسؤوليته كاملة بكل جدارة هو إجراء أول انتخابات في عهد الملك محمد السادس، وهي الاستحقاقات التي كانت محطة مفصلية في تاريخ المغرب السياسي، من حيث اتصافها بالنزاهة، رغم تراجع نسبة المشاركة الشعبية فيها. بعدها تولى جطو الوزارة الأولى، خلفا لعبد الرحمان اليوسفي، وهو ماكان محط انتقاد بعض الفاعلين السياسيين، وخاصة منهم، الذين ينتمون للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذين رأوا في العملية خروجا على " المنهجية الديمقراطية". ورغم بعض التباينات في الرؤى مما أسفر عن بعض الصراعات الخفية داخل بعض مكونات الحكومة، فإن جطو استطاع إدخال بعض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، والسير بالسفينة إلى شاطيء الأمان،إلى حين إجراء انتخابات سنة 2007 التشريعية، التي جاءت بعباس الفاسي ، كوزير أول ، في احترام تام هذه المرة ل" المنهجية الديمقراطية". ومنذ ذلك التاريخ، انصرف الرجل لإدارة أعماله ومشاريعه التجارية والاقتصادية، وظل سجله خاليا من الشوائب، إلى أن حدث ماعكر صفوه، وقلب الدنيا من حوله، بعد تفجر قضية ملتبسة تتطايرت شظاياها حوله، وتتعلق بتحويل مسار طريق سيار جنوب غربي الدارالبيضاء لفائدة إدخال عقار إلى المدار الضري، وتناولت ألصحافة أصداءها، فيما رأى البعض أن هناك ربما " جهات سياسية" كانت تريد النيل من جطو، الذي أكد في كل التصريحات المنسوبة إليه، إن موقفه سليم. فهل يعود الرجل إلى الحكومة، كما ترجح ذلك بعض المصادر، أم أنه يفضل الاستمرار في إدارة مشاريعه التجارية، بعيدا عن شؤون السياسة وشجونها وصراعاتها وتقلباتها المزاجية مثل أحوال الطقس؟ سؤال من الصعب التكهن بجوابه حاليا، لكن الأيام القريبة وحدها الكفيلة بالحسم فيه.