يتساءل الرأي العام في المغرب عن موعد الاستفتاء على الدستور الجديد، في ظل أخبار متواترة تتحدث عن إجرائه في اليوم الأول من الشهر المقبل المصادف ليوم الجمعة. وإذا صح هذا الافتراض، فذاك يعني أن المسودة التي سلمها عبد اللطيف المنوني رئيس لجنة صياغة الدستور، إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس هي نهائية، بمعنى أن عرضها على الأحزاب السياسية للتداول بشأنها، لن يأخذ وقتا طويلا لفسح المجال أمام الحملة التي تسبق التصويت على الدستور، كما يعني نفس الاحتمال أن بنود الدستور هي محل شبه إجماع وتوافق شبه تام بين الفاعلين السياسيين والفرقاء الاجتماعيين، وذلك ما ظهر جليا من خلال الخطوط العامة للدستور التي أطلع عليها المنوني زعماء الأحزاب السياسية التي طلبت من جهتها العودة إلى قواعدها وأجهزتها المقررة. وبرأي محللين فأن الدستور المقبل رغم استجابته لسقف أعلى من المطالب التي رفعتها مختلف القوى السياسية والنقابية وهيئات المجتمع المدني، فإنه من الطبيعي أن يثير نقاشا مكملا، يعمق أو يدقق ما جرى ضمن لجنة التشاور السياسي التي رأسها مستشار الملك محمد المعتصم الذي كلفه العاهل المغربي، بعد تسلم المسودة، عقد اجتماع في أقرب الآجال للجنة المذكورة، ما يشير بوضوح إلى أن لجنة الصياغة قد أنهت عملها الأساسي، فنال أعضاؤها الشكر والإشادة من طرف عاهل البلاد. وفي حالة عرض الدستور على ساحة النقاش العام، حتى ولو كان شكليا ، فسيأخذ وقتا قد يطول أو يقصر لكنه سيزاحم لا محالة الموعد المقترح للاستفتاء أي في فاتح يوليو. فهل تكفي المدة الكافية لاستكمال المشاورات من جهة وتوزيع بطاقات التصويت على من يحق لهم الاقتراع على الدستور؟ خاصة إذا استحضرنا أن دعوة المصوتين الجدد للتسجيل في اللوائح الانتخابية لم تكن نتائجها مرضية للسلطات وللأحزاب على السواء، ما يوحي بإمكانية اللجوء إلى اعتماد بطاقة التعريف الوطنية في عملية التصويت بدل شرط التسجيل في اللوائح، وهو مطلب عبرت عنه بوضوح وفي استحقاقات سابقة بعض الأحزاب من أجل ضمان مشاركة أعلى نسبة من المقترعين على الدستور، قبولا أو رفضا.وهذه الآلية لجأت إليها السلطات المصرية أثناء المصادقة على التعديلات الدستورية. وعلى صعيد آخر، تقول مصادر إن بوارد خلاف ظهرت وسط الطبقة الحزبية بخصوص الإجراءات المصاحبة لإقرار الدستور وما سيتبع ذلك من تغيير الحكومة وحل البرلمان. وتتعلق الإجراءات بعدة أمور في مقدمتها تطهير جهاز الإدارة الترابية ممن تعتبرهم بعض الأحزاب السياسية، استمرارا وبقايا للعهود السابقة التي تناهض في العمق الشفافية السياسية، اعتقادا منها أن الإصلاح يهدد مصالحها ونفوذها. وفي هذا السياق، كان حزب الاتحاد الاشتراكي، واضحا في مواقفه المصاغة المضمنة في آخر بيان صادر عن مكتبه السياسي، فقد ألح على ضرورة القيام بإصلاح سياسي مواز، يشمل البنية الإدارية للدولة الممثلة في وزارة الداخلية. وعلى الرغم من أن الحزب اليساري، لم يحدد مطالبه، فمن الواضح أنه يدعو إلى إجراء تغييرات شاملة في سلك الولاة والعمال والمناصب المؤثرة في مسار العملية الديمقراطية. وهذا إجراء لو تم القبول به فإن تنفيذه يتطلب وقتا وتفكيرا، وبحثا عن العناصر المناسبة من حيث الكفاءة والنزاهة المصداقية لتولي المناصب المذكورة. إلى ذلك، أثارت بنود الدستور المنشورة في الصحف، بعض المخاوف لدى شرائح من الرأي العام وحتى بين الأحزاب السياسية ذات المنحى الديني أو المحافظ التي تعتقد،عن خطأ أو صواب، أن القانون الأسمى الذي سيحكم المغاربة في المستقبل، يتضمن جرعة زائدة من الحداثة العلمانية لا تناسب الظرف الانتقالي الصعب، ما من شأنه التأثير سلبا على وحدة النسيج الوطني والاجتماعي وحتى الترابي للمغرب. ويستدلون في هذا الصدد بالتسرع في التنصيص على دسترة الأمازيغية وإحلالها نفس مكانة اللغة العربية ، ما يعتبرونه "تبخيسا" للمكون الأساسي الضامن لوحدة الأمة الذي هو الإسلام ولغة القرآن. هذا فضلا عن المشاكل الكثيرة التي يمكن أن تترتب عن دمج الأمازيغية في المنظومة الإدارية والقضائية والتعليمية وكذا الاقتصادية ، فقد يطالب الغلاة من "الأمازيغ" بالمساواة بين اللغة الجديدة وتلك التي يتعامل بها المغاربة منذ قرون وقرون. صحيح أن الدستور الجديد، يشير إلى التدرج في ترسيم الأمازيغية عن طريق سن تشريعات تراعي الوضع الانتقالي في البلاد لكن لا يوجد من يستطيع لجم بعض الناشطين وإقناعهم بالتريث. ويرى المتحفظون على توقيت دسترة الأمازيغية، أن المدافعين عنها بمنطق إيديولوجي واعتبارات تكاد تكون عرقية في بعض المواقف، سيرفعون بمجرد اعتماد الدستور شعارات "تمزيغ" الإدارة، ما قد يدخل البلاد في جدل ومشاكل لا حصر لها هي في غنى عنها في الطور الانتقالي. وتوجد آراء تخفف من "سوداوية" هذا الاحتمال، وتشير إلى دور التحكيم الذي سيحتفظ به في الدستور الجديد، الملك محمد السادس، ما يمكنه من التدخل لفض الخلافات الكبرى والبحث عن الحلول المنطقية المنسجمة مع المصالح للعليا للبلاد. ويضيف المعولون على هذا الرأي أن صفة "أمير المؤمنين" تجعل من الملك الرمز الضامن الأسمى لوحدة العقيدة، واللغة العربية مفتاحها ووسيلة اعتناقها، لكنهم في ذات الوقت يتخفون من المزايدات السياسية المحتملة في ظل أجواء تتسم بضعف الوعي والتسيب في ممارسة حرية التعبير بدون ضوابط ولا قيود. وفي جميع الأحوال، فإن التحديات كبيرة، وهي فرصة لاختبار نضج المغاربة شعبا وخبا سياسية وفكرية.