لم تظهر الصور التي بثها التلفزيون من الذي استقبل الآخر: هل رئيس المجلس الدستوري مراد مدلسي هو من حظي باستقبال من قبل رئيس الجمهورية في سياق الاستقبالات التي دأب عليها منذ عودته من فال دوغراس؟ أم أن الاستقبال الذي كان يخص تطبيق إجراء قانوني يخص إيداع ملفات الترشح للمرشحين للرئاسيات، لم يتمكن مدلسي من فرض مطابقة إجراءاته سواسية مع بقية المترشحين الآخرين لموعد 17 أفريل. لم يعلن المجلس الدستوري في موقعه على شبكة الإنترنت، مثلما فعله مع بقية المرشحين، عن أي موعد مسبق للرئيس المترشح لإيداع ملفه الانتخابي، رغم أن المجلس الدستوري يضع في صفحته الأولى على موقعه الإلكتروني كشعار له المادة 29 من الدستور التي تنص على أن "كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي، أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي". فلماذا لم يعلن المجلس الدستوري إذن مثلما فعل مع بقية المرشحين عن موعد بوتفليقة لإيداع ملف ترشحه؟ ولماذا تعامل مع ملف ترشح بوتفليقة للرئاسيات كسر من أسرار الدولة لا يحق الكشف عنه أو باعتباره مرشحا فوق العادة؟ من جانب آخر، يكون المواطن بفعل التغييرات التي أدخلها المجلس الدستوري قد وجد صعوبة في فهم الصور التي بثها التلفزيون، لأن الأمر كان أقرب الى نشاط بروتوكولي للرئيس وهو يستقبل رئيس المجلس الدستوري أكثر منه إجراء قانونيا يخص إيداع ملف مترشح للرئاسيات. لقد تم تغيير الديكور الذي اعتمد مع بقية المترشحين من أمثال تواتي، حنون، بلعيد وغيرهم، بمناسبة زيارة الرئيس المترشح للمجلس الدستوري، وفي ذلك مؤشر على عدم قدرة المؤسسات الدستورية التزام "الحيادية" في تعاملها مع المرشحين، على غرار ما فعله رئيس المجلس الشعبي الوطني الذي دعا صراحة للتصويت على بوتفليقة، وإيحاء ضمني للرأي العام بأن هناك "المرشح" وهناك بقايا مرشحين. وقد اضطر كل المرشحين لاقتسام أريكة واحدة مع رئيس المجلس الدستوري وهو يستلم ملف ترشحهم، في حين جلس الرئيس المترشح في كرسي لوحده ويفصل بينه وبين رئيس المجلس الدستوري طاولة عريضة، وهو ديكور معتمد في الاستقبالات الرسمية للدولة، رغم أن مجرد ترشح الرئيس من المفروض أنها ترفع الحرج عن مدلسي أو غيره لأن عهدته الرئاسية انتهت قانونا. وإذا كان هذا التغيير في الديكور امتثالا للوضع الصحي للرئيس، فكان الأجدى بهيئة مدلسي أن تسجله بعين الاعتبار في مداولات دراسة الملفات! من جانب الرئيس المترشح، لم يصدر أي بيان أو تصريح على غرار ما جرى مع بقية المترشحين، ولم يسمح لوسائل الإعلام بالاقتراب من الرئيس، وأغلق كل المنافذ عن إمكانية مساءلته، عكس ما جرى مع المرشحين الذين سبقوه لإيداع ملفاتهم لدى هيئة مراد مدلسي، وهي سرية تخفى بشكل أو بآخر وضعيته الصحية التي ظلت محل استفهام كبير حول قانونية ترشحه لعهدة رابعة. في المقابل وفيما ينص قانون الانتخابات على تقديم "إما 60 ألف توقيع للمواطنين، وإما 600 توقيع للمنتخبين"، فإن موظفي هيئة مراد مدلسي المطالبة بتطبيق القانون دون زيادة أو نقصان، اضطروا لتحميل أطنان من استمارات بلغت حسب وكالة الأنباء الجزائرية 4 ملايين توقيع لمواطنين من 48 ولاية، زيادة على آلاف توقيعات للمنتخبين، رغم أن القانون حددها في 60 ألف توقيع للمواطنين و600 للمنتخبين فقط، وفي ذلك دعاية غير قانونية وخروج على نص قانون الانتخابات، مارسها كل المرشحين الذين أودعوا ملف ترشحهم دون استثناء، وكان يفترض أن يقوم المجلس الدستوري بتصحيح هذا الوضع لأن من مهامه السهر على مراقبة تنفيذ القوانين دون زيادة أو نقصان.