تعرض الشاشات الفرنسية الفيلم الجديد عن حياة نلسون مانديلا «مانديلا: مسار طويل نحو الحرية» لجوستين شادويك (Justin Chadwick)، الذي يقدّمه على أنه نقل سينمائي لسيرة مانديلا الذاتية التي تحمل الاسم نفسه. إن كان الفيلم استفاد إلى حد كبير من حدث موت بطله أثناء عرضه، فهو بعيد عن أن يكون حدثاً أصيلاً على الصعيد السينمائي، ذلك أنه لا يحمل جديداً نسبةً إلى العدد الهائل من الأفلام التي سبق أن عالجت الموضوع نفسه. لو أخذنا الأفلام الأميركية التي أُخرجت عن مانديلا في حياته، نجد أن عددها يناهز ال16، في حين كان على الشخصيات النضالية التاريخية التي سبقته من أمثال غاندي أو مارتن لوثر كينغ أن تنتظر موتها لتنال شرفاً كهذا. من شأن ذلك أن يضعنا أمام إحدى أهم مفارقات عصر الصورة وثورة الاتصالات: الحدث التاريخي اليوم صار يُصنع ويُكتب ويُؤرَّخ في حاضره الراهن وليس في مستقبله أو بعد أن يصبح من الماضي. بمعنى آخر، مؤرخو المستقبل لن يجدوا الكثير ليضيفوه على ما سبق أن كُتب وقيل عن مانديلا في حياته، وقد يجدون أنفسهم في الوضع ذاته حيال حاضرنا بكليته. إذا كان المرء ينتظر من الفيلم، نظراً إلى اعتماده على السيرة الذاتية، أن يركِّز على شخصية مانديلا ويعالجها بتعقيداتها وتفاصيلها الحميمية، فأمله سيخيب دون شك. في الواقع، الفيلم يركِّز بالفعل على شخصية مانديلا ويبالغ بذلك حتى على حساب «الباغراوند» السياسي والاجتماعي، لكنه يركز على مانديلا الملحمي والفولكلوري وليس على مانديلا الشخصي. الموضع الوحيد الذي يظهر فيه هذا الأخير هو في مقطع قصير يتناول إهماله لزوجته الأولى وخياناته لها (الهالة الملحمية لا تفارقه في باقي الفيلم، حتى في علاقته الدرامية مع زوجته الثانية). في المرحلة الممتدة من ولادة مانديلا حتى القبض عليه، معالجة الشخصية تبدو خارجية للغاية ويأخذ العرض شكل لقطات «فلاش باك» خاطفة أو استعادة وثائقية. عدد من المشاهد يعطي حتى الانطباع الفج بأنه يخرج من كتاب. بعد ذلك يتباطأ الإيقاع ويتكاثف، لكن دون أن تتغير المقاربة في العمق. باختصار، المُشاهد لا يتمكن من الدخول إلى رأس مانديلا، هو يبقى شخصية ملحمية خارج المتناول وعصية على محصلة التماهي الذي غالباً ما ينعقد بين القارئ أو المشاهد وبطل السيرة الذاتية. من جهة أخرى، الأمر لا يتعلق بفيلم وثائقي. إن كان الفيلم يعتمد بالفعل على السيرة الذاتية لمانديلا، فهو انتقائي للغاية والدقة ليست من أولوياته (كما لاحظ نقاد عديدون، بمقارنة الفيلم مع نص السيرة، يقع المرء على عدد لا يستهان به من الأخطاء والهفوات). هو يبالغ كذلك بتبسيط وتسطيح المستوى السياسي. من جهة، هو يحيل المؤتمر الوطني الأفريقي بكل أعضائه إلى كومبارس في سيرتَي مانديلا وزوجته ويني النضالية، ويختصر كل الخلاف الداخلي الذي ظهر لاحقاً بين جيل مانديلا والجيل الثوري اللاحق بالخلاف بين مانديلا وزوجته؛ من جهة أخرى، هو يغفل بالكامل الحبكة السياسية للصراع. في «الباغراوند»، نفهم فقط أنه صراع بين أكثرية سوداء وأقلية بيضاء تدير نظام تمييز عنصري، ولا يتم حتى التطرق إلى تاريخ الصراع وجذوره وأبعاده الخارجية، أو إلى تحالفات نظام الأبرتهايد مع المعسكر الغربي في إطار الحرب الباردة. لكن، لو وضعنا جانباً معالجته السطحية لموضوعه وحكمنا على الفيلم من خلال قيمته السينمائية حصراً، نجد أنه ممتع فعلاً ويستوفي كل المعايير التقنية والتجارية لفيلم ملحمي ناجح. في الواقع، تلك هي سمته الأساسية، هو فيلم ملحمي هوليودي الطابع يغلب فيه المعيار التجاري والترويجي على أي اعتبار آخر.