هل حدث أن صعد إلى وسيلة النقل الجماعية التي تركبها أحد السلفيين فانفضّت عنه الجموع وشكّت في أمره خصوصا اذا كان يحمل حقيبة ما ؟ وهل صادف ان طرقت سمعك دعوة معلنة أو خفيّة إلى مقاطعة السلفيين وتجنّب الاحتكاك بهم ؟ أ كنت شاهدا على حديث شك في أمر متنقبة ما وما تخفيه تحت ثوبها الفضفاض والقاتم؟ بلى إنّ كل علامات هذا الحذر والتوّجس والتخوّف باتت موجودة ومشهودة في حياتنا اليومية وفي فضاءاتنا العامّة خصوصا بعد مغادرة غول الإرهاب مغاور الجبال وتسلّله إلى المدن ...و هذا ما وقفت عليه «التونسية» أمس في جولة بشوارع العاصمة وفي رصد لآراء الشارع التونسي حول «فوبيا» اللحية والنقاب. كانت شوارع العاصمة تعّج بالحيوية وحركة الناس نشيطة ذهابا وإيابا تقريبا ككلّ الأيام والفصول لولا بعض علامات الريبة والحذر التي علت ملامح بعض الوجوه خصوصا عند امتطاء وسائل النقل العمومية أو ولوج الفضاءات التجارية الكبرى ... حالة استنفار قصوى في مدخل أحد الفضاءات التجارية الكبرى بمنطقة «لافيات» وسط العاصمة ,كانت عمليات المراقبة صارمة وتدّخلات الحراسة مشددّة ...فلابد ّ أن يخضع الداخلون إلى هذا الفضاء إلى نوع من التفيتش من قبل أعوان الحراسة المرابطين بالمكان سواء عن طريق تمرير جهاز المراقبة أو عن طريق إلقاء نظرة على محتويات أكياس وحقائب الحرفاء. هناك التقت «التونسية» بعون الحراسة «محمد» الذي أكدّ صرامة عمليات المراقبة التي لا تستثني أحدا ولا تسمح بأي تجاوز أو اختراق وأضاف قائلا:« حفاظا على سلامة العباد يجب أن يمرّ الكل ّ على المراقبة دون أي اعتبار كان سواء على أساس الجنس أو السن أو المظهر الخارجي ...و نحن لا نميّز في عملنا ما بين الملتحي والحليق والمتنقبّة والسافرة ...فكم من عمليات إرهابية ارتكبتها عناصر غير ملتحية». و بخصوص سياسات التعاون وأجندا التنسيق ما بين أعوان الحراسة وقوات الأمن أفاد محمد أن التوصيات الأمنية تتلخص في:« حلوّا عينيكم وردوا بالكم مليح من كل شيء» . و كشف أن أعوان الأمن بدورهم لا يُستثنون من المراقبة مصرّحا :«بالأمس منعنا أمنيّا من الدخول قبل أن نلقي نظرة على حقيبة كان يحملها رغم أنه كان مرتديا زيّه المهني المُوّشى بالنجوم ,فالتعليمات تطبّق على الجميع». وفي لفت للنظر عبّر محمد عن استغرابه من محتويات حقائب بعض الحرفاء التي تدعو للشك والريبة , قائلا :«في خضّم الحذر من الإرهاب صرنا نقتفي أثر الأسلحة والقنابل والمتفجرّات ...و نسينا المواد المخدّر ة والأموال المزيفة التي استرعى انتباهي وجودها عند عديد الحرفاء ويجب عدم إغفال مثل هذه الآفات في خضّم التركيز على القضاء على أخطبوط الإرهاب». هذا ما جناه علينا الإرهاب ! « حلّ وورّيني شنّوا ثمة في صاكك» طلب فاجأ الكثير من النساء وأربكهنّ , وعون حراسة أحد الفضاءات التّجارية تطلب منهنّ أن يفتحن حقائبهن لتفتّشها ! فكثيرا ما تعتبر المرأة حقيبة يدها عالمها الشخصي والخصوصي وكلّ نظرة تطفّل عليها هي نوع من الاعتداء على حرمتها...و لذلك غالبا ما تترّدد النسوة في الاستجابة لطلب عون الحراسة أو تدخلن معها في مناوشات وأخذ وردّ ...و يحدث أن تفضّل إحداهن المغادرة دون قضاء حاجتها على الاضطرار إلى فتح حقيبتها للتفتيش .و في هذا السياق عبّرت سماح الدارسي(عون حراسة) عن مشقّة عملها وحساسيته هاتفة في حنق :«و ما ذنبي أنا لأواجه التوبيخ وردود الفعل المحرجة؟ ...علاوة على الوقوف لساعات طويلة وإبقاء عيوني دوما في حالة استنفار قصوى خوفا من المتسللّين ...»وبعد صمت أطلقت زفرة عميقة وقالت :« هذا ما جناه علينا الإرهاب !» «التهويل يزيد من الإرهاب, والتجاهل يحدّ من خطره»...كانت هذه «وصفة » السيد فوزي (مدير تجاري ) لكسب الحرب على الإرهاب معتبرا أن الإرهابيين يلعبون على العامل النفسي للمواطنين قصد إرهابهم وإخافتهم وجعلهم يقبعون في بيوتهم ...داعيا إلى الإقبال على العمل والحياة دون الاستسلام إلى الأوهام والمخاوف المبالغ فيها ». فوبيا الإسلام صنعها المتمّسكون بالمظهر في مقاربته لمدى قبول المجتمع التونسي بالتعايش مع الملتحين والمتنّقبات ومجاورتهم في الفضاءات العامة ووسائل النقل الجماعية ,خصوصا أمام تضاعف معدّل الحذر من الاحتكاك بهذه الفئات في الأيام الأخيرة ونزول الإرهاب من الجبل نحو المدن ...أفاد عز الدين النهدي (مختص تربوي)أن«للمظهر الإسلامي أدبياته ورسول الله كان يعفو اللّحية ولكنّه كان لا يهمل مظهره ولا تفارقه قارورة العطر ...فالمظهر الخارجي ولو اتبّع خطى الإسلام لا يجب أن يسيء للمظهر العام خصوصا وأن المقصد الإسلامي يجيز التغيير في الفقه الإسلامي حسب تطورات العصر وتغيّرات المجتمعات». و في تحليله لدواعي بروز ما سمّي بفوبيا الإسلام أو فوبيا اللحية والنقاب قال الأستاذ النهدي :«فوبيا الإسلام خلقها قطبان أساسيان ,و هما قطب المتمّسكين بالمظاهر «الاسلامية»من أقصى اليمين وقطب الكارهين لهذه المظاهر من أقصى اليسار .فالصنف الأول أجرم في حق جمالية المظهر الإنساني وآداب السنة والنوع الثاني أخلّ بأصالة الذوق التونسي التي لا تناقض خصوصيات الدين الإسلامي». احتقار السلفيين ...يوّلد التطرف كثيرا ما تلاحق النظرات والهمسات واللمزات الملتحين والمتنّقبات وهناك من ينبذ التعامل والتواصل معهم ... ولكن مثل هذه السلوكات تعمّق المشكل بدل معالجته حسب الناصر الطرايدي (باحث في علم الاجتماع) الذي قال محذّرّا:«من الطبيعي أن نجد هذا الاحتراز والتوّجس من أصحاب اللّحي واللباس الشرعي خصوصا وقد ارتبط ذكرهم بأخبار الأعمال الإرهابية في وسائل الإعلام ,و لكن من الخطأ إطلاق الأحكام جزافا على الأشخاص وفق«ايتيكات» جاهزة ومسبقة . وأدعو السياسيين وموّجهي الرأي العام إلى الاستماع إلى هؤلاء وعدم معاملتهم على أساس أنهم جهلة ,فشئنا أم أبينا هم يحملون فكرا معينّا وعلينا مقارعتهم بالحجة لا إقصاءهم وإبعادهم من الحياة العامة .فالاحتقار والعزل والاستنكاف عن محادثتهم والاختلاط بهم يوّلد لديهم الحقد والرغبة في الانتقام والممارسة المتطرّفة». متنقبّة وملتح يدعوان إلى الحذر من اللحيةّ والنقاب! قد تلاحق الاتهامات المتنقبّات في ذهابهن وإيّابهن ,و تحاصرهن السخرية من مظهرهن ولباسهن ,فيصفهن البعض ب«الخيمة المتنّقلة» في حين يشابه البعض الآخر ما بينهم وبين الكيس الأسود... وعن كل هذا تحدّثت المتنقبة (أم أحمد) قائلة :« إن اخترت إرتداء اللباس الشرعي فكوني مستعدّة لسهام النقد والتجريح والتهّكم...و أذكر أن بعضهم في عربة المترو طلب التثبّت من جنسي بدعوى ارتدائي لحذاء رياضي يبدو رجاليا ...ولكنّي أريد التنبيه إلى ضرورة التمييز بين التائبات إلى الله المنقطعات إلى عبادته وبين المنحرفات المتستّرات بالنقاب لممارسة البغاء والسرقة والجريمة ...». خرج «أبو خليل»مغادرا جامع الفتح بعد أن أنهى واجبه تجاه خالقه , فتحيّنا الفرصة لسؤاله عن علاقة اللحية بالإسلام وقد بدا مطلقا للحية خفيفة, مهذبة ولطيفة المنظر ,فقال في أسف شديد : «و الله ندموني على اللحية ونفكر باش انّحيها من كثر ما نسمع من غرايب على امّالي اللّحي ! ...» وأضاف : «الإسلام ليس لحية ولا نقاب ,الإسلام مرتبط بالإيمان والإيمان إحسان...ورسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول « ليس الإيمان بالتمّني ولا بالتّحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل» .و النفوس السليمة صادقة الإيمان لا تقدم أبدا على قتل النفس البشرية والله هو من أحياها .و الإسلام بعيد كل البعد عن الإرهاب ويناقضه قولا وفعلا ,وعلى كل مسلم أن يحرص على الظهور في الفضاء العام في مظهر يوحي بالخير والرصانة والطمأنينة ..و لكن للأسف هناك من يبالغون في إعفاء اللحية وفي سربلة أجسادهم باللبّاس الأفغاني وإرسال نظرات مقيتة وإتيان حركات عدوانية ...حتى يخافهم الناس ويتجنبّون الاحتكاك بعهم ...و هم معذورون في ذلك. ولتنقية الدين الإسلامي من عديد التهم والادعاءات التي ألصقها به أدعياء الإسلام ظلما وبهتانا ولتبرئته من جرائم الإرهاب لابدّ أن يصدح صوت العلماء في تونس بالحق وأن يوّضحوا مفهوم الإسلام ومقاصده ومناهجه الحقيقية والسوية وأيضا لابد ّ للإعلام أن يحسس بالغايات الخفية للإرهاب التي ليست من الإسلام في شيء , والإرهاب حرام ...حرام ...حرام !