وجه علي العريض رئيس الحكومة التونسية أمس الجمعة رسالة إلى حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) رسالة تعهد فيها باستقالة حكومته وفق خارطة الطريق التي طرحتها المنظمات الراعية للحوار ووقعت عليها أغلبية الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ومهدت الوثيقة التي قدمها العريض الطريق أمام انطلاق الحوار الوطني بين المعارضة والحكومة مساء أمس. وكان العريض قد أجل تعهدا بالاستقالة كان منتظرا ليوم 23 أكتوبر الجاري، وكتب أمس نص التعهد وتضمنت الرسالة أن الحكومة «تتعهد بالاستقالة في غضون ثلاثة أسابيع وفق ما تقضيه خارطة الطريق للحوار الوطني». وعبر العريض للرباعي الراعي للحوار الذي تقوده نقابة العمال (الاتحاد العام التونسي للشغل) عن ثقته في الدور الذي قاموا به بعيدا عن التجاذبات السياسية وهي الثقة التي يبدو أنها شجعت العريض على تقديم تلك الوثيقة. وتشترط خارطة الطريق الانتهاء من الحوار السياسي وإنهاء كافة المهام التأسيسية (الدستور وهيئة الانتخابات والقانون الانتخابي وتحديد تاريخ الانتخابات المقبلة) في حدود شهر واحد أي بحلول يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتفتح هذه الرسالة الأبواب أمام بداية التشاور حول الحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة العريض وحول الشخصية الوطنية المستقلة التي ستقود حكومة الكفاءات التي سيكون دورها منحصرا في تهيئة البلاد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. وتنص خارطة الطريق التي طرحتها المنظمات الراعية للحوار (نقابة العمال، واتحاد الأعراف، وعمادة المحامين ورابطة حقوق الإنسان) على تعهد رئيس الحكومة بالاستقالة في أول جلسة للحوار على أن تدخل هذه الاستقالة حيز التنفيذ بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق الحوار. وعلى عودة النواب بمجرد انطلاق الحوار الوطني وتعهد الحكومة بالاستقالة. كما تنص الخارطة على وجوب استكمال عملية المصادقة على الدستور في ظرف أربعة أسابيع من انطلاق الحوار، وكذلك اتفاق الأطراف المشاركة في الأسبوع الأول من الحوار على شخصية وطنية مستقلة لترؤس حكومة كفاءات مستقلة ليتولى القيام بمشاورات على امتداد أسبوعين لاختيار الشخصيات التي ستتقلد مناصب في هذه الحكومة الجديدة. وقد عبرت جبهة الإنقاذ المعارضة عن قبولها بالصيغة التي جاءت عليها هذه الوثيقة. وكان من المفروض أن ينطلق الحوار الوطني بعد ظهر أول من أمس الأربعاء، وجرى تأجيله إلى يوم أمس الجمعة بسبب عدم قبول جبهة الإنقاذ المعارضة بالصيغة الأولى التي عبر عنها رئيس الحكومة عن قبوله بتطبيق خارطة طريق الرباعي الراعي للحوار خلال الكلمة التي أدلى بها لوسائل الإعلام مساء الأربعاء، حيث لم يتحدث عن «استقالة» واستعمل كلمة «تخلي» وهو ما اعتبرته المعارضة «غموضا». من جهتهم تعهد النواب المنسحبون من المجلس الوطني التأسيسي في وثيقة وجهوها إلى الرباعي الراعي للحوار أمس بالعودة إلى رحاب المجلس بعد انطلاق الحوار الوطني، وتعهد الحكومة بالاستقالة. وهو ما طالبت به حركة النهضة وحلفاؤها في الحكم والأحزاب القريبة منها المشاركة في الحوار الوطني. علما أن نحو 50 نائبا يمثلون الأحزاب المكونة لجبهة الإنقاذ وأحزاب أخرى معارضة وعددا من النواب المستقلين انسحبوا من المجلس التأسيسي بعد اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والقيادي في التيار الشعبي (حزب قومي عربي) في 25 يوليو (تموز) الماضي. وعبرت قيادات المعارضة عما يشبه الانتصار على الحكومة التي تقودها حركة النهضة منذ الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011، وقالت في تصريحاتها إنها «تتضمن استقالة صريحة وفق الآجال المتفق عليها والواردة بخارطة الطريق». وفي هذا الشأن قال المنجي اللوز القيادي في الحزب الجمهوري ل«الشرق الأوسط» إن وثيقة العريض كفيلة بعودة جبهة الإنقاذ المعارضة إلى جلسات الحوار بعد أن علقت مشاركتها قبل يوم. وفي المقابل شككت بعض الأطراف السياسية في إمكانية العبور إلى شاطئ الأمان وحل الأزمة المتنامية بين السياسيين، لتعدد الألغام في طريق الحوار السياسي. وقالت إن معوقات كثيرة تعترض طريق الحوار بين الحكومة والمعارضة من بينها تشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتصديق على الدستور وكذلك القانون الانتخابي. كما أن الخلاف السياسي قد يطال الشخصية التي ستقود الحكومة الجديدة إذ تشترط حركة النهضة أن لا تكون معادية للتيارات الإسلامية. من جهة أخرى أصيب صباح أمس ب«حي النصر» قرب وسط العاصمة تونس مواطن كان في سيارة مع مرافقين آخرين، بطلق ناري على أيدي قوات أمن تونسية. وقالت وزارة الداخلية التونسية في بيان أصدرته أمس إنه «تم الاشتباه أمس في سيارة على متنها مجموعة من الأشخاص تمت الإشارة إلى صاحبها بالتوقف إلا أنه لم يمتثل للأوامر لأربع دوريات متتابعة مما اضطر الوحدات الأمنية إلى إقامة حاجز بالسيارات وإيقاف الوسيلة المشتبه فيها»، وأضاف البيان أنه «خلال عملية إنزال السائق امتنع وحاول افتكاك سلاح أحد الأعوان مما تسبب في خروج طلق ناري أصاب السائق وتم نقله لتلقى الإسعافات»، كما بينت الداخلية التونسية في بيانها أنه «تم إيقاف أربعة أشخاص» وأن «التحريات متواصلة» علما أنه لم يعثر على أسلحة في هذه السيارة. وكانت أخبار راجت عقب هذا الحادث مفادها أن الأمر يتعلق ب«متشددين دينيين»، ولكن أحد أقرباء سائق السيارة الذي أصيب بالطلق الناري فند في تصريحات لمحطات إذاعية محلية «أي علاقة لقريبه بأي جماعة دينية» مؤكدا أن قريبه «يدرس الموسيقى وكان على متن السيارة صحبة عدد من أصدقائه وهم عازفون موسيقيون من بلد أوروبي». وأكدت مصادر طبية بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة التونسية حيث نقل المصاب للعلاج أن «حالته مستقرة»، موضحة أنه «أصيب برصاصة اخترقت الكتف واستقرت بالوجه». في غضون ذلك نبهت وزارة الداخلية التونسية جميع مستعملي وسائل النقل إلى وجوب الامتثال إلى إشارات أعوان قوات الأمن الداخلي من شرطة وحرس وأعوان قمارق. وقالت إن الوضع الأمني الاستثنائي يخول للأعوان استخدام وسائل التدخل في صورة عدم الاستجابة لإشاراتهم. كما دعت التونسيين إلى ضرورة الإعلام عن كل تحرك مشبوه وأشياء مسترابة. ويأتي هذا التنبيه بعد تعرض سائق سيارة يوم أمس، إلى طلق ناري مميت في حي النصر القريب من العاصمة بعد عدم امتثاله لأوامر قوات الأمن. وفي مدينة سيدي علي بن عون (سيدي بوزيد) التي كانت مسرحا لمواجهات مسلحة مع مجموعات إرهابية، أكدت مصادر أمنية إيقاف 15 عنصرا قالت إنهم متهمون بالمشاركة في تلك الأحداث الإرهابية.