قال خبراء في الإعلام الأميركي إن المسؤولين في صحيفة «نيويورك تايمز» كانوا يفكرون منذ فترة في تغيير اسم صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تربيون» التي يملكونها. لكن، كان هناك جدل حول الاسم الجديد: «نيويورك تايمز إنترناشيونال» أو «إنترناشيونال نيويورك تايمز». ويظهر الاختلاف في أن الاسم الأول يجعلها عالمية أكثر منها أميركية، بينما يجعلها الاسم الثاني أميركية أكثر منها عالمية. وقال الخبراء إن الاختلاف كان جدلا بيزنطيا. حتى وقعت «كارثة الإنترنت»، التي خفضت توزيع كثير من الصحف الأميركية الرئيسية المطبوعة، مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست». وصارت كل صحيفة تبحث عن أشياء تعوض بها هذه الخسارة: «واشنطن بوست» باعت نفسها (باعها أصحابها) إلى شركة «أمازون»، واحدة من الشركات التي استفادت من الإنترنت. وهاهي «نيويورك تايمز» تفضل الاستفادة من شهرتها العالمية، وأيضا من شهرة صحيفتها «هيرالد تربيون». ولاحظ الخبراء الاختلاف في استراتيجية القادة في الصحيفتين: أولا: قادة أعلنوا هزيمتهم، وانسحبوا من ساحة المعركة. ثانيا: قادة زادوا حشودهم. غير أن طبيعة كل من الصحيفتين من أسباب الاختلاف في الاستراتيجيات: أولا: «واشنطن بوست»، رغم أنها تؤثر أكثر على صانعي السياسة الأميركية الذين يقرأونها أول ما يقرأون صباح كل يوم، ويشير إليها أعضاء الكونغرس في مناقشاتهم، بل يطلبون وضع اسمها في محاضر المناقشات، تظل محلية، تظل صحيفة واشنطونية. ثانيا: «نيويورك تايمز»، رغم أنها أكثر عالمية في أخبارها، وفي قرائها، بل ربما أكثر ليبرالية، تظل الثانية في التأثير على صانعي السياسة الأميركية. ولهذا، كان تغيير اسم «إنترناشيونال هيرالد تربيون» إلى «إنترناشيونال نيويورك تايمز» استفادة من سمعة الصحيفة العالمية. غير أن التوقيت هام. ماذا قالت صحف أخرى عن التوقيت؟ قالت صحيفة «يو إس إيه توداي»: «هذه آخر حلقة إنقاذ الغرقى ترميها لها الشركة المالكة». وقالت صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «ما دام الحل ليس بيع الصحيفة إلى شركة إنترنت». وقالت الشركة التي تملك الصحيفة، على لسان رئيسها مارك تومبسون: «توجد إمكانية كبيرة لزيادة عدد المشتركين في صحيفة نيويورك تايمز خارج الولاياتالمتحدة». هذا تفسير دبلوماسي، لأنه لم يتحدث عن انخفاض توزيع الصحيفة الأم (وعن احتمال بيعها). وهو تفسير تجاري أكثر منه تفسير صحافي: «التوزيع» (أي الربح). يوم الاثنين، صدر آخر أعداد صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تربيون» في طبعتها النهائية، مع ملحق من 24 صفحة يضم أخبارا وصورا من التاريخ، منذ 126عاما. وحسب الملحق، كان للصحيفة مالكان مختلفان، وأسماء مختلفة. كان أول اسم هو «باريس هيرالد». وكان أول مالك هو الأميركي جيمس بينيت. كان ذلك وقت هجرة المثقفين الأميركيين إلى باريس، مدينة النور، بسبب تأثيرات الثورة الفرنسية، وبسبب تفوق الفرنسيين في الفنون، والآداب، والإتيكيت، وفنون الطعام والشراب. وأحب «الكاوبويات» باريس، وزادت أعدادهم، وقرر واحد منهم إصدار صحيفة لهم. الآن، لم يهزم الإنترنت الصحيفة فقط، وإنما يكاد أن يهزم الشركة المالكة: شركة «نيويورك تايمز». وبسبب نفس تحدي الإنترنت، باعت الشركة صحيفة «بوسطن غلوب». وباعت صحفا إقليمية صغيرة. وباعت موقع «أباوت» (عن) الذي يجيب، كل يوم، على عشرات الآلاف من الأسئلة من حول العالم. وباعت نصيبها في نادي «ريد سوكس» (الشرابات الحمراء) لكرة البيسبول في بوسطن (ولاية ماساجوستس). ومؤخرا، اضطرت للاستدانة من الملياردير المكسيكي العربي الأصل كارلوس سليم (اسمه الأصلي: خليل سالم حداد، والداه من لبنان). لكن، باعتراف صحيفة «يو إس إيه توداي» المنافسة، «رغم هزائمها المالية، نجحت في المحافظة على مستوى صحافي مهني عالمي، ومن الدرجة الأولى». لهذا، من يدري، ربما سيعوض غير الأميركيين هزيمة الصحافة المكتوبة أمام المال (أو، على الأقل، تفوق جانب الربح على العمل الصحافي المكتوب) في الولاياتالمتحدة. وربما سيظل غير الأميركيين يقرأون الصحف المطبوعة في نهم، ويفضلونها على صحف الإنترنت، حتى لا تضطر شركة نيويورك تايمز إلى بيع الصحيفة الأميركية العالمية الأولى.