ظلت التساؤلات المطروحة في حلقة ليلة أمس من برنامج "قضايا واراء" التلفزيوني حول خصوصيات الدخول السياسي بالمغرب، وتدبير الزمن التشريعي، شبه معلقة وبدون أجوبة تقريبا. وكاد النقاش ينحرف عن مساره الصحيح،في بعض اللحظات، ليتجه نحو مسالك أخرى، لولا تنبيه معد ومقدم البرنامج عبد الرحمان العدوي للمشاركين في هذه الحلقة التي سقطت في دائرة الهدوء والرتابة، وغابت عنها الحرارة باستثناء بعض اللحظات، التي أثير فيها عجز الحكومة وفشلها في تدبير أوراش الإصلاح. وكان أول من طرح هذا الموضوع هو العربي المحرشي،النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة،الذي وجه سهام نقده الحادة بقوة للحكومة،التي اعتبرها مجرد "حكومة لتصريف الأعمال"، مشيرا إلى أن هناك خللا كبيرا في أدائها، مستدلا على ذلك بكونها لم تتخذ أي مبادرة فيما يخص وضعية مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان). وذهب المحرشي إلى حد القول، إن الحكومة لم تحقق أي شيء ملموس على أرض الواقع، واصفا المدة الزمنية التي قضتها في تدبير الشأن العام، ب "السنتين البيضاوييتين"، الخاليتين من أي انجاز. وقال المحرشي، إن قضية واحدة برعت فيها الحكومة، هي قضية توريط المغرب في الديون،مؤكدا أنه ليس من حقها رهن مستقبل البلاد لمدة 30 سنة من أجل الوفاء بما في ذمتها من ديون للصناديق الدولية الدائنة،وهذا ما يستدعي في نظره دق ناقوس الخطر. وأشار ممثل حزب الأصالة والمعاصرة إلى الزيادات المتتالية التي عرفتها جميع المواد الاستهلاكية، بما ذلك "البيرة"، التي رغم أنها "حرام"، فإن مداخيلها في نظر الحكومة التي يقودها حزب إسلامي، "حلال"، على حد قوله. وانبرى رشيد روكبان، رئيس فريق التقدم والاشتراكية في البرلمان، ليرد على هذا الكلام، نافيا وجود "سنتين بيضاويتين" في عمر الحكومة، وأضاف أن هناك من ينظر للدنيا نظرة سوداء، لأنه يرتدي نظارة سوداء، مؤكدا أن هناك إرادة سياسية لدى الحكومة للإصلاح، وإنجازات ملموسة على أرض الواقع. وأوضح روكبان بخصوص مايعتبره البعض بطئا في تنزيل القوانين التنظيمية المتعلقة بالدستور،أن الحكومة شرعت فيها، وأمامها الوقت الكافي لذلك إلى حين انتهاء مدة ولايتها، وفقا لما يتيحه لها القانون. وبدورها،انخرطت جميلة المصلي، النائبة عن حزب العدالة والتنمية، في الدفاع عن الحكومة، مشيرة إلى أنه "لم يعد مقبولا قلب الحقائق"، ولا يمكن القول إن الحكومة غير موجودة، بل إنها تشتغل بجدية، واتخذت قرارات مهمة وصائبة، وتحذوها رغبة قوية في الإصلاح. أما مباركة بوعيدة، عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، فقد أكدت أن حزبها مازال متموقعا في "المعارضة البناءة"، التي لاتسعى إلى "ضرب الحكومة"،بل إلى "تشجيعها على ممارسة سياسة الإصلاح". غير أن نفس المتحدثة لاحظت أن هناك مشكلا كبيرا يكمن في غياب القانون التنظيمي لعمل الحكومة، وهناك ارتباك في أدائها، وفي اتخاذ قرارات استراتيجية تهم البلد، في ظل "حكومة تصريف". وحذرت المتحدثة من أن الساحة السياسية، إذا بقيت على ماهي عليه الآن،فإن نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية سوف تكون بنسبة أضعف مما كانت عليه في الماضي، ملحة على ضرورة إعادة الثقة إلى الحياة السياسية، تكريسا للمصداقية. شاكر أشهبار، رئيس حزب التجديد والإنصاف، اعتبر أن هناك حالة انتظارية كبيرة لدى المواطنين المغاربة،الذين صوتوا من أجل العمل على الإصلاح والتغيير ،داعيا الحكومة والمعارضة ومكونات المجتمع المدني إلى العمل في هذا الاتجاه. ولاحظ أشهبار أن هناك انزلاقا حصل اليوم في الحياة السياسية المغربية، تجلى بالخصوص في صراع سياسي هامشي سيطر على المناخ العام، وذلك باللجوء إلى استعمال الحيوانات في السياسة. وفي هذا السياق، قال محمد بودن،الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، إن السجال السياسي بين الفرقاء السياسيين، بدأ يأخذ طابعا فرجويا، بعد أن تم رمي النقاش إلى الشارع، مؤكدا أن "السياسوية لن تخدم مصلحة البلاد" . وأكد بودن على أهمية مشروع القانون المالي المقبل لسنة 2014 باعتباره "محطة مفصلية في ظل هذه الظرفية الدقيقة التي يجتازها المغرب، الذي يحاول أن يرسم لنفسه نموذجا متميزا". وشدد الباحث في تدخله، على أن "الحس الاجتماعي" يجب أن يتوفر لدى الحكومة والمعارضة على السواء، وأن يمتد ليشمل كل القطاعات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم وغيرهما. وأجمع المتدخلون، في ختام البرنامج ، على أن الأولويات التي يجب أن تتصدر انشغالات الحكومة،بمناسبة الدخول السياسي الجديد، ومناقشة مشروع القانون المالي المقبل ، هي تسريع وتيرة الإصلاحات، والحرص على تنزيل المقتضيات المتعلقة بالجهوية الموسعة، وترسيم الأمازيغية،وتسريع الدينامية الاقتصادية والاجتماعية، ومباشرة إصلاح ملف التقاعد ، وصندوق المقاصة.