العنوان مقتبس من كتاب «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» للداعية الحركي الهندي أبي الحسن الندوي، الذي كان له تأثيره في الحركات الراديكالية. بظني أن الإخوان يخربون ماضيهم وهالتهم بأيديهم وأيدي المتعاطفين معهم في شكل شاده مدهش، وبظني أن إقصاءهم الذي حدث عن طريق الجيش كما لو كان حبل نجاة لقيمتهم المعنوية، وإن لم يدرك الإخوان ولا مناصروهم ذلك، إذ كانت قيمة الإخوان المعنوية تتجه نحو الهبوط عند الكثير من المتماهين معهم ممن لا يدرك خلفيتهم وبعدهم الديني والسياسي. ما حدث كان فرصة لهم، ذلك أن إقصاءهم عبر ما سمي انقلاباً كان إيقافاً لنزف سمعتهم وتاريخهم لو أحسنوا توظيفه، لكنهم ذهبوا يتحسسون في هذه المرحلة أسوأ ما في تاريخهم، وهو العودة لخيار العنف، وبرهان ذلك تسامحهم مع جماعات الإسلام السياسي، التي تعتمد سبيل العنف في طرح خياراتها. كان سقوط الإخوان المعنوي أعتى من سقوطهم عن عرشهم السياسي، الذي كانوا يرتجونه لأكثر من ثمانية عقود، لكنهم لم يدركوا ذلك جيداً. الأمر الآخر الذي تجلى في لغة الإخوانيين هو شعورهم كما لو أنهم كانوا أمام فرصتهم الأولى والأخيرة في مجال إدارة الدولة، وثبت ذلك إبان توليهم مقاليد الحكم، إذ مارسوا السياسة على طريقة من ينتوي تأبيد حكمه، وتبين ذلك من خلال الذهنية الشمولية التي تعاطوا بها مع الآخر. كان من أشد المكلومين على سقوط الحكم الإخواني هم الذيول الإخوانية خارج مصر، والتي هي المشيمة الحقيقية للإخوانين خارج مصر، لقد كانت فجيعة عامة الإخوانيين خارج مصر كما الفجيعة بسقوط غرناطة آخر معاقل العرب والمسلمين في الأندلس، وذلك ما ظهر من ردات فعلهم الموتورة والمتوترة. لقد أشعروا العامة بأن سقوط الحكم الإخواني كما لو كان نقضاً لعرى الدين وليس تهدماً لجماعة أيديولوجية نفعية. وللأسف سرت في عامة الوعي العربي تلك التهويمات التي تكرس الحرب على الإسلام بوصف الجماعة دوحة الخلافة، وبوصف مرسي خليفة وأميراً للمؤمنين، وما زاد هذا التضليل تأكيداً هو موقف المناوئين لجماعة الإخوان وحكمها، إذ مارسوا الكراهية والاحتراب بدلاً من التعاطي العقلاني المقنع للرأي العام بأن خلافهم مع الإخوان ليس لأجل الدين وحرب الدين كما يروجه الدينيون، وأن الخلاف مع الإخوان دافعه سياستهم الاستبدادية وتمترسهم بالمقدس الديني لغاية الوصول للمدنس السياسي الدنيوي، ما نشاهده من المتعاطفين مع الإخوان يشي بأننا أمام معركة كبرى بين الحق والباطل، وبين الإسلام والكفر، ولعل المتابع لفهرست الرأي العام (تويتر) سيلحظ حجم التحشيد الديني المبالغ فيه ضد المختلف، إذ يتم تنزيل نصوص الوحي بكثافة في محاولة لتصوير ما يحدث على أنه حرب على الإسلام، كما يتم توظيف الآيات والأحاديث التي قيلت في الكفار والمشركين والمنافقين على المخالفين لجماعة الإخوان، هكذا تمت قراءة الأحداث من لدن كثير من الدينيين. نسي هؤلاء المتحمسون مع الحكم الإخواني المتهدم أن الإسلام منهج حياة وعلاقة روحية خاصة، وأن الإسلام لم ولن يتوقف على السياسة والحكم إن لم يتدنس بهما، كما نسي هؤلاء أن مصر كانت قبلة المعرفة ومصدر الإلهام الديني حتى ما قبل ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، والتي أطاحت بحقبة حسني مبارك. لكن هؤلاء لم يستطيعوا فهم الدين إلا من خلال رغبوية السيطرة والهيمنة والاستبداد امتداداً لبروتوكولات جماعتهم التي كرست في اللاوعي حتمية استعادة دولة الإسلام (يوتوبيا الخلافة) حتى تتم بحسبهم استعادة قوة وأممية الإسلام، وهكذا تم تيه مخيالهم الأيديولوجي. رأيي الشخصي، وبصرف النظر عن حقيقة الانقلاب، أن سقوط الإخوان كان شيئاً إيجابياً، وتأكد لي ذلك مع توالي الأيام، وتكشف ما كانوا يكتنفونه من راديكالية محتجبة وشمولية متبدية وهشاشة في ذهنيتهم السياسية، كما تباعدت المسافة ما بين رغبوية تدشين الدين المعدل سياسياً وأيديولوجياً، وما بين إرادة الجماعة الظهور بمظهر الجماعة المدنية، لكنها لم تستطع التوفيق بين هذين المسارين المتنابذين لتخرج بالنهاية في حال من التوفيق التلفيقي الذي لم يجعل لها هوية، وذلك ما كان سيذهب بتاريخ مصر كدولة لها وزنها الإقليمي. ولأن تعود مصر إلى ما قبل ثورة 25 يناير أفضل مما هي تتجه إليه في حكم الإخوان، الذي خرج بمصر عن التاريخ إلى خارجه المترامي غموضاً. حينما قلت إنني مع نهاية حكم الإخوان، لم أكن أتجه ناحية استهداف واستقصاد الإخوان أيديولوجياً، لكن حكم الإخوان وما تلاه بعد سقوطهم أثبت خطورة استكمالهم لفترتهم الرئاسية لأمور: أولاها: تحول الإخوان لمصدر خطر على سيادة الدول حولها، إذ تحول الإخوان لعمق أيديولوجي تحريضي تأجيجي بسبب فكرتهم الأممية التي تستضمر أقلمة وتوزيع الهيمنة انطلاقاً من المصب (حكم مصر). ثانيها: انشغال الإخوان بتدشين أفكارهم انطلاقاً من أجندتهم لا أجندة الدولة، وإرادة عموم الشعب ومصيره، إذ تناسى الإخوان واجباتهم تجاه دولتهم لمصلحة أيديولوجياتهم ونفعياتهم الحزبية. ثالثها: إصرار الإخوان على استبطان اللغة المليشياوية التي كانوا يدّعون طلاقها، وكل ذلك ظهر، سواء من ذات لغة الرئيس المخلوع في خطابه الأخير، أو التجمعات الإخوانية قبل وبعد السقوط. رابعها: كانت الخسارة الحقيقية في وصول الإخوان للحكم جزافاً لرغبة الحكم والهيمنة من دون النظر لأجندات الثورة، ما يعني أن الإخوان تجاوزوا إرادة وتضحيات الثوار. خامسها: لو وفق الإخوان في العودة للإصلاح الداخلي ومراجعة نظرياتهم حول الدولة والسياسة، لأصبحوا شريكاً مهماً في بناء الأوطان وما لم يتجاوزوا الذاتية الحزبية الضيقة، فسيظلوا ثقباً على أوطانهم. سادسها: الإخوان ضربوا حس المواطنة من خلال تخندقهم في أيديولوجيتهم الضيقة، وفرزهم للناس، لا من خلال المواطنة، وإنما من خلال دينهم الذي توهموه فيصلاً في الحقيقة والانتماء. الحصاد: لم يخسر العرب شيئاً من سقوط الإخوان، بظني، لأنهم يتجهون كما تبدى في أجنداتهم لقهقرة الوضع العربي وتعقيده وإعادته لما قبل المربع الأول، وليس ذلك دفاعاً عن فكرة ما سمي انقلاباً، وإنما بسبب العدوان الذي بدأ يتطاير من لغونة الإخوان على المختلف، وذلك ما كان يشي بذهنية حزبية ميليشياوية تتجه لفرض الوصاية والاستعداء الذي لا يليق بالحزب الذي يحكم أعظم دولة عربية. "الحياة"