جاك لويلوري (وكالة الصحافة الفرنسية) لم يكد ينتهي شبح ديكتاتورية زين العابدين بن علي ذات ال 23 سنة من أن تحوم فوق تونس ثلاثة أشهر على سقوطه حتى عادت أسطورة الحبيب بورقيبة، الذي تم "محو" صورته بصفة ممنهجة من قبل الرجل الذي أسقطه، لتطفو على السطح، أحد عشر سنة على وفاة أب الاستقلال. هذا رغم أن بن علي فعل كل شيئ لمحو أي أثر للرجل الذي أزاحه يوم 7 نونبر 1987، بما في ذلك تمثاله فوق الفرس بقلب تونس. في يوم دفن بورقيبة انتظر الناس أن يتم نقل المراسم مباشرة على التلفزيون. لكنهم لم يجدوا سوى وثائقيات عن الحيوانات وصورا لغروب الشمس. لأول مرة منذ 1987 كان بإمكان التونسيين أن يحتفلوا هذه السنة بحرية بذكرى وفاة "الزعيم" بمدينته في المنستير في 6 أبريل. بالموازاة مع الاحتفالات الرسمية المتكلفة وضع المئات من الناس العاديين باقات صغيرة على الضريح ذي الرخام الأبيض. في ذكرى الاستقلال في 20 مارس بثت التلفزة الوطنية وثائقيا طويلا وتمجيديا حول حياة بورقيبة وفي مكتبات تونس، بجانب الكتب الأولى حول الثورة، تتبوأ الآن كتب بها بورتريه "المجاهد الأكبر"، وهو يحمل باقة ياسمين في اليد، الوردة رمز البلد. لم تعرف تونس أي زعيم غير بورقيبة وبن علي منذ الاستقلال في 1956 واليوم هي تبحث لها عن مرجعيات وقيم. في الجرائد تزدهر المقالات والأعمدة الحامية مع أو ضد إرث أب تونس الحديثة، ضد ما يراه البعض الانزلاقات السلطوية "للرئيس مدى الحياة" وما يعتبره البعض الآخر نفعية "البورقيبية". "قادتنا المؤقتين أطلقوا الديكتاتورية قبل بن علي. في واقع الأمر، يمكننا أن نرجعها إلى 1956، رغم أن إرث بورقيبة لا يقاس في أي حال من الأحوال بما تركه بن علي"، يعلق صحفي سياسي. "خلال 55 سنة تم كبح مسيرة بلدنا بسبب الاستبداد وانعدام الحكمة عند قائدها الأول"، يقول الجامعي والمعارض ضياء الدين السويسي والذي يعتبر أن "البورقيبية ليست المنهجية الجيدة" لتونس اليوم. "أكيد أن سجله ليس خاليا من بعض نقاط الظل ولكن عموما هو سجل إيجابي جدا"، يرد وزير التعليم الطيب بكوش. "ما سيحفظه التاريخ، يصرح ل "أ ف ب" ليس الجانب الاستبدادي فيه ولكن إنجازاته في بناء الدولة الحديثة، تعميم التعليم ووضع المرأة"، إنجازات فريدة من نوعها في العالم العربي الإسلامي. "السياسة التعليمية لبورقيبة كان لها الامتياز على سياسة خليفته المتواضع. لقد سارت بسرعة فائقة وتاريخ البلد يشهد له بذلك حيث أن صداها تجاوز حدوده الترابية"، يقول المفكر جليل بن عبد الله. بالنسبة لطبيب الجهاز العصبي منصف المرزوقي، المعارض الدائم لبنعلي، فبورقيبة "كان يؤمن بصدق في ضرورة تطوير البلاد" ولكنه "منذ البداية فقد أقام شرطة من أجل إخافة الناس". بالنسبة للشباب الذين لم يعرفوا سوى بن علي فهم أيضا على نفس القدر متباينون. بالنسبة لسمير، 52 سنة، ذو شهادة جامعية، "بورقيبة هو الأب المؤسس للأمة ولكن أيضا للتوتاليتارية في تونس". "لا يمثل شيئا بالنسبة لي. هو رجل حارب الإسلام بدعوى إقامة الحرية"، يبدي أمين حكمه، وهو طالب ذو 19 سنة. نور الدين، تاجر في الخامسة والثلاثين، يبدو أكثر تغنيا ببورقيبة وقول "كان أب التونسيون وليس رئيسهم. رغم أخطائه، لا يمكننا أن ننكر أنه كان يهتم بمستقبل بلده وشعبه". آخر رمشة عين للتاريخ: قبل ثلاثة أشهر من أول انتخابات ديمقراطية منذ الاستقلال والتي ستنظم في يوليوز، تدار تونس من طرف الرئيس فؤاد المبزع والوزير الأول الباجي قائد السبسي. رجلان في الثمانينيات من العمر، نتاج خالص لعهد بورقيبة.