برنامج موسمها الثقافي ازدان بطرح قضايا الساعة.. وحافظ على روحه التي ميزته منذ عام 1978 "الشرق الاوسط": اصيلة: محمد بوخزار ترتدي مدينة أصيلة المغربية أبهى حللها استعدادا لموسمها الثقافي الدولي، المنظم صيف كل عام من طرف مؤسسة منتدى أصيلة في دورته الخامسة والثلاثين، ويرأس أمانته العامة محمد بن عيسى، وزير خارجية المغرب الأسبق، وعمدة أصيلة. وتنطلق فعاليات الموسم مساء يوم الجمعة المقبل، وتمتد أكثر من أسبوعين، وذلك بمشاركة أكثر من 400 مشارك من عالم الفكر والثقافة والفن والإعلام. يحافظ الموسم الحالي على «روح» المواسم السابقة باعتباره تميز منذ عام 1978 بكونه فضاء مفتوحا للحوار والنقاش المخصب إلى جانب تنوع وتعدد الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية. كل ذلك يجري في أجواء تطبعها الحرية تناقش في خضمها القضايا والمواضيع الراهنة، وذلك في تفاعل مع المستجدات العربية والدولية، التي ستكون مدار اهتمام ومساهمات المشاركين في الندوات المقبلين من مختلف دول العالم، يمثلون، كما هو المعهود، أمكنة ومدارس فكرية وتجارب ميدانية؛ يحاولون كل من زاوية نظره ومرجعياته، الإحاطة بالمواضيع المعروضة في إطار الندوات والتظاهرات المقررة ضمن برنامج جامعة المعتمد بن عباد الصيفية. ومن المنتظر أن يوجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، راعي الموسم منذ أن كان وليا للعهد، خطابا في افتتاح الندوة الأولى للموسم المخصصة لموضوع «التغير المناخي والأمن الغذائي: بين المقاربة التقنية والفعالية البشرية»، التي ستجمع عددا من الباحثين والخبراء وصانعي القرار والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والخبراء، المنشغلين بإشكالية التغير المناخي وانعكاساتها السلبية المؤكدة على الأمن الغذائي، على اعتبار أنها أخطر ما ستواجهه البشرية في غضون العقود المقبلة. وتنتهي الندوة، يوم 23 من الشهر الجاري، لتفسح المجال لتظاهرة فنية صرفة، يلتقي خلالها نخبة من المهتمين بالفنون التشكيلية، العرب والأجانب، لتقصي وتلمس الملامح الجديدة للاستشراق على الصعيد العالمي، كما تتجلى في الفنون العربية المعاصرة، في سياق حوار خلاق بين الفنون. وهذه الندوة الفنية، التي تدوم يومين، هي امتداد وتقليد لمثيلات لها، احتضنتها الدورات السابقة لمواسم أصيلة، تجدد الوفاء للسمة الإبداعية التشكيلية المؤسسة التي طبعت تجربة أصيلة منذ انطلاقها قبل ثلاثة عقود ونصف؛ وما زالت تلك الهوية «مكونا» ثابتا وحاضرا، لا يغيب عن برامج المواسم، بل إن له الأسبقية بمعنى من المعاني، إذ جرت العادة أن يحل بالمدينة، أولا الفنانون، المتمرسون والمتمرنون من الطلاب، قبل انطلاق أشغال ندوات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية. ويتيح لهم القدوم المبكر إلى أصيلة، إعداد الورش وتهيئة المواد الأولية المستعملة وهندسة الجداريات. ويتوزع البرنامج كما هو الحال في الدورة الحالية، على مشاغل التدريب على فن الحفر والصباغة الزيتية، إلى جانب مشاغل مرسم الأطفال، حيث يتمرن الصغار الموهوبون على امتلاك تقنية الإفصاح عن رؤاهم وتصوراتهم العفوية بواسطة الريشة والأنامل، يبدون بحرية شغفهم بهذا اللون الفني. ويجري داخل الورش وخارجها، حوار فني بين المشاركين وتبادل التجارب، يستوي فيه الفنان المتمرس بالمبتدئ الواعد، يتبادلون الأخذ والعطاء، يعرضون إبداعاتهم بينما ينخرط آخرون في مسلسل «الجداريات» فتكتسي حيطان المدينة أزقتها حللا تشكيلية زاهية، يفرح السكان والزوار لها، ما جعلها مستحقة عن جدارة صفة «مدينة الفنون» * أحمد المديني ضيف خيمة الإبداع * على أثر الصدى الإيجابي الذي خلفته تجربة «الخيمة الأولى» ارتأت مؤسسة منتدى أصيلة، تثبيت، تلك الاستراحة الثقافية ضمن برنامج الموسم الثقافي كونها شكلا من أشكال التكريم، لاسم ذي مسار إبداعي لافت. وقع الاختيار هذه الدورة على استضافة الأديب المغربي أحمد المديني ذي الإنتاج الموزع بين الرواية والقصة والشعر والنقد والبحث الأكاديمي، إلى جانب الرحلات والسفريات. * الربيع العربي بصيغة الجمع * من خيمة الإبداع، وحرارة أجواء النقاش فيها، يعود المشاركون في موسم أصيلة إلى رحاب جامعة المعتمد بن عباد، حيث يلتقون يومي 28 و29 من الشهر الجاري، في ندوة تدور حول الواقع السياسي والثقافي الراهن، موضوعها «فصول الربيع العربي، من منظورنا ورؤية الآخر». والملاحظ أن إيراد عبارة «الربيع العربي» مسبوقة بفصول بصيغة الجمع، أمر مقصود ومتعمد سيأخذه المتدخلون في الاعتبار، بالنظر إلى التطورات التي استقرت عليها تجارب «الحراك» الذي عم مجتمعات عربية مغربا ومشرقا، تؤشر إلى ما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل المنظور، نتيجة تباين التجارب وتضارب المقاصد والتوجهات واختلاط الأجندات وتشابك أوراق الداخل برهانات الخارج، ما أدى إلى ظهور سحب ملبدة بالالتباس والغموض والتوجس، في السماء العربية، في جوار نجوم خافتة، تبدو بعيدة، سارحة في الأديم. ويعتقد الداعون إلى الندوة أن «ترمومتر» الحراك العربي، في وضعية فضفاضة، لم يستقر بعد عند نقطة نهائية، دون أن يحول ذلك بين الباحثين والمحللين من الإمساك بالظاهرة واستخلاص النتائج بل توقع المسارات. * جائزة «زفزاف» للرواية لسحر خليفة * قبل ثلاث سنوات، فاز الروائي السوري حنا مينا، بجائزة «محمد زفزاف» للرواية العربية التي تمنحها مؤسسة منتدى أصيلة، تثمينا للمنجز الإبداعي لروائي عربي من المشرق والمغرب. نالها اثنان من المشرق العربي هما الراحل الطيب صالح وحنا مينا، وذهبت إلى مغاربيين، في شخصي: إبراهيم الكوني (ليبيا) ومبارك ربيع (المغرب). ويبدو أن مؤسسة منتدى أصيلة، أرادت أن ينحصر الاختيار، خلال الدورة الخامسة للجائزة، بين الروائيات، ليس من باب المناصفة الأدبية بل اعترافا بإسهام عدد من الكاتبات العربية في تطوير جنس السرد القصصي. واتفقت لجنة تحكيم الجائزة أن تكون الفائزة برسم الدورة الحالية هي الأديبة الفلسطينية سحر خليفة، إذ اختارتها لجنة مكونة من: واسيني الأعرج (الجزائر) وعبده جبير (مصر) وفهد إسماعيل (الكويت) وأحمد المديني ومحمد بن عيسى (المغرب)، تقديرا لعطاءاتها الموصولة وحضور كتاباتها المترجمة إلى عدد من اللغات الأجنبية الحية، ما ساعد على انتشارها خارج البلدان العربية. وراعت اللجنة كذلك التزام الفائزة بالتعبير، في قوالب فنية متجددة، عن القضايا الإنسانية، وفي طليعتها محنة شعبها الفلسطيني، مع حرص دائم وصارم على المقومات الإبداعية والجمالية، بدل التعبير المباشر عن المواضيع المعاصرة الساخنة ذات المنحى السياسي. * إشكالية الهوية والتنوع الثقافي * ويشمل برنامج موسم أصيلة الثقافي في اليوم الأول من الشهر المقبل، الندوة ما قبل الأخيرة، وتدور أشغالها حول إشكاليات «الهوية والتنوع والأمن الثقافي». ومن الواضح أن خيطا رفيعا، يوحد بين الندوات الكبرى الثلاث المبرمجة خلال الدورة الحالية. تعكس مواضيعها بصيغ متفاوتة، درجة الانشغال والمخاوف التي تنتاب عددا من المجتمعات، خشية من تداعيات تحديات اقتصادية وبيئية وسياسية. ويؤرق هذا الشعور المجتمعات العربية التي يواجه بعضها ظروفا عصيبة. وفي هذا الزخم غير المسبوق، اندلعت مشكلات ظلت لعقود تحت الأرض، ضمنها مسألة «الأمن الثقافي» كمظهر لانتشار الوعي وترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، تعبيرا عن توق الناس وتعلقهم بالحرية. غير أن تلك الطموحات المشروعة في حد ذاتها، يرافقها أحيانا تسرع وجموح وقلة صبر وتبصر، من المجموعات الناشطة التي تحسب أن التهميش المتعمد طال ثقافاتها ولغاتها وخصوصيتها وعلامات هويتها، فافتقدت بسبب حماستها الرؤية الواضحة وتعثرت في الانتقال من سرعة إلى أخرى، فاختلطت أمامها السبل وتعددت المسالك. وتتطرق ندوة الأمن الثقافي إلى ظاهرة مثيرة، أفرزتها النزاعات المسلحة في عدد من المناطق، حيث يوجد تراث ثقافي إنساني، لا تقدر قيمته الجماعات المتحاربة، فتعبث به وتدمره، وكأنه عدوها، مدفوعة بتأويل سطحي وساذج بل متخلف للدين ولجوهر الحضارات الإنسانية. وقد شاهد العالم أمثلة على ذلك التدمير. * المشهد الإعلامي الراهن * في دول مجلس التعاون الخليجي * تشهد أغلب مجلس التعاون الخليجي تجاذباتها الخاصة، متأثرة بما يجري بعيدا وقريبا منها وباعتبارها مجتمعات متحركة تحكمها دينامية التطور والرغبة في التحديث المتلائم مع الخصوصيات والمقومات الأصيلة. وتمارس العوامل الخارجية تأثيرها على وتيرة النهضة الشاملة في تلك المجتمعات، على الرغم من كون بعضها يجلب معه تحديات إن لم تكن مخاطر وتهديدات يلوح بها الجار الإيراني، على سبيل المثال كونه يطمح لأن يصبح لاعبا قويا رئيسا في المنطقة بأي وسيلة تأتى له ذلك، مستغلا بعض أوضاع داخلية عابرة تجتازها بعض الدول. في ظل تلك التجاذبات والإكراهات، يحاول الإعلام الخليجي، وخاصة المستقل كلية، أو الذي تساهم في رأسماله بعض الدول الخليجية، أن يضطلع برسالته الإعلامية، القائمة على التنوير والتبصير والإخبار بما يجري أمامه، مبتعدا عن الدخول في منافسة شرسة مع «القوى الإعلامية الأجنبية» التي تخرق قواعد اللعبة الإعلامية، سعيا وراء الإثارة والإدهاش. وتسعى الندوة المخصصة للإعلام في الخليج العربي، إلى إثارة نقاش هادئ ومفيد بين الفاعلين في المجال، أملا في توصيف موضوعي لكيفيات تعاطي الإعلام الخليجي في أوطانه، أو بعيدا عنها، مع المتغيرات المتلاحقة الإقليمية والكونية وكذا والتطورات الحاصلة في المجتمعات العربية، ما هي رهاناته وأي الهواجس تسكنه؟ كيف يمكنه أن يوفق بين انتظارات الجمهور والرأي العام التي لا تكون دائما سليمة، والوظيفة الإعلامية المحايدة، المجانبة للتضليل. ولا تكتمل صورة الموسم دون الوقوف عند فعاليات أخرى، إبداعية وفنية. في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى نجاح تجربة مشغل «كتابة وإبداع» الموجه للطفل حيث تستمر المراهنة على إيقاظ جذوة الحرية وتذوق الجمال والتعبير بالكلمة والريشة عند تلك الفئة العمرية، بحيث يكافأ المتفوقون المبدعون منهم، بجوائز تشجيعية. وتزداد الصورة بهاء ورونقا، بمعرض الأزياء الذي تشرف عليه المصممة المغربية نبيهة الغياتي التي عودت الموسم على الإتيان بالجديد والمبهج من تصاميمها المخيطة. وتصاحب أمسيات الموسم عروض وسهرات موسيقية، يحييها فنانون وعازفون ومنشدون مغاربة وأجانب، تتضمن الغناء الفردي مثل «الفادو» و«الفلامنكو» كما تشتمل على الإنشاد الجماعي، الصوفي والأندلسي وغيرها من الألوان والأهازيج الموسيقية. وبذلك تكون أصيلة مدينة تتنفس بامتياز الثقافة والفكر والفن.. والألوان.