أكد سياسيون مغاربيون، شاركوا مساء أمس في افتتاح ندوة بالرباط، حول " صعوبات الانتقالات الديمقراطية في شمال افريقيا"،أهمية نهج التوافق كأسلوب لبناء المشروع الديمقراطي والتنموي، في بلدان الربيع العربي،مع الحفاظ على الوحدة التي تصون التعدد والتنوع. وأبرز محمد اوجار، رئيس " مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان"، منظم هذه الندوة،أن المجتمع المدني تحول في ظل الربيع العربي إلى فاعل أساسي في صناعة الغد " الذي لن يكون إلا غد الديمقراطية وحقوق الإنسان"، موضحا الدوافع التي أدت إلى عقد هذا اللقاء، قصد مساءلة التجربة وملامسة المعوقات والمصاعب التي تواجه العمليات الإصلاحية، في الكثير من الدول العربية، وذلك من خلال سعي مركز " الشروق" لبناء حوار موضوعي وعقلاني،حول مخاضات التحول،" إذ لاخيار لنا إلا الانتصار لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع انطلاق قطار الديمقراطية،الذي سوف يواصل مساره السياسي. البكوش: مازلنا في مفترق الطرق أول المتدخلين في جلسة الافتتاح، التي جرت وقائعها في أحد أكبر فنادق العاصمة السياسية للمغرب، هو الطيب البكوش،الفاعل السياسي والحقوقي في تونس، التي انطلقت منها شرارة الربيع العربي،وقد تساءل في البداية:" هل نحن في لحظة انتقال ديمقراطي؟"، ليجيب:" ما من شك أننا في لحظة انتقال،أما الشق الديمقراطي فإنه مازال لم يتحقق بعد، واغلب الظن أننا مازلنا في مفترق الطرق"،داعيا إلى جعل هذا الانتقال" انتقالا ديمقراطيا حقيقيا"، عبر نهج " خط واضح المعالم" ولاحظ بكوش، انطلاقا من تجربة بلده، أن "الحوار متعثر، ويكاد يكون حوار الطرشان"، على حد تعبيره، مضيفا أنه لا يرى صعوبات تحول دون الانتقال الديمقراطي، بل يلمس مخاطر تحدق بالتجربة، " ويجب أن يكون هناك وعي بها". ومن أسباب ذلك في نظره، تقسيم أفراد الشعب إلى مسلمين وعلمانيين، " وهو تقسيم خطير لأنه يزرع بذور الفتنة في المجتمع"، مذكرا أن نزعات التطرف قد تنزع إلى التكفير الذي يؤدي حتما إلى الاغتيال السياسي،" وقد حصل فعلا"، في تلميح منه إلى مقتل المعارض التونسي شكري بلعيد. وبعد أن دعا البكوش إلى البحث عن الحقيقة، " لأننا في تونس مازلنا لانعرف الحقيقة كاملة"،تطرق إلى ضرورة معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، باعتبارها هي سبب الثورات. وعبر عن اعتقاده بأن الوضع الآن في بلدان الربيع العربي،قد يتسبب في ثورات أكثر خطورة،إذا لم يتم تداركه." ولا مجال للانتقال الديمقراطي إلا بالتوافق،وهو شيء ضروري،" في نظر البكوش، الوزير التونسي السابق،وأمين حزب " نداء تونس". غوزالي:المغرب والجزائر، حالة غريبة.. أحمد غوزالي، الوزير الأول الجزائري السابق، استهل تدخله بكلمة طيبة في حق المغرب،قائلا:" كلما ازوره، أشعر أنني في بلدي، لأننا شعب واحد، تفصله حدود سياسية، ولكن مايجمعنا ونؤمن به، يفوق بالكثير عما يفرقنا"، على حد تعبيره. واستطرد،ان كل مايشهده من تقدم في هذا البلد، يعتبره مكسبا لبلده الجزائر، ولكل البلدان المغاربية والعربية،" وكل مايسيء لهذا الشعب،أحس أنه يسيء للشعب الجزائري، ولكل البلدان والشعوب العربية الأخرى". واستعرض غوزالي في كلمته، كل مايتوفر عليه المغرب والجزائر من روافد طبيعية ومناجم معدنية،وثروات بشرية، وقال " إننا لن نستفيد من هذه الثروات إذا بقينا على هذه الحالة"، التي وصفها ب" الغريبة"، ملاحظا "أن الحدود مفتوحة في الجو ومغلقة في البر". واعتبر هذه الحالة " دليلا على عدم الثقة المتبادلة، التي تؤدي إلى إفراز أشياء غريبة"، و" لذلك لم نتقدم على مستوى البناء المغاربي"، داعيا إلى استخلاص الدروس والعبر من أوروبا، وخاصة بين فرنسا والمانيا، التي لم يمنع تاريخ الصراع الطويل بينهما من الاندماج في الاتحاد الأوروبي،" ماأدى إلى تحقيق عدة إنجازات لاعتماد الأوروبيين على الثقة المتبادلة، التي لاتتولد إلا عن طريق المؤسسات وتوسيع دائرة المصالح المشتركة". وبخصوص الانتقال الديمقراطي في الجزائر، أوضح أن هذا البلد مازال في حالة انتقال إلى الديمقراطية، منذ 23 سنة، مشيرا إلى أن هناك نوع من " الاختلاف في المضامين السياسية"، ووصف " المضمون السياسي" بأنه" مخالف تماما للميدان، في تناقض مطلق"، على حد قوله. وألح غوزالي على النظر إلى الأشياء من زاوية عقلانية وموضوعية،واحترام القوانين، والاستماع لنبض المجتمع،"الذي لايمكن تسييره بالأوامر، إذ لامجال لنجاح أي سياسة إلا بمساهمة الشعوب في المؤسسات، ووضع الإنسان في قلب كل الانشغالات والقضايا التنموية". ولد مولود:نناضل من اجل الانتقال الديمقراطي الحقيقي ومن موريتانيا، الجار الشقيق للمغرب، جاء محمد ولد مولود، الذي حرص في تدخله على تسليط الضوء على مختلف المحطات المفصلية السياسية في تاريخ هذا البلد، في إطار سعيه نحو تكريس الديمقراطية. وتوقف مولود بتفصيل عند كل الأحداث السياسية والانقلابات العسكرية التي كانت موريتانيا مسرحا لها، مشيرا إلى "الصعوبات الكثيرة" التي تواجه التجربة الديمقراطية في بلده. وقال مولود: "منذ 25 سنة ونحن في مرحلة انتقالية، وقد طرأت عدة عراقيل" في مواجهة هذا المسار،مضيفا أن موريتانيا تتوفر "منذ سنة 1991على دستور ديمقراطي، وتعدد حزبي، وحرية إعلامية نسبية،لكن كل ذلك لم يتبلور في إطار تحول ديمقراطي جوهري،لأن النظام كان عسكريا". وفي نظر ولد مولود،أن الإجماع الضروري لإثبات التجربة الديمقراطية، لم يتحقق،اعتبارا للتعثرات والأزمات الاقتصادية، التي شهدتها البلاد. وأضاف:" الآن نحن نناضل في موريتانيا من أجل أن يحصل الانتقال الديمقراطي الحقيقي، وفق شعار:" الرحيل"، لكن صاحبنا لم يرحل بعد.. ونحن مازلنا مصممين على الرحيل".. وأكد مولود على أهمية الخيار الديمقراطي من خلال الإجماع حول تثبيت الديمقراطية، وفق قواعد اللعبة السياسية. وقد عقب محمد اوجار، رئيس مركز " الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان"، على مداخلة ولد مولود بالقول:" إن موريتانيا صنعت انتقالا ديمقراطيا أشاد به العالم". صباحي:لامجال للفصل بين الخبز والحرية اخر المتدخلين في الجلسة الافتتاحية لندوة "صعوبات الانتقالات الديمقراطية في شمال افريقيا"، كان هو حمدين صباحي، مرشح سابق لرئاسات مصر، الذي أشاد بالربيع العربي، المنطلق من تونس، لكونه " اكتسح صحراء الاستبداد والطغيان، ومن أروع مافيه أنه أثبت أن الأمة العربية غير قابلة للخنوع للاستبداد والتبعية"، بيد أنه سرعان ماأشار إلى ماتتعرض له "الربيع العربي" حاليا من "قصف مركز"قد يحيله إلى خريف. وركز صباحي كلمته على ضرورة الانتصار لشعار الربيع العربي:حرية، كرامة،عدالة اجتماعية، مشددا على أن النظام الديمقراطي الأمثل للشعوب العربية، هو الذي يضمن كل الحريات السياسية ويربطها بالحقول الاقتصادية والاجتماعية، إذ لايمكن في نظر المتحدث " فصل الخبز عن الحرية"، مع تثبيت حق كل فرد في الاستفادة من ثروات الوطن. ولدى تطرقه إلى المعوقات، التي تنتصب في وجه الانتقال الديمقراطي في بلدان الربيع العربي،أوضح أن هذه الإشكالات لابد ان تقابلها حلول،" ولن نأخذ حقنا في الديمقراطية إلا بقدر مانناضل من أجلها". وقال صباحي:" ليس هناك أية إمكانية للديمقراطية في ظل الفقر والجوع"، معبرا عن اعتقاده بأن " الشرعية لأي نظام لاتكتسب إلا من خلال إطعام الناس من جوع"، مع توفير الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة الوطنية، والحرص على "قانون الوحدة التي تصون التنوع والتعدد" . وخلص صباحي في الأخير، إلى أن التوافق في أي دولة من دول الربيع العربي هو المفتاح لبناء المشروع الديمقراطي والتنموي الكفيل بتحقيق الانتقال الحقيقي.