عثمان بن عفان شهيد الأباطيل والمزاعيم تتمة (2) بقلم المؤرخ عبد الحميد بريري أما تولية معاوية على جميع الشام فإنما ولاه عمر فما كان من عثمان إلا أن يقره عليها ، وإذا كان أبوبكر ولى اليزيد بن أبي سفيان فاليزيد ، والي الشام أنذاك ، ولى معاوية ، يكون عثمان تعلق بتولية عمر لمعاوية وعمر لتوليته من طرف يزيد المولى من طرف أبوبكر، وهو ما سماه محقق الكتاب ب"انتظام الحلق في السلسلة وغيرها". والولاية يقول ابن العربي " اجتهاد وقد عزل عمر بن سعد بن أبي وقاص وقدم أقل منه درجة " . وإعطاء 1/5 العطاء لشخص واحد فلم يصح أن عثمان قام به ولو يفترض أنه قام به فإن الإمام مالك وجماعة من العلماء أعطوا الحق للإمام ؛ الإجتهاد فيه . أما عن ضرب عثمان بالعصا ، فهو باطل ولم يسمعه ابن العربي من العصاة ولا ممن أطاع الله ، وإنما ذلك زور . وعلوه عن مرتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يسمعه ابن العربي ممن فيه تقية ، وإنما " إشاعة لمنكر" لأجل تغيير القلوب حتى وإن صح هذا القول ، فالعلماء لم يحلوا دم عثمان و"لم ينكره الصحابة عليه " . أما غياب سيدنا عثمان عن بدر وأحد وعن بيعة الرضوان فيستند فيها ابن العربي على حديثين بيّن عبدالله بن عمر فيهما الأمر ، عندما جاء رجل يسأله عن عثمان وعلي والثاني عن عثمان فقط ؛ خرجهما البخاري . فالحديث الأول ، ذكر فيه عبدالله بن عمر محاسن الرجلين :عثمان ،علي ؛ وهو الأمر الذي لم يستصغه السائل ولم يشف غليله لسماع الأسوء عنهما ، والحديث الثاني أعطى المبرر فيه لعثمان عن كل غياب في هذه الأحداث . فعن بدر رغّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة زوجته زينب بنت رسول الله ، وأن أجر ذلك أجر حضور بدر. وعن عدم حضوره بيعة الرضوان فإن هذه البيعة لم تنعقد إلا بعدما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أهل مكة ؛لأنه لم يكن أحد أعز منه لديهم . فيما لم يتبث في صحيح الأحاديث أسماء الصحابة الذين فروا يوم حنين وإنما أقوال غير مثبوتة منها " أنه مابقي معه إلا العباس وإبناه :عبدالله وقتم (ت 56ه / 675 م )" ، ويضيف ابن العربي " وهو أمر اشترك فيه الصحابة وقد عفا الله عنه ورسوله فلا يحل ذكر ما أسقطه الله ورسوله " . وعن تهمة كتابة كتاب لإبن أبي سرح يتضمن أمرعثمان بقتل من ذكر فيه ، فواجه عثمان المتهمين له بذلك بإحضار شاهدين على ما يدعون ، ثم أقسم بيمينه بانه لم يكتبه ولم يامر به أحدا وقال " وقد يكتب على لسان الرجل ويضرب على خطه وينقش على خاتمه " . وواجهم بتولية الوليد بن عقبة بن أبي معيط (ت61 ه / 680م) لأنه أخاعثمان من أمه ، حيث قال لمتهميه بل "لأنه ابن عمة رسول الله أم حكيم البيضاءجدة عثمان وجدة الوليد لأمهما أروى بنت كريزبن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس" وكانت أم حكيم توأمة عبدالله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرد ابن العربي : "وأي حرج على المرء أن يولي أخاه أو قريبه " . ويحتمل ابن العربي أن عثمان أعطى الحق لعبيد الله بن عمر في قتل الهرمزان ؛الذي قتل أباه الخليفة عمر رضي الله عنه ، بعدما تبث عنده تلبسه بالجريمة ، ولا لوم على عثمان لأنه لم يبايع بعد . وبعد دحض كل الإفتراءات والإدعاءات ينتقل بنا ابن العربي إلى نقل مشاهد من المواجهة المباشرة بين هؤلاء وسيدنا عثمان من خلال استفساراتهم وتساؤلاتهم الوقحة والساذجة بدون أدب واحترام ، اعتمادا على ما سمعه في رحلته المشرقية . قال المفترون : ادع بالمصحف ، فدعا عثمان به . قالوا : اقرء سورة يونس حتى وصل الأية 59 " آلله أذن لكم أم على الله تفترون " فأوقفوه عندها . قالوا له : " أرأيت ما حميت من الحمى ؟ أذن الله لك ام على الله افتريت ؟" عارضهم عثمان بقوله : إنما نزلت في كذا ، وقد حمى عمر ، وزادت عدد الإبل فزدت في الحمى ( المرعى ) . فاستمر المفترون يتعقبونه بالأسئلة " وهو ظاهر عليهم " إلى حين قال لهم : "ماذا تريدون "؟ اتفق عثمان معهم على شروط : من جهة الناقمين 1 – " المنفي يقلب (يعاد) ؛2 - " المحروم يعطى " ؛ 3 – "يوفر الفيء" ؛ 4 – " ويعدل في القسم " ؛ 5 – " ويستعمل الأمانة والقوة " . ومن جهة عثمان شرط واحد الا يشقوا عصا الطاعة ولا يفرقوا جماعة . رجعوا راضين وهم في طريقهم إذ ظهر لهم فارس يحوم حولهم يقترب ويبتعد ، سألوه عما به : قال رسالة من أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ، ففتشوه فإذا بهم يجدون الكتاب يتضمن أمر بصلبهم على لسان عثمان وعليه خاتمه ، فرجعوا المدينة وأتوا عليا فقالوا له : ألا تعلم ما فعل عثمان "عدو الله" كتب فينا بهذا ؟ وقد أصبح دمه حلالا . قالوا له (علي) : هيا معنا إليه ، قال : والله لن أذهب معكم ، قالوا له : لما كتبت إلينا ؟ قال : "والله ما كتبت إليكم فنظر بعضهم إلى بعض وخرج علي من المدينة " . فذهبوا إلى عثمان فسألوه عن الكتاب الذي وجدوه ، فقال لهم : "أما أن تشهدوا على ذلك اثنين من المسلمين أو بينة " ، فرفضوا ذلك منه ونقضوا الميثاق الذي بينهم وبينه . فرضوا عليه الحصار وطلبوا منه خلع قميص الخلافة فامتنع اجتهادا منه وعملا باجتهاد عبدالله بن عمر في عدم فعل ذلك . ويطرح السؤال هنا ، ما موقف الصحابة من حصار فرضه غرباء عن المدينةالمنورة وقلة قليلة من أهلها ؟ وهو الأمر الذي لم يسلم من رواية الكذب فيه وأضاف المدعون أن الصحابة هم من ألبوا عليه . يتدخل ابن العربي ويسوق أدلة مفحمة ، وأثار رواها تبرز مدى حرص الصحابة على حياة عثمان ابن عفان وتقدير شخصه والدفاع عنه كعبدالله بن عمر والحسن والحسين وعبد الله بن الزبير ؛ لكن عثمان ألزم الصحابة الطاعة وعدم الدخول مع المحاصرين له في صراع دموي ؛ قصده من ذلك عدم إراقة دماء المسلمين بسببه . وروى عبدالله بن عامر بن ربيعة (ت 80 ه / 699 م ) في هذا الشأن : " كنت مع عثمان في الدار فقال : أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة ، إلا كف يده وسلاحه ، ثم قال : يا ابن عمر – وعلى ابن عمر سيفه متقلدا – فاجر بين الناس ، فخرج ابن عمر ، ودخلوا فقتلوه . وجاءه زيد بن ثابت فقال له : إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون : إن شئت كنا أنصارا لله مرتين قال : لاحاجة لي في ذلك كفوا . وقال له أبوهريرة ( ت 57 / 676 م) : اليوم طاب الضرب معك . قال: عزمت عليك لتخرجن . وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عنده ، فإنه جاء الحسن والحسين وابن عمر ن وابن الزبير، ومروان ، فعزم عليهم في وضع سلاحهم ، وخروجهم ، ولزوم بيوتهم ، فقال ابن الزبير ومروان : نحن نعزم على أنفسنا ألا نبرح ، ففتح عثمان الباب ، ودخلوا عليه في أصح الأقوال ، فقتله الموت الأسود ، وقيل أخذ ابن أبي بكر بلحيته وذبحه رومان ، وقيل رجل من أهل مصر يقال له حمار ، فسقطت قطرة من دمه على المصحف على قوله : " فسيكفيكهم الله " البقرة 137 فيه ما حكت إلا الآن " . ويقول ابن العربي " قال القاضي أبوبكر رضي الله عنه : فالذي تنخل من ذلك أن عثمان مظلوم ، محجوج بغير حجة ، وأن الصحابة برآء عن دمه بأجمعهم ،لأنه اتوا إرادته ، وسلموا له رأيه في إسلام نفسه ولقد ثبت زائدا إلى ما تقدم عنهم ، أن عبدالله بن الزبير ، قال لعثمان : أنا معك في الدار عصابة مستبصرة ، يغفر الله بأقل منهم ، فأذن لنا ، فقال : اذكّرالله رجلا أراق لي دمه أوقال دما . قال سليط بن أبي سليط ( ت63 ه / 682 م) : نهانا عثمان عن قتالهم فلو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم من أقطارها " . ويضيف ابن العربي "أن أمر عثمان كله سنة ماضية ، وسيرة راضية ، فإنه تحقق أنه مقتول بخبر الصادق له بذلك ، وأنه بشره بالجنة على بلوى تصيبه ، وأنه شهيد " و" أما نصرته فتخلف عنها قوم " من الصحابة 3 "لأنها كانت مسألة اجتهادية . فاجتهد كل واحد وأعمل نظره ، وأصاب قدره " كسعد ابن أبي وقاص ، ومحمد بن مسلمة ، وابن عمر ، وأسامة بن زيد ، وغيرهم من الصحابة والتابعين . ومن خلال هذا العرض ، يستنتج أن عثمان بمنزلته وورعه وتقواه وإحسانه لم يسلم من الباطل ؛ حتى استشهد بسبب ذلك ، فما بالك اليوم ممن جاء من المتأخرين من هذه الأمة وقام بتدبير أمر ما بحسن تدبير . هل يشفع له ذلك من المؤاخذة والتسفيه ؟ لا أظن . لذا لابد من الأخذ بالحذر والحيطة قبل أن يرمي الناس بالباطل ويدعي أن الحق هو الذي بجانبه . وعليه يمكن استخلاص الدروس والعبر التالية : 1 _ ليس كل ما يقال عن أشخاص هو الواقع . 2 _ التثبت قبل إصدار الأحكام وإن عجزالمرء على الإثبات أن يلزم الصمت فهو خير. 3 – الخلافات التي حدثت بين الصحابة هي خلافات اجتهادية في أمور فرعية . 4 – حرمة دم الإنسان من غير إحقاق الحق الظاهر بالحجة والبينة . 7 – الحوار هو السبيل لحل الخلافات بين الناس . المرجع : النص الكامل لكتاب العواصم من القواصم للقاضي أبي بكر بن العربي . تحقيق الدكتور عمار طالبي . مكتبة دار التراث القاهرة ز الطبعة الأولى 1417 / 1997 م .