بقلم : عبد القادر العفسي بأي معنى : إنها رحلت لا شعور مداد القلم، كأنما تنسحب الحياة من الروح ، يتحول الكيبورد أو الأوراق كأنه بجثة خامدة بل عبئ لا يوصف ، انه عبئ السؤال : هل النهاية فكرة أم استراحة مؤقتة ؟ أم أن الذات تبحث عن المعنى ؟ أم أنها عمليات جراحية ترفض الشفاء و تريد الروح الانعتاق من الحياة ؟ تمغربيت ليس إلا وهجا خافتا كالطيف المكسور ، تطارده شظايا الذاكرة كانت يوما ما مجدا : فالظلم يحل محل الظلم و القسوة لا تجيد بديلا سوى قسوة أخرى ، كأن هدا المجال الجغرافي أضحى حلقة دائرية لا فكاك منها تتمحور حول محو الخيانة و الخوف و استعمال أدوات الدولة للقهر الاستلاب…إنها كلمات كانت يوما ما أداة للخلق أصبحت الآن رهينة خوفها ، حيث كانت الكلمات تشع نورا تحولت إلى رماد رمزي : ضحكة تخفي ألما ، و مديح يلدغ كالسخرية … الجمال يحتضر أمام ناظر الطفل، الذي كان الابتسامة رمز براءته، تحجرت ملامحه خوفًا من الموت، الشجرة، التي كانت رمزًا للحياة، باتت ظلًا هشًا ينتظر لحظة السقوط والصوت، الذي كان يحمل الألفة، صار صدى باهتًا، تملؤه الريبة بدل الوئام . أما الهوية أصبحت شبحا تنقسم بينما كان أحلام العيش المشترك؛ الآن تمزقت هذه الأوهام ، فهو عبارة عن صدى بلا جوهر و قلب بلا نبض و إنسان بلا حياة ..انه ضياع وجودي لا مفر منه ، فهل الكلمات و هي جوهر الإنسانية أن تجد بهذا المجال مكانها للرقص ؟ أم أن الكيبور أو الأوراق قد تضيق درعا بالحروف التي تبكي و تئن من وطأة الحاضر ؟ هل الصمت مجرد لحظة انتظار أم أن الاعتراف الخفي بأن الحلم انتهى قبل أن يبدأ ؟ بالتالي : أن النهر الذي يجري دون اكتراث للخطوط ، و الجبل الذي يتجاهل قيودنا المصطنعة ..يفتح أعيننا على حقيقة أعمق : الطبيعة لا تعرف التجزئة ، بل نحن من خلقنا هدا الوهم بأنفسنا ؛ قسمنا اللامتناهي و حولنا الانسيابية إلى قيود ، لكن السؤال الأهم : هل نحن جزء من هذا المجال أم نحن غرباء ؟ تلك القوانين التي تعاقدنا عليها لم تكتف بفصلنا عن الحياة بل فصلت أروحنا عن جوهرها ؟ حين نعيد النظر في هذه المعطيات نجد أن الإشكال ليست في المجال الذي نتقاسمه بل في العقل ؟بمعنى آخر للإجابة ، إليكم دليل من "مقتطفات لمن نكتب" في جغرافيا من جغرافية هذا الوجود : في بلادٍ ما غدت المؤسسات فيها أضرحةً للفساد،و في مشهدٍ تبدو فيه الجغرافيا السياسية أشبه بلوحةٍ عبثية، نجد أنفسنا أمام مشهد عبثيّ يستحق التوثيق بنبرة ساخرة تليق بحجم التراجيديا، بل أمام شبكة من العلاقات الإجرامية التي يُشرّع فيها الفساد ويُقنن فيها الانحطاط : 1_هنا، لا يحكم القانون، بل تسود شريعة الغاب، حيث يتحوّل المسؤول من خادم للمصلحة العامة إلى سيدٍ يُشرّع القوانين وفق أهوائه، ويُعيد صياغة الدولة لتُصبح مرآةً لنزواته . 2_هنا، يتداخل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لخلق بيئة تُنتج الفشل كمنتج طبيعي، لنغوص في تحليل سلوكي يكشف عن آليات هذا الانهيار المدروس . البرلمانيون: مافيات جغرافية بحصانة قانونية البرلماني، الذي يُفترض أن يكون ممثلًا للناس وصوتهم، تحول إلى رئيس عصابة محلية، يحمي مصالحه ومصالح دائرته بقبضة من حديد، هؤلاء لا يرون في البرلمان سوى غطاء قانوني لأنشطتهم المشبوهة، حيث تُدار محال المخدرات والفساد من خلف الكواليس بارتياح كامل، لم يعد التمثيل البرلماني مهنة سياسية بل تجارة مربحة، حيث تُباع القوانين وتُشترى المناصب ، بل إن بعضهم أضاف بعدًا جديدًا لهذه الجغرافيا، فجعلها سُلّمًا للترقي الحكومي، يديرون ملفاتهم في البرلمان كما لو أنها مشاريع شخصية، يتحول فيها المواطن من شريك في الدولة إلى مجرد رقم في معادلات الكسب غير المشروع ! السلطة: شريك استراتيجي في الجريمة حين ننظر إلى السلطة، نجدها لا تكتفي بموقع المتفرج بل على العكس، هي منخرطة بالكامل في اللعبة، تتماهى مع ممثلي الأحزاب الذين تحوّلوا إلى مرتزقة سياسيين، يُغيّرون ولاءاتهم وفق من يدفع أكثر، هنا، نجد الدولة وقد فقدت هويتها الأخلاقية تمامًا، لتُصبح مجرد واجهة تتحرك وفق مصالحها ، يعملون جنبًا إلى جنب في ذلك المجال الجغرافي مع نخبة فاسدة تزرع الخراب وتُديره كأنها تُدير شركة (خاصة)هكذا تتحول السلطة من أداة تنظيم إلى أداة تدمير ، السياسيون ليسوا مجرد لاعبين؛ بل هم شركاء في كل شيء، من التهريب إلى غسيل الأموال! . موظفو الماء والكهرباء: حُراس النعمة أم سماسرة المصائب؟ ثلاثة موظفين كأنهم مثلث برمودا ، منهم من " تهنن" و أخر" تعمرن" وثالث " تصنهج" جماعة من اهل الشفار و النفار و شلة المنافقين و فريق المتسلقين و رابطة المتخاذلين و عصابة من المترصدين المتشدقين و قروب المتسلطين المزعجين المتحذلقين … لا يُعلم أين يبدأ الفساد ولا أين ينتهي ، يتعاملون مع الماء والكهرباء كما لو أنهما إرث خاص، يتحكمون في تدفقهما وفق قوانين السوق السوداء، هؤلاء الهمجيين العفنين أصحاب مشية العرجل ليسوا مجرد موظفين؛ بل حكام بأمر الله في مملكة الخدمات، هم القانون، هم الدولة، وهم من يقرر إن كانت العتمة ستزول أم أنها قدر محتوم، أمّا السمسرة و الفساد ، فهي شريعتهم المقدسة، وعقيدتهم في الحياة...! مدير الديوان: الإله اليوناني أما مدير الديوان، فلا تكفيه صفة الفساد التقليدي؛ بل يُصر على أن يُمارس هوايات أكثر تفرداً، كأنه أحد آلهة الأولمب المنفيين، يجمع بين المكر وممارسة طقوس السحر الأسود الأكثر شرا بأحرزة لتثقيف المنزل ! المسروق أو لحس العقل للمسؤولين … يلتف حوله حاشية من التابعين الذين يرون فيه نبوءة الخلود، لا يكتفي بالسلطة بل يزجّ بأتباعه في طقوسٍ منحرفة، مؤكداً أن الفساد له ألوانٌ أوسع من مجرد استغلال المال العام ! رئيس البلدية: هشٌّ في مواجهة عقدة البيولوجيا وعلى الجانب الآخر، رئيس البلدية، كائن تكسّرت أمامه معاني القوة، هشٌّ كأنه خُلق من زجاجٍ قابلٍ للكسر بأبسط نسمة، يحمل في داخله عقدةً بيولوجية تُعزّز قابليته للعبودية، يخضع لكل من يعلوه مرتبةً، وينظر إلى القوانين على أنها قيدٌ عليه التحرر منه، وجوده في السلطة ليس إلا تجسيداً لضعف النظام بأسره . تحليل سلوكي: الكائن الفاسد ومفاهيم السلطة السلوك الذي يحكم هذا المشهد ليس عشوائيًا؛ بل هو نتاج ثقافة متجذرة في البيروقراطية المُعطّلة ومنظومة كاملة التي تُقدّم الولاء الشخصي على الصالح العام، الكائن الفاسد هنا ليس فردًا؛ بل هو بنية عقلية تُعيد إنتاج ذاتها باستمرار .. من خلال : 1_عقلية الامتياز: كل مسؤول يرى في منصبه فرصة للهيمنة واستغلال الثروات ،هذا السلوك ينبع من شعور داخلي بأن الدولة كيان قابل للاستنزاف لا أكثر. 2_عقلية الإقصاء: لا مكان للتنافس الشريف، بل تسود سياسات الإقصاء وتصفية الحسابات، حيث يُستبدل الكفء بالمطيع، والمستحق بالتابع . 3_عقلية التواطؤ الجماعي: الفساد هنا ليس سلوكًا فرديًا؛ بل هو نظام اجتماعي، حيث الجميع شريك في الخطيئة، هذه البنية السلوكية تُفسر لماذا يصعب اقتلاع الفساد؛ لأنه مرتبط بشبكة معقدة من الولاءات والمصالح . مؤسسات مغيبة وحكومة فاسدة مع هذا المشهد، تتحول المؤسسات إلى واجهات بلا جوهر، هيكلها قائم، لكنها تفتقر إلى أي مضمون وظيفي، كل قرار يُصدر من الحكومة المركزية لا يحمل إلا بصمات الانتهازية والتدمير ، الحكومة المركزية لا تسعى للإصلاح، بل تتفنن في تعميق الجراح كما لو أنها (الحكومة)خرائب بالية تنهار بفعل الزمن .. نعم ،تتآكل ثقة المواطن في الدولة، ويزداد شعوره بالاغتراب عنها، لا شيء يُدار بالمنطق، وكل شيء يُدار بالنفوذ، المؤسسات لا تُنتج خدمات، بل تُنتج خيبات أمل ! الخاتمة التي لا تنتهي : أين الدولة؟ الدولة في الحكاية من هذا المجال الجغرافي ، هنا ليست كيانًا سياديًا إنه هيكلٌ عظميّ بلا روح، يتنقل بين أيدي الفاسدين الذين لا يُتقنون إلا فنون النهب والتدمير، بل مسرحًا تُدار فيه أدوارٌ محسوبة بدقة، السؤال عن مكان الدولة أشبه بالسؤال عن شيء لم يعد موجودًا؛ فالدولة ماتت يوم تحوّلت مؤسساتها إلى أدواتٍ للفساد، وسلطتها إلى شريكٍ في الجريمة،قد يجيب أخر أنها موجودة، لكنها تُشبه مومياء محنّطة، معروضة للزينة فقط ،القانون مات، والدولة دفنته بيدها ، وحين تسأل: أين القانون؟ يأتيك الجواب بضحكة ساخرة ! الدولة هنا ليست إلا فكرة تُذكر في الشعارات والخطابات، لكنها غائبة تمامًا عن الواقع ، و الباقي شهود على هذه الكارثة، ليسوا إلا شهود زور في جنازة وطن يُدفن يومًا بعد يوم تحت أنقاض الفساد .