بقلم عادل امليلح – طالب باحث في سلك الماستر في كل مرة ولجت فيها وسائل التواصل الاجتماعي، صادفت نقاشات محتدمة حول مسألة العلاقات الاجتماعية، وخاصة مؤسسة الأسرة، وما يرتبط بها من زواج ووظائف اجتماعية وتربوية وغيرها، ويبدو جليا لي أن هناك صراعا اجتماعيا يتولد ويسير في مسار تصادمي، تؤطره وجهات نظر متعددة ومتباينة حسب خلفيات أصحابها، ونحن لا ندعي محاكمة هذه المواقف، بل الغرض هو جردها عرضها، ويمكن في هذا الصدد أن نعدد العديد من المواقف: – الموقف الثقافي المحافظ: ففيما يتعلق بمسألة المرأة فإن هناك رفضا تاما للوظائف الجديدة التي أصبحت تضطلع بها المرأة خارج دائرة الأسرة "البيت"، حيث يرى أصحابه أن خروج المرأة للعمل وتقلدها مناصب القرار السياسي والاقتصادي مما يمنحها نوعا من الاستقلالية، تسهم في إضعاف التماسك الاجتماعي، ويحاجج أصحاب هذا الموقف على أن مسألة المساواة بين الجنسين على هذا المستوى غير ممكنة، بل يجب أن يستمر المجتمع في سيرورة تقسيم المهام جنسيا، وغالبا ما يستمد هذا الموقف توجهه من التقاليد والدين، حيث يدافع عن نفسه من خلال العديد من النصوص الدينية والرموز العرفية، وهو صراحة يرفض تماما خروج المرأة للعمل.. – الموقف الثاني: وهو موقف ذو خلفية اقتصادية صرفة، ينطلق أصحابه من أن، تمكين المرأة من مناصب الشغل ينتج عنه ارتفاع في نسب العزوف عن الزواج والتفكك الأسري، على اعتبار أن هذا الانتقال الاقتصادي لا يواكبه انتقالا ثقافيا، فما زال الرجل يحتفظ بالأعراف والقيم ذاتها، باعتباره يمتلك زمام المبادرة في بناء الأسرة، عكس المرأة، فالرجل مباشرة بعد حصوله على العمل يبادر لتكرين الأسرة وبالتالي يساهم في تماسك المجتمع واستمراره، لذلك ينادي أصحابه بإعطاء الأولوية للرجال عن النساء في شؤون العمل. – موقف ذو خلفية تربوية: ينطلق من الأسرة كمؤسسة ويعتبر أنه مهما يكن من تصوير بجدوى إمكانية المساواة بين الجنسين، فإنه لا يمكن تحقيق ذلك تربويا وبيولوجيا وعاطفيا، على اعتبار أن المرأة لا يمكن أن تعوض الوظيفة التربوية للرجل داخل الأسرة، وذلك راجع بالأساس لدور السلطوية الرجولية في ضبط الأبناء وضمان احترام القواعد والضوابط الأسرية، والحد من الرغابات النَّزَاعة للفردانية والأنانية، وهو ما لا تقدر عليه المرأة المغلوبة بجانبها العاطفي، بل يستمد هذا التيار مواقفه من علم النفس ذاته، على اعتبار أن الشخصية المتوازنة للطفل تنبني في إطار من السلطة والحنان، إذ لا يمكن للمرأة وحدها أن تكون هذا المزيج، كما يرفض أصحابه الظاهرة الجديدة لما يعرف بتقسيم المهام داخل الأسرة، ويعتقد بوظيفية الأدوار الاجتماعية الطبيعية.. – الموقف الاجتماعي: يتجاوز أصحابه مسألة المساواة إلى العدالة، أي العدالة الزوجية كأساس للحفاظ على التماسك الاجتماعي، وهذه العدالة لا يمكن أن تأتي من الخارج أي من خلال قوانين ومراسيم، بل مصدرها من الداخل، أي من اقتناع شخصي متبادل، حيث تكون الأسرة أهم من الأفراد، مما يُلزم المرونة التامة في التعاطي مع الأمور وتأدية الوظائف، فالجميع في خدمة الكل الذي هو الأسرة، وعليه يجب الابتعاد عن منطق السوق في التعاطي مع المهام، بل يرتكز ذلك على الجوانب العاطفية والرومانسية في لعب الأدوار، من خلال تحمل المسؤولية في إطار الواجب. – الموقف العلماني الحقوقي: يؤمن أصحاب هذا الموقف بضرورة المساواة المطلقة بين الجنسين في كافة مناحي الحياة والدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها، ويؤمن بوظيفة المرأة خارج دائرة الأسرة، ويعارض بشدة الموقف الكلاسيكي الرافض لهذه المساواة، ورفع أصحابه شعار حقوف الإنسان، ويرفضون أي تمييز في وظائف المرأة، وينطلقون من نماذج دولية لنساء تقلدن مناصب الزعامة السياسية والاقتصادية، كما ينطلق من التفاوتات الحالية في معدلات النجاح والتفوق الدراسي، والعديد منهم منخرط في جمعيات حقوقية وأحزاب يسارية للدفاع عن حقوق النساء، ويستمد خلفياته من العلمانية، من خلال الفصل بين الدين والاخلاق. واخضاع المجتمع للقانون الوضعي الذي مصدره العقل. – الموقف القانوني: ينطلق أصحاب هذا الموقف من الخلفية القانونية، ويعتبرون أن القوانين المعاصرة تصب في صالح المرأة وليس الرجل أو الأسرة، فهي توسع من صلاحياتها بينما تقنن صلاحيات الرجل وتقيد وظائفه التاريخية، وهي قوانين ذات خلفية ليبيرالية الغرض منها خلق مجتمع أفراد، إذ يعتقدون أن قوانين الأسرة هي في واقع الأمر تشجع على التفكك، بما تمنحه من تسهيلات في حالات الطلاق والنفقة وتمتد لتمس حميمية الطرفين، حيث أنها تخضع الحياة الحميمية لمنطق الرقابة والمساءلة القانونية، ويتحججون بالكم الهائل للملفات المتراكمة على محاكم الأسرة. على اعتبار أن ما يسمى بحقوق المرأة لا يراعي خصوصيات الأسرة، ولا طبيعة الأفراد المتباينة، فلا يمكن تطبيق الأحكام المجردة بشكل صوري على مؤسسة عريقة مؤثرة ومتأثرة بالديناميات الاجتماعية، كما لا يعود للأسرة معنى إذا أصبحت منظمة بقوانين شاملة تمتد لكل أركانها الاجتماعية والحميمية، ويرون أن هذه القوانين صراحة ليست موجهة لتحرير المرأة وإنما لاستعبادها فالغاية ادماجها في دورة الإنتاج الرأسمالي المبني على علاقات الاستغلال، وأن المقاربة القانونية ذات بعد أحادي، فهي تسعى لتحرير المرأة اجتماعيا واستغلالها اقتصاديا من لدن أرباب المعامل، الذين لا يعطون أي حقوق للنساء العاملات، ويرفعون شعار freedom at home, slavery at work.. وبالتالي لا يمكن الاعتقاد بأن هذه التشريعات بريئة، بل هي وسيلة من وسائل الاستغلال الرأسمالي، وأن غالبا المستفيد من ذلك هم النساء الأرستوقراطيات اللائي يتخذن من ذلك جسرا وواجهة للترقي الاجتماعي وبلوغ مناصب القرار، عكس القاعدة، والمرأة القروية التي تعاني التهميش والاقصاء. – الموقف العدمي: يرفض أصحاب هذا الموقف الزواج من الأساس، ويعتبرون أن مؤسسة الزواج لعبة اجتماعية عتيقة عفى عنها الزمن، الغرض منها التسلط على الرجل وحرمانه من سلطته وحقوقه الطبيعية، وهذا الموقف ينظر للمرأة نظرة ثانوية، فمكانها الطبيعي أن تبقى تابعة للرجل، خاضعة لمنطقه وسلطته باعتباره سيد العالم، ويعتقدون أن الزواج يقيد ذلك قانونيا، بأن يصبح الرجل خاضعا لعدة التزامات ليست في صالحه، وغالبا ما يختزل أصحاب هذا الموقف المرأة في الوظيفة الجنسية فقط، ويحاكمونها على هذا الأساس، ولذلك يحاجج أصحابه بأن أفضل حماية للرجل عدم الانخراط أساسا في أي زواج، كما يحاجج بأن الظروف التاريخة تلزم بالابتعاد عن الإنجاب، فالطفل الذي سيأتي لهذا العالم دون وجود شروط تساعده على ضمان نمط ما من العيش، من الأفضل أن يبقى في ركن العدم، فالإنجاب مكلف ماديا ونفسيا واجتماعيا. لكنهم لا يرفضون العلاقات الاجتماعية والحميمية خارج أية مؤسسة اجتماعية. – الموقف العدواني: يمكن القول بأنه النسخة الرجولة للتيار النسائي، وهو موقف منتشر بشكل كبير، لا يتوقف أصحابه عند رفض الزواج وحسب، بل وينظرون إلى المرأة كعدو أوجبه شرك الطبيعة، فالمرأة فخ اجتماعي نصبته الطبيعة للرجل، فحجتهم أن المرأة كائن استغلالي ومتلاعب، وأن سمتها الخداع والاحتيال، وأن أفضل طريقة للتعامل معها هي طريقة التعامل مع الحيوان، فكل أشكال العنف جائزة، فالرجل في نظرهم سيد العالم، وربما ذهب بعضهم لاعتبار المرأة وسيلة من وسائل الطبيعة مسخرة خدمة للرجل، وبعضهم يرفض أن ينخرط الرجل في أية علاقة مع المرأة، وبعضهم ليس له أي رغبة اتجاه المرأة، فالرجل مكتفيا بذاته وليس في حاجة إلى المرأة أو هي ليست ضرورية له، كما يعتبر أن المرأة مهما ادعت من تحرر واستقلالية فهي لا يمكنها أن تكذب عندما يتعلق الأمر بالجانب البيولوجي المرتبط بسن الإنجاب، إن سن الانجاب هو ما يحتم عليها أن تضعف مع الوقت، لأنه لا يكون لها الحظوظ في الحصول على شريك.. وبالتالي كلما تقدمت المرأة في السن إلا وكان ذلك على حساب حريتها واستقلاليتها، عكس الرجل. – الموقف الوظيفي المادي: يري أصحابه أنه يجب تعميم المساواة بين الجانبين، ولا يجب أن تقف فقط في حدود الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل يجب أن تمنح للطرفين الحق في تقاسم الأعباء المادية داخل الأسرة، ويدافع أصحابها الذين غالبا هم موظفون عن هذا الطرح، فهم يرفضون الزواج من المرأة غير العاملة، ويرون أن التعاقد حول الأعباء الأسرية سيزيد من فرص الأسرة في ضمان حياة ذات جودة ويخفف من تكاليف المعيشة ويمنح للأبناء مستقبلا أفضل. إن هذه المواقف على تعددها ليست مؤطرة بقواعد موضوعية تضبطها وتحكمها، ولا هي نتاج بحث منهجي، فهي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي كمواقف متقاطعة أحيانا ومتداخلة فيما بينها أحيانا أخرى، وهو نقاش محتدم، ليس فقط بين الرجال والنساء، بل وبين الرجال والشباب أنفسهم، وهذا النقاش يعبر عن نفسه بمجموعة من الرموز النصية والصورية، وغالبا ما يأخذ منطق سجالي، بين مؤيد ومعارض، وبين متقبل ورافض، ولا يتحرج أصحابه من اشهار نعوت قدحية لمحاكمة خصومهم… لكن السؤال الموضوعي لماذا هذا النقاش يطفو على السطح الآن؟ لماذا يطرح راهنيا بهذه الحدة ويأخذ هذا السجال المستعر؟ ينبغي بداية التنبيه للسياق العام: – سياق العولمة: مما لا شك فيه أن العولمة تسير نحو تكريس الثقافة الغربية الأحادية من خلال فرض النموذج الثقافي الغربي، كبديل عن كل النماذج العالمية الأخرى، مما يعني حدوث عملية اختراق ثقافي، وهذا الوضع ينتج عنه تحولات عنيفة داخل المجتمع، على مستوى القيم المجتمعية والقناعات الفردية، على اعتبار أن النموذج الغربي المتمركز على الفرد وحده من يساهم في تفكيك البنيات الاجتماعية، وبدون وجود سياسة ثقافية ترم ضمان التكامل بين النموذج الغازي "الدخيل" والنموذج المحلي، فإن المجتمع يصبح مرتعا لكل الويلات غير المتحكم فيها، فإذا كان المجتمع الرأسمالي مجتمع أفراد، فإن المجتمع الإسلامي هو مجتمع الأسرة والأمة والخلافة، وبالتالي ينجم نوع من التركيب والامتزاج غير الصحي داخل المجتمع، ويمتد ذلك للأذهان والتصورات الفردية، فالنموذج البسكوني (نسبة إلى العالم السوسيولوجي المغربي Paul Pascon) للمجتمع المركب أو المزيج قد يتعايش فيما يتعلق بأنماط الإنتاج المادي، لكن ذلك غير ممكن على مستوى أنماط العلاقات الاجتماعية.. – الثورة الإعلامية: لقد ترتب عن الإنتشار الواسع والقياسي لوسائل الاعلام تداخل عنيف بين الثقافات المتعددة بمختلف أشكالها، مما نقل مجموعة من السلوكيات والمعتقدات من ثقافة إلى أخرى، بل وظهور جزر ثقافية متعددة وغير مستقرة داخل المجتمع الواحد، كما أن تأثير هذه المسائل غير خاضع لعملية الضبط الاجتماعي والثقافي، فهو بمثابة محيط غير مدرك الحدود، يتيح للإنسان مساحة غير محدودة للتبادلات الثقافية والقيمية، وأن من سمة هذه الوسائل التغيرات المتسارعة مما يتجاوز حدود الإدراك الفردي، فهذه الوسائل يترتب عنها حقيقة تراجع الأدوار التربوية لكل المؤسسات الاجتماعية الأخرى من أسرة ومدرسة ومسجد… – ثورة الميديا على صعيد المسلسلات والبرامج التي تستهدف في واقع الحال اعادة برمجة الوعي الاجتماعي، وينقل علاقات اجتماعية مختلفة، وبما أن السينما تظل في دائرة المتخيل الاجتماعي والثقافي، إلى أن أثارها مدمرة، من خلال مساعي مستمرة لتكرير المشاهد أو النماذج المقدمة واقعيا، فذلك غير ممكن حتى في المجتمع المنتج لتكل الأنماط السينمائية ذاتها، ويفسر ذلك المقاطع القصيرة التي تنتشر في موقع YouTube، والتي يتم من خلالها التعبير عن مواقف اجتماعية معينة، وهي غالبا تقدم نماذج اجتماعية متعارضة مع تلك الموجودة في الواقع. – ينبغي التنبيه إلى أن ملامح هذه النقاشات على اختلاف أوجهها لا يختلف كثيرا مع النقاشات التي تروج عبر المعمور، فهناك تقارب كبير بين التصورات الاجتماعية في البلدان الإسلامية وباقي مناطق العالم، ويظهر ذلك من خلال الاستشهادات المتكررة التي تكون عادة مرتبط بمؤثرين ورجال فكر أجانب، مثل Philip Zimbardo و Jordan Petrson وغيرهم. – لا يمكن التغاضي عن انتشار ظاهرة pornographie والتي تلقى اقبالا كبيرا من طرف الشباب العربي، ذلك أن التعرض المستمر للمشاهد الإباحية ينتج عنه انقلابات عميقة في التصورات الفردية للجنس والإنسان بصفة عامة، وعادة ما يتولد عن ذلك اضطرابات خطيرة، تجعل الإنسان يقلل من شأن العلاقات الواقعية وتشكل له البديل، فسهولة الوصول والاتاحة المجانية والتجديد المستمر للمرئيات الجنسية، كل ذلك يقلل من الجهد المبذول لبلوغ المبتغى الجنسي، عكس الحياة الواقعية التي تستلزم جهدا كبيرا لبلوغ تلك الرغبات، كما أن pornographie يشوه تصورات الإنسان للعلاقات الاجتماعية والحميمية، ويكرس العجز الجنسي والخوف وفقدان الثقة.. – تداخل العوالم: يجد الإنسان المعاصر نفسه في أقل تقدير بهويتين وضمن عالمين مختلفين فزيائيا، هوية رقمية منبعها العالم الرقمي أو الافتراضي، تتسم بالتسارع، كل العلاقات ضمنه سائلة ومكثفة وتخضع لمنطق اللحظة، وتنبني على الاشباع اللحظي. وهوية واقعية، منبعها التنشئة والعلاقات الاجتماعية قوامها المسافات الزمنية، مما يمنح للإنسان فرصة للتفكير والتعديل والتريث في اتخاذ القرارات، وكل ذلك ينسجم وطبيعة العلاقات الاجتماعية. – طغيان الاعتبارات المادية على الاعتبارات الاجتماعية أو كما يسميه جورج زيمل المجتمع النقدي، أي تكميم المجتمع (جعله قيم كمية)، والتعامل معه بمنطق العرض والطلب، بمعنى قواعد السوق، فإذا كانت القاعدة حسب أدم سميث دعه يذهب دعه يعمل، فإن القاعدة اليوم دعه يغير دعه يختار.. فالارتكاز على العوامل المادية لوحده في العلاقات الاجتماعية غير كافي، فلا يمكن الحكم على أي مجتمع أو جماعة بمنطق الكسب والخسارة كم يحدث مع قيم البورصة، لكن اليوم يتم التداول في الشؤون المالية من خلال امتلاك منزل، عمل، أجرة، ثمن الخطبة، ملحقات العقد، ثمن العرس… مما يصعب عملية العلاقات الاجتماعية داخل أي مؤسسة اجتماعية، ويشجع كل أشكال العلاقات خارج دائرة المؤسسات بفعل المجانية. – ارتفاع نسب العزوف عن الزواج والطلاق ونسب القضايا القانونية والمنازعات الأسرية، فذلك واقع، إذ ويتم في كل سنة نشر تقارير مرعبة عن نسب العزوف عن الزواج ونسب الطلاق والقضايا المعروضة على المحاكم خاصة محاكم الأسرة، مما يعكس صراحة التحول السلبي الذي يتعرض له المجتمع، وهو تحول يحمل مخاطر كبيرة وتحديات ستصبح شائكة في المستقبل القريب، حيث أن المجتمع يسير نحو بوار اجتماعي خطير، فالمؤسسات تسهل عملية الطلاق على عملية التصالح وتجاوز الخلافات.. – في تقديري المتواضع أكتشف أن العديد مما ينخرطون في هذه النقاشات هم عادة شبان ومراهقين يافعين، ولم يتمكنوا من ولوج مؤسسات الزواج بعد، لكن استمرار هذه التصورات سيوطد مستقبلا الظواهر الاجتماعية الشاذة والخطيرة، والتي يمكن القول أن جميع المسارات كانت تدعمها مواقف نسوية أو نسائية، مواقف قانونية أو ثقافية، سياسية أم اقتصادية، كلها تنحو نحو التعارض مع مبادئ الأسرة التقليدية، فهل هي حرب ضد الأسرة؟ وفي الختام فإن هذا السرد لا يمكن أن يعوض الضرورة السوسيولوجية والسيكولوجية لتفسير هذه الظواهر الاجتماعية، كما أن المجتمع عليه أن يدرك أن الأمن الاجتماعي ليس أقل من الأمن العسكري والسياسي، فالاستقرار الاجتماعي تغذيه القيم الثقافية المتماسكة، وعليه لا بد من وجود برنامج وطني للأمن الاجتماعي، وفي سبيل بناء ذلك يتطلب الأمر الدراسات الموضوعية والنقاشات الموسعة لفهم مواطن الخلل، وتشخيصها، نعلم جميعا أن هذه التصورات ليست طبيعية، بل هي نتاج ومنتوج لعمليات عدة، وأن الأساس الاجتماعي هو الأسرة، ومما لا شك فيه أن النموذج الغربي للعلاقات الاجتماعية والعاطفية سيخضع للقريب العاجل لإعادة المساءلة، فالعديد من القوانين ستختفي، وأخرى ستخضع لتعديلات، فما إلغاء قانون الإجهاض ومنعه في الولاياتالمتحدةالأمريكية سوى البداية، لما يمكن أن أسميه عصر التعدد واعادة إحياء القيم، فصعود اليمين المتطرف في أوربا وبروز التيارات المحافظة وكذا تراجع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان لصالح قضايا الأمن، كل ذلك سيعيد النظر في العديد من المسلمات الاجتماعية الحالية.. وربما يدفع الجيل الحالي الثمن!!