الحديث عن مقاومة الغزو الاستعماري في الشمال كما في عموم المغرب لم يكن حالة أو قضية فردية ولا رغبة انفصالية أو فئوية، بل كانت ظاهرة وطنية ومطلبا تحرريا في كل المجالات، والدليل هو الفئات التي كانت تسهم في المقاومة قيادة وقاعدة؛ وما نقدمه في هذا الموضوع يدلل على ذلك، فتصفح الأسماء المشاركة في هذا المؤتمر والقيادات التي ترأست الحركات والدعوة للجهاد خير شاهد على ما ذهبنا إليه. التمهيد للمؤتمر عندما استقر الشريف الريسوني بالزينات بدأ القوم يتواردون عليه، البعض منهم من تلقاء أنفسهم، والبعض باستدعاء منه، وكان أول عمل قام به، تنظيم محلة من مائة رجل مجهزة ببنادق اخماسية (خمس طلقات)، اشتراها من سوق السلاح بطنجة وسلمها يوم 29 أبريل للقائد العياشي الزلال من بني امصور، كما عزز رباط شريف تاكزيرت بدار بن قريش بالسلاح والمال، ثم وجه رسائل لرؤساء القبائل يدعوهم لاجتماع عام بزاوية سيدي يوسف التليدي بقبيلة لخماس من أجل اتخاد موقف موحد ضد التدخل الإسباني. انعقد الاجتماع يوم 7 ماي 1912 حضره رؤساء القبائل من غير وجوده، حيث اكتفى ببعث رسالة للمجتمعين حتى لا يقال بأنه يريد ترأسهم، تدعو للجهاد، وأسفر الاجتماع على تنظيم حركات جهادية في كل قبيلة على أن يعودوا للاجتماع في مؤتمر عام بعزيب الحاج قدور بالفحص بعد أربعة أيام. انعقاد المؤتمر في يوم 4 جمادى الثانية 1331 موافق 11 ماي 1912 تم انعقاد المؤتمر بعزيب الحاج قدور بعين الدالية بقبيلة الفحص تحت رئاسة الشريف الريسوني بحضور ممثلي القبائل التالية: – بني اعروس ينوب عنها عشرة مندوبين. – وادراس يمثلها ثمانية أشخاص. – بني امصور يمثلها ثمانية أشخاص. – جبل احبيب يمثله سبعة أفراد. – بني حزمر يمثلها أربعة أفراد. – بني يدر يمثلها تسعة أفراد. – بني حسان يمثلها أربعة أشخاص. – بني كرفط يمثلها تسعة أشخاص. – بني يسف يمثلها خمسة أفراد. – أهل اسريف يمثلها أربعة أفراد. – الغربية ممثل واحد. – الساحل أربعة أشخاص. – لخلوط ممثلان. – سماتة أربعة أشخاص. – الحوز ممثلان. – انجرة عشرة أشخاص. – الفحص ممثلان. – بني سعيد ثلاثة أشخاص. – بني ليث ممثل واحد. – غمارة ولخماس وبني احمد خمسة عشر فردا. وقد صدر عن المؤتمر القرارات التالية: – إعلان الجهاد ضد التدخل الاسباني. – إسناد إمارة الجهاد للشريف الريسوني. – جعل مشاركة القبائل في تكوين الحركات أمرا إجباريا على كل من يمكنه حمل السلاح، وذلك عن طريق التناوب المعروف ب"الدالة". – تكوين محلة نظامية منظمة على الطريقة العصرية، تتكلف قيادة الثورة بتموينها وتزويدها بالسلاح والعتاد. – تكوين لفيف متنقل من 100 راجل و50 فارس، تكون مهمته ربط الاتصال بين المراكز المختلفة. – إحداث رباطات عديدة في الأماكن الاستراتيجية تقابل المراكز المهمة المحتلة من طرف الجيش الاسباني. – إحداث خزائن للسلاح والعتاد في كل قبيلة. – تعيين قائد على رأس كل قبيلة يكون مسؤولا عن الأمن وشؤون الجهاد في قبيلته. – تأليف مجلس أعلى للمقاومة تكون مهمته اتخاذ القرارات الخطيرة ويجتمع بطلب من الشريف الريسوني مكون من السادة: محمد ولد احميدو الخراز، عبد السلام بن دكون ولد الفار، احمد الريسوني السماوي، العياشي الزلال، مصطفى الريسوني، علي الريسوني، عبد الكريم ولد لمعلم. – تأليف مجلس استشاري للمقاومة يتكون من علماء القبائل الفقهاء، السادة: من الاخماس شيخ الجماعة الفقيه محمد بن دكون، القاضي الطيب الزباخ، العلامة احمد بن خجو، القاضي محمد المعطي العمراني. من اغزاوة شيخ الجماعة محمد لعبودي. من بني اعروس شيخ الجماعة محمد بن الحسين بن حليمة. من بني مسارة شيخ الجماعة محمد بن الطيب كنون. من رهونة شيخ الجماعة العياشي بن رحمون. من وادراس شيخ الجماعة السني الوزاني. من بني كرفط شيخ الجماعة محمد الصروخ والعلامة محمد غيلان. من لخلوط شيخ الجماعة القاضي المبارك الخمال. من أهل سريف القاضي احمد الطاهر الحراق. من بني يسف شيخ الجماعة محمد بن عتو. من الساحل العلامة احمد اليملاحي. من سماتة العلامة محمد عياد والعلامة محمد الشدادي. من بداوة الفقيه احمد مورصو. من جبل الحبيب العلامة عبد السلام بن يرماق والعلامة عبد السلام بن الحاج. من بني منصور شيخ الجماعة احمد بن الرشدي. من الفحص شيخ الجماعة محمد التومي. من الغربية شيخ الجماعة المختار العلمي. من بني يدر شيخ الجماعة عبد السلام السرحاني. من انجرة شيخ الجماعة محمد تاج الدين بن عجيبة. من غمارة العلامة احمد الخراز والعلامة عبد القادر اخريم والعلامة محمد المكي الحليمي. من شفشاون العلامة علي بن محمد بن الأمين العلمي. وانتخب رئيسا لهذا المجلس العام العلامة الفقيه محمد الحراق. وفي نفس اليوم 11 ماي وجه الشريف الريسوني بصفته أمير الجهاد إلى جميع القبائل رسالة دورية يخبرهم فيها بالقرارات التي اتخذها المؤتمر، ويحثهم فيها على الدفاع عن الدين والوطن والملة. وبعد المؤتمر بدأ مبعوثو الريسوني يتجولون في القبائل وينادون بالجهاد ضد النصارى، وكان على رأس المبعوثين سيدي محمد بن سيدي الحسن من مدشر تاكزارت والفقيه سيدي محمد الحراق الذي كان له صيت كبير خاصة أنه قام بتعليم ابنا السلطان مولاي الحسن منهم مولاي حفيظ، وكان خطباء الساجد يعززون تلك الدعوات على المنابر في صلاة الجمعة. وقد أحاط الريسوني تطوان بعدة حركات للهجوم على القوات الإسبانية بها، وعلى رأس تلك الحركات كل من ولد الفار من الاخماس، وسيدي لحسن من بني اعروس، والعلامة محمد الصروخ ومحمد غيلان بني كرفط، والطويلب من الحوز، والغالي والغرغاري من غمارة، والسعيدي والحاج العربي الحسناوي وولد القنجاع من انجرة، واحميدو السكان من بني يدر. أما المعارك التي قادها هذا الحلف فهي: – معركة اللوزيين الأولى في 11 يونيو 1913، كلفت الجيش الإسباني ثمنا باهضا تمثل في 202 قتيلا فيهم 21 ضابطا ورئيسا. – معركة اللوزيين الثانية في 12 يونيو، فقد فيها الإسبان أكثر من مائتي رجل. – معركة اللوزيين الثالثة يوم 15 يونيو، فقد فيها الإسبان 71 قتيلا. وفي يوم 18 يونيو تم الهجوم على مركز اربعاء العياشة بقبيلة بني اعروس، وفي اليوم التالي جرت معركة قرب قنطرة بوصفيحة بقبيلة وادراس، ويوم 22 منه هوجم مركز سوق الثلاثاء الرسانة، ويوم 23 جرت معركة قرب أصيلا، وفي 24 جرت معركة اللوزيين الرابعة، فقد فيها الإسبان 115 رجل فيهم رئيس وعشرة ضباط، وقد دارت معارك حول تطوان بين 8 يوليو 11 غشت، فقد الإسبان فيها ستة ضباط وستين جنديا وتسعة مدنيين إسبان. – معركة صدينة في الحادي عشر من يوليوز قرب مدشر صدينة بقبيلة الحوز، فقد الاسبان فيها رئيسا وسبعة ضباط وسبعة وتسعين جنديا. – معركة بوعودة في الأسبوع الثاني من شهر يوليوز، وتعرف أيضا بمعركة الغربية يوم 14 يوليوز هزم فيها سلفستر الذي قدم ليحتل مدشر الرفايف كان من شهدائها القائد الأمين بن لفقيه بن يرماق. – معركة الطلبة في آخر يوم من يوليوز. – معركة تركونت ببني كرفط يوم 18 اكتوبر 1913. – معركة ظهر بوفارس بقبيلة الغربية يوم 5 نونبر 1913. – معركة سيدي عمر قيطون بقبيلة أهل اسريف يوم إحدى عشر منه. – معركتا الكدية الزرقاء الأولى والثانية بنفس القبيلة ليومي 22 و30 منه. – معركة السكدلة بقبيلة الفحص يوم 22 دجنبر. – معركة بني ستلم بقبيلة الحوز في فاتح يبراير1914، قتل فيها للإسبان رئيسان وخمسة ضباط و41 جنديا. – معركة لحواطي بقبيلة اهل اسريف يوم ثالث مارس 1914. – معركة مولاي بوسلهام بقبيلة بني كرفط يوم16 منه. – معركة القلالين بقبيلة الحوز يوم 5 أبريل. – معركة كدية القصيبة بقبيلة بني اعروس يوم 11 ماي 1914. – معركة شرف الحمام بقبيلة الغربية ليوم 13 شتنبر و19 أكتوبر. – معركة البيبان بقبيلة الفحص لنفس اليوم. – معركة الركايع بالفحص يوم 18 نونبر. – معركة كدية الريبة الثانية بنفس اليوم. وقد بلغ عدد قتلى القوات الإسبانية في أواخر سنة 1914 بعد احتلال ما يقارب من ثلاثين مركزا في ناحية اجبالة والهبط ما يزيد عن ثلاثة آلاف رجل. انعقاد المؤتمر الثاني العام للثورة في أوائل شهر يناير 1915 بدعوة من الشريف الريسوني انعقد مؤتمر عام للثورة في شهر يناير 1915 بمدشر الزاوية بقبيلة جبل الحبيب يوم 11 منه، وحضره زيادة على القبائل الهبطية والغمارية والجبلية رؤساء ممثلون عن قبائل بني سعيد وبني مستارة وغزاوة وبني زروال وبني كرفط وبني مزكلدة ورهونة، وكان كل رئيس منهم مرفوقا بخمسة من أعيان وشرفاء وعلماء قبيلته، ولم يغب إلا ممثلو قبيلة انجرة. واتفق المؤتمرون على تجديد الثقة في الشريف الريسوني كأمير للجهاد وصفته الصحافة الاستعمارية بسلطان اجبالة، وانه ألف حكومة برئاسته بيد أن الحقيقة هي أن المؤتمر عين ثلاثة وكلاء بجانبه، يختص الأول بالمالية، والثاني بالتموين والأسلحة، والثالث بالدعاية، واحتفظ الشريف بالشؤون السياسية وإدارة الجهاد. وقد أثمرت المقاومة اتفاقا مع الإسبان وقع في 28 يبراير 1915 ينص على: – أن القبائل الخاضعة للريسوني ستتمتع بالاستقلال الداخلي. – أن الجيش الإسباني سيضع حدا لعملياته الحربية. – أن ضمان الامن وحرية المواصلات في القبائل سيكون على عاتق محلة الشريف النظامية. – أن إسبانيا ستمد الشريف بمساعدات مادية ومالية لمواجهة نفقات المحافظة على الأمن. – أن هذا الاتفاق سيدخل حيز التطبيق غداة إعفاء سلفستر من منصبه. وهو ما تم في 9 يوليوز 1915′′. انظر كتاب "الشريف الريسوني والمقاومة المسلحة في شمال المغرب" لمؤلفه محمد بن عزوز حكيم (ص82 وما بعدها).