مباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة المحمدية: كيف كانت وكيف أصبحت؟..
نشر في العرائش أنفو يوم 28 - 02 - 2020


أحمد رباص
يجمع الدارسون لتاريخ مدينة المحمدية على أن تطور النسيج الحضري أو التوسع العمراني الذي شهدته هذه المدينة خلال المائة سنة الأخيرة قد تحقق عبر مسارين مختلفين. فإذا كان المسار الأول قد انطلق من المدينة السفلى (القصبة والمرسى) في اتجاه الشرق وأنشئت بموجبه أحياء العالية، التي حين تعذر عليها الامتداد شمالا ومواصلة انتشارها في نفس الاتجاه الشرقي بسبب الطريق السيار، امتدت شمالا في اتجاه واد النفيفيخ، فإن المسار الثاني اقتصرت حركيته على الساحل الأطلنتي الممتد على مسافة 20 كيلومتر، حيث أقيمت محطات اصطيافية واستجمامية.
– المسار الأول
في عهد الحماية، كانت الشركة المغربية الفرنسية لفضالة المؤسسة المالكة للمدينة بدون منافس. وبحكم حصولها على رخصة إدارية أجازت لها التصرف في فضاء الميناء والأراضي المجاورة له، تمكنت من مواصلة الاستيلاء على مزيد من العقارات في شكل هكتارات ممتدة في اتجاه المدينة القديمة (القصبة). وبالإضافة إلى ذلك، قام فرنسيون آخرون باقتناء العديد من البقع الأرضية داخل المدار الحضري الذي كان محصورا في مجال المحمدية السفلى وفي بعض المناطق المشكلة للضاحية.
لقد توخى التصميم الأصلي الذي وضعته الشركة المعمارية (SIF) أن تصبح فضالة مدينة سياحية واصطيافية لقربها من العاصمتين: الاقتصادية والسياسية ولانفتاحها على أهم البوادي المغربية، خاصةالجهة الشمالية لما عرف تاريخيا بتامسنا.
فعلاوة على الشاطئ ورماله الدافئة الممتدة على مسافة طويلة، أنشئت تجهيزات عديدة لجلب الساح الأغنياء، حيث وضعت رهن إشارة الراغبين منهم تجزئات سكنية مجهزة لبناء فيلات باذخة معدة خصيصا لقضاء أيام العطل والتمتع بأمواج البحر ونسائمه، كما أقيمت مرافق الاستقبال كالمقاهي والحانات والمطاعم والملاهي والفنادق (كازينو ميرامار)، فضلا عن المرافق الرياضية التي يرتادها الأغنياء. هذا، وقد وضعت تصاميم المدينة بحيث جاءت حافلة بالمساحات الخضراء والشوارع المزدانة بالأشجار. كل هذه التجهيزات والمرافق أنشئت أصلا لخدمة وراحة الأوربيين، سواء كانوا مقيمين قارين أو زوارا عابرين.
وإذا أمعنا النظر في خريطة التوسع العمراني المحلي، يتبين لنا أن سياسة التعمير الاستعماري واضحة من خلال تصميم مدينة المحمدية. لقد تمثلت تلك السياسة في عزل أحياء السكان الأوربيين عن أحياء سكان الأرض الأصليين وتفضيل الأحياء الأولى على الثانية. وهكذا نجد أن هذه السياسة الاستعمارية كانت وراء ظهور مدن مغربية مزدوجة النمط. هناك، من جهة، أحياء مأهولة بالسكان حد الاكتظاظ ومنزوية داخل أسوار وتعاني من الاختناق لضيق أزقتها وانعدام الفضاءات الخضراء، كما تنفرد بضعف التجهيزات وقلة المرافق العمومية. وكانت هذه الأحياء إلى حدود فجر الاستقلال مكرسة للمغاربة على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وأصولهم العرقية. ومن جهة أخرى، هناك أحياء راقية، يانعة الأشجار، كثيرة التهوية وقليلة الكثافة السكانية، تتوفر على جميع وسائل الراحة والترفيه.
إلى حدود 1924، كانت القصبة مخصصة لإيواء المغاربة في “نوايل” و”براريك” ومنازل صلبة قليلة العدد. وبحلول سنة 1926، لم يبق مكان فارغ داخل أسوار القصبة، فشرع السكان الجدد في تشييد مساكنهم خارج الأسوار في الأراضي المجاورة للقصبة في اتجاه الشرق والشمال على طول سكة الحديد في اتجاه الرباط. أمام هذا الانفجار الديمغرافي الناتج عن تزايد عدد المغاربة داخل المدار الحضري لمدينة فضالة، ومخافة تغيير تصميم المدينة الوربية الجميلة، وجدت السلطة في ذلك العهد الحلول عن طريق إعادة بناء سائر أحياء المغربة داخل القصبة أو في محيطها. فكانت هيكلة الأحياء الداخلية وتم تنفيذ خطة عامة جديدة لا زالت محتفظة بمعالمها الأولى مع تغيير طفيف.
فبعدما وضعت شبكة القنوات الخاصة بصرف المياه المستعملة ومياه الأمطار، شقت الأزقة لعبور السيارات والشاحنات في جميع جهات هذا الحي الداخلي، كما روعيت فيه بعض المرافق الاجتماعية وخاصة الجامع الأبيض الذي كان موجودا قبل إعادة الهيكلة وسط القصبة حيث ترك منعزلا تحيط به من كل جهة مساحة فارغة اتخذت شكل شارع زين زين بأشجار النخيل، كما صممت ساحة محمد بن عبد الله الموجودة بين هذا المسجد والباب الرئيس كفضاء حر تحيط به الماجر ومحلات لتقديم خدمات مختلفة.
وفي سنة 1935، كانت القصبة قد أصبحت حيا سكنيا فيه نوع يمت بصلة للعمارة المغربية التقليدية. معظم المباني فيه لا تتشكل إلا من طابق واحد وهي الآن تتكون من عدة طوابق بعد إعادة بنائها.
إلى الجهة الشرقية، خارج أسوار القصبة، صمم ما كان يعرف آنذاك بالمدينة الجديدة، وهي عبارة عن أحياء سكنية حددت داخل مثلث تحادي قاعدته الجهة الشرقية للقصبة وتنتهي إلى شارع سوس، أما قمته فتتشكل بالتقاء هذا الشارع بمحجة الحسن الثاني.
لم تكن هذه الأحياء المجهزة نسبيا كافية لاستقبال جميع الساكنة المحلية، لهذا امتدت المساحة المغطاة ب”البراريك” و”النوايل” التي تكاثرت في جميع الجهات وخاصةبالقرب من القصبة وفي الأراضي الممتدة شمال وشرق سوق الأحد (المشغول حاليا ببناية المحكمة الابتدائية وحي الموظفين وثانوية ابن ياسين).
لإيجاد حل لهذه المعضلة، تقر إبعاد البراريك والنوايل وجميع أنواع البناء الهشيش ونقلها إلى ما وراء خط سكة الحديد. لقد وقع الاختييار على هذا الموقع لبعده عن المدينة الأوربية ولختفائه وراء المرتفعات التلية المحيطة بالمدينة. ولكي يكون الستر كاملا، غرست الأشجار في شريط أرضي اتخذ شكل حزام أخضر ينطلق من الشاطئ في الجهة الشرقية من المدينة ليصعد إلى قمم التلال وينتهي عند الحي الصناعي في جهة الجنوب ليتصل بغابة مصب واد المالح حيث توجد ملاعب الغولف.
كانت الشركة العقارية لفضالة المشار إليها سابقا هي المهتمة والساهرة على هذا المشروع السكني الضخم، حيث تمكنت من الاستحواذ على مجموع الأراضي المخصصة له وقامت بتجهيزها على جناح السرعة، وشقت الأزقة والشوارع ووزعت البقع الأرضية على حوالي 400 نوالة شيدت بالمواد المستقاة من عين المكان بفضل سواعد وأيدي المساجين والعمال الموسميين. كان من شروط هذه الشركة أن تظل ملكية الأرض في حوزتها وأن تتقاضى ثلثي سومة الكراء من السكان وأن يبقى الثلث الثلث الآخر لصالح الجمعية الخيرية الإسلامية التي أنيطت بها مهمة التأطير ومتابعة إنجاز المشروع. وعلى ذكر هذه المؤسسة الخيرية، نشير إلى أنها انتقلت، قبل موت رئيسها القيدوم، إلى مقرها الجديد المجاور لمقبرة النصارى بشارع الحسن الثاني.
في صيف 1950، كانت العالية المكونة من أحياء “النوايل المحسنة” جاهزة، فألزمت البلدية جميع سكان الدواوير الموجودة داخل المدار الحضري بالانتقال إليها وتم حينذاك إسكان ما يقارب ثمانية عشر ألف نسمة (18.000)، لكن هذا الحل لم يكن كافيالاستقبال جميع سكان البراريك الموجودين فعلا داخل المدين وكذا السكان الوافدين من البوادي، فكانت البلدية مرة أخرى أمام الأمر الواقع، حيث تركت نوعا من الحرية في إنشاء دواوير جديدة من البراريك والنوايل. وما كادت تمضي شهور قليلة على الانتهاء من المشروع السكني للشركة العقارية لفضالة-العالية حتى تشكلت تجمعات كبرى من مختلف أنواع السكن الهش والعشوائي، وأصبح مشروع “النوايل المحسنة” عبارة عن نواة ضئيلة في قلب حزام عريض من “الكريانات” ، وأصبحت التجهيزات القليلة التي وضعت في الأصل لفائدة عدد محدود من السكان تئن تحت ضغط سكان مدينة سريعة التكوين والامتداد ولم تظهر بوادر بناء بناء أحياء صلبة في العالية إلا بعد إحراق “النوايل المحسنة” من طرف سكانها كتعبير عن غضبهم ومشاركة في الأحداث الكبرى التي كان يخوضها الشعب المغربي ضد الاحتلال الفرنسي، خاصة في المدن وذلك مباشرة بعد نفي محمد الخامس وأسرته.
وبمجرد حصول المغرب على استقلاله، أصبحت العالية ورشا كبيرا لتشييد المجموعات السكنية والتجارية ولا زالت حتى اليوم في طور البناءوالتشييد وفي طور محاربة أحياء الصفيح.في هذا الإطار، جاء حي مراكش الذي بنيت منازله فوق أرض كانت تدعى ب”ظهر الدبان” ونشأ حي الحسنية على أرض منبسطة ظلت لحدود أواخر السبعينيات أرضا خلاء فارغة إلا من النباتات الشوكية الفرعة الطول. وأما الأرض المعروفة قديما ب”دار الزيت” والمتميزة بمستوى ارتفاعها عن سطخ البحر، فلم يقع تعميرها إلا مؤخرا، وكذلك الشأن بالنسبة للأراضي التي شيدت فوقها أحياء الرشيدية والحرية والشباب ولاكولين حيث ما زالت ذاكرتنا تحتفظ بصور عنها عندما كانت امتدادا لاستغلاليات وضيعات فلاحية التهمها غول الاسمنت الجبار.
في ختام هذا الجزء الأول من هذه الإطلالة التاريخية، يجمل بنا الإشارة إلى أن التوسع العمراني لمدينة المحمدية أدى إلى الإخلال بالتوازن الذي كان معروفا قبل مرحلة الحماية بين البيئة والإنسان. ومن اجل توضيح هذا الاستنتاج، نكتفي بإثارة مشكل تلويث مياه الواد المالح. في سبعينيات القرن الماضي، كان هذا الواد مرتعا للأسماك الصالحة للاستهلاك ومقصدا لهواة ومحترفي الصيد. لكن بعد شق الواد الحار لأحياء العالية تحت شارع المقاومة أنقرضت أسماك الشابل وتلوثت مياه الواد مع أنه كان بالإمكان توجيه المياه المستعملة والعادمة إلى البحر بعد معالجتها وتخليصها من السموم.
الملك يزور معقل لوبيات العقار والمباني المستحوذة على القرار المحلي للمحمدية
وإذا ما قام المرء بجولة تفقدية حول المناطق الخضراء، فقد يخرج بملاحظة وهي أن جلها يعاني من الإهمال وانعدام الصيانة و”المقابلة” مثل حديقة الرشيدية وحديقة الوحدة وحديقة الحسنية. كما أنه يجب على شركة لاسامير أن تضع على عاتقها الاهتمام بكل الفضاءات الخضراء المتواجدة عبر جهات المدينة عوض أن يقتصر دعمها على حديقة المدن المتوامة فقط، ويمكن توجيه النداء عينه للمحطة الحرارية (SNEP)ولكل مقاولة او شركة تساهم في تلويث أجواء المدينة بهذا القدر أو ذاك…
– المسار الثاني
لعل قرب المحمدية من العاصمة الاقتصادية وامتلاكها لشواطئ جميلة أتاح لها أن تكون مدينة اصطيافية حاضنة لمجموعة من المحطات الخاصة بالاصطياف والاستجمام والاستحمام. لكن بمجرد إلقاء نظرة تاريخية على التطور والنمو اللذين شهدتهما هذه المحطات، يتبين للمتفحص أنهما اتسما، في مرحلة أولى، بالعشوائية ثم اندمجا لاحقا في إطار منظم. وفضلا عن ذلك، بإمكان هذه النظرة أن تكشف لنا عن أمور أخرى خاصة بتطور هذا القطاع محليا، ولا داعي للقيام بجردها دفعة واحدة في مقام تمهيدي، لنترك حل هذه الإشكال المنهجي موكولا للسياق، ولنبادر أولا إلى تحديد مسميات ومواقع هذه المحطات الاستحمامية.
منذ ما قبل الاستقلال، سهرت البلدية، بتنسيق مع مجموعة هرسان (Hersant)، على التوفيق بين النمو الصناعي والتوسع السكني. في هذا الإطار، تم بناء إقامات خاصة بالراحة والاصطياف على طول الساحل الأطلنتي، رغم أن العوامل الطبيعية ليست في الغالب مواتية؛ ذلك أن الساحل يتشكل من نوعين من التضاريس: الصخور والكثبان الرملية. وحدها الأخيرة تغطي أحيانا شواطئ جميلة، مثل شاطئ مانسمان المجاور لشاطئ بون بلودان (Pont-Blondin).
لكن الملاحظ أن النواة الأولى للإقامات الترفيهية بالمحمدية تقع في مكان يعرف سابقا بالمدينة الأوربية. ويمكن الآن تحديد موقعها على الشكل التالي: يحدها غربا الميناء (المرسى) والحي الصناعي، وشرقا شارع مولاي يوسف الذي يفصل المنطقة الساحلية عن النسيج الحضري، وجنوبا يحدها حي الإقامات الدائمة.
الجدير بالذكر، فيما يخص هذه المحطة الاصطيافية الأولى، هو أن أغلب مالكي فيلاتها من أثرياء الدار البضاء، أرباب صناعة وتجارة وأطر عليا ومزاولي وظائف حرة الذين وقع اختيارهم على فضالة كمكان للراحة والاستجمام. لكن بمجرد ذهاب الأجانب بأعداد غفيرة مباشرة بعد الاستقلال وبسبب تسارع وتيرة نمو المدينة فقدت أكثرية هذه الفيلات وظيفتها الأصلية، وأصبحت مأهولة بالسكان بشكل دائم. لهذا صار من الصعب التمييز بين الإقامات الاصطيافية وبين تلك التي ليست كذلك، ولو أن غلبة كفة الإقامة الدائمة في وقت الفراغ واضحة لا غبار عليها.
إذا اتجهنا إلى جهة غرب المدينة، نجد شاطئ زناتة أولاد حميمون الذين يشكلون قطبا لمقاومة التوسع الخاص بالتمدن. لم يدمج هذا الشاطئ في المدار الحضري إلا مؤخرا. هنا تشكلت فيما مضى محطة اصطيافية من بعض الكابانوهات انطلاقا من ملعب الكولف الذي يقع عند مصب الواد المالح. لكن ظهور شركة سامير وبناء المحطة الحرارية سنيب كان وراء اختفاء عدد من الكابانوهات.
بإمكان كل من يتواجد بشاطئ المركز الذي أعطى النواة الأولى الموصوفة أعلاه، أن ينتقل بسهولة إلى شاطئ مانسمان، لأن هذين الشاطئين متجاوران ولا يفصل ينهما سوى أمتار معدودة. يتم الولوج إلى الجزء الشرقي من محطة مانسمان عبر طريق مسفلت يحادي تجزئة ياسمين ليفضي إلى ساحة ذات أشجار باسقة وارفة الظلال. هنا تتشكل الإقامات المطلة على البحر والمحتلة للساحل إما من صف واحد أو من صفين أو من ثلاثة، إلا أن القيام بجولة عادية داخل هذه المحطة يجعل الجائل يقف على جملة من الاختلالات بين مكوناتها. إلى جهة الشرق، تحتل الكابانوهات حيزا ضيقا إلى حد ما وهي تتشكل من صف واحد على طول الساحل. نمت هذه الكابانوهات وتكاثرت بطريقة تكاد تكون عشوائية. وإلى جهة الغرب، تطالعنا الكابانوهات المطلة على البحر ما عدا في أقصى الغرب حيث فسحت المجال لإقامة الفيلات. خلف هذه الكابانوهات تناسلت مجموعة من الفيلات بقليل من النظام. ونلاحظ هنا أن الفرق بين الاستيلاء العشوائي والاستيلاء الأقل عشوائية يفسر بالظروف التي تم فيها الاحتلال أصلا. يفيدنا التاريخ المحلي بأن الفرق إياه كان من ضمن العوامل التي عجلت سنة 1956 بإنجاز دراسة تغيت تنظيم التوسع الذي شهدته هذه المحطة. لكن بقيت تلك الدراسة بدون تفعيل يذكر مما جعل الكابانوهات تتكاثر وتتضاعف في فوضى عارمة. في وسط هذه المحطة الاستحمامية يقع المخيم الدولي لوران (Lorran) ذي الأشجار الباسقة والحانة الشهيرة.
في فقرة سابقة من هذه الدراسة، كنت قد سجلت ملاحظة مفادها أن العوامل الطبيعية ليست دائما مواتية، وتلك ملاحظة يؤكدها موقع محطة بون-بلوندان عند مصب واد النفيفيخ. ومن المعروف أن هذه التسمية تعود في الأصل إلى أول قنطرة عبور بنيت فوق الواد وهي قنطرة بلوندان. في لحظات سابقة، بنيت إقامات كيفما اتفق بغير نظام في كلتا الضفتين. انطلاقا من سنوات السبعينيات، أعدت شركة عقارية من الدار البضاء تجزئة سكنية أخفت معالم الفوضى عن المارة النظار.
هكذا يبدو أن وراء هذا الاحتلال العشوائي للأراضي الساحلية، نشأ ونما قطاع يستجيب لمواصفات التهيئة العمرانية منظم ومتشكل من مجموعة من التجزئات التي نذكر منها تجزئة سيستا (Siesta) الواقعة خلف شاطئ بون-بلوندان وتجئتي بلاج مونيكا وياسمين الواقعتين خلف شاطئ مانسمان.
في البداية، تمكنت الشركة الفرنسية المغربية لفضالة (سيف) من الاستحواذ على الجزء الأكبر من أراضي هاتين المحطتين ولم يسلم من حيازتها سوى شريط ساحلي يقع عند مصب الوادي. إلى حدود 1960، كانت كل الأراضي التي أنشئت فوقها التجزئات تعود لملكية بعض الخواص الأجانب. بعد هذا التاريخ، انتقلت ملكية الأراضي إلى أيدي خواص مغاربة. وما كاد العقد الستيني ينتصف حتى سارعت الشركات العقارية المدنية إلى امتلاك جزء من هذه الأراضي الساحلية، وهو ما عتبر حينذاك مؤشرا على النمو والتطور رغم غياب مساهمة الدولة في ضمان تفاعل منظم بحكم ضآلة نصيبها من هذا الفضاء الساحلي.
لقد تمثل أول مالك جهز تجزئة رفيعة المستوى (شاطئ مونيكا) في الشركة العقارية المدنية التي حدد رأسمالها في عشرة آلاف درهم، وكان مقرها بالدار البضاء. بدأت هذه الشركة في اقتناء الأراضي بهذا الموضع ابتداء من منتصف الستينيات. هكذا حصلت على 15 هكتار و28 آر و90 سنتيار من شخص أجنبي كان يملك تقريبا مجموع الأراضي الواقعة بين المكان الذي يوجد به حاليا مخيم لوران وبين مصب واد النفيفيخ. في شهر يونيو من عام 1970، حصلت هذه الشركة على الأراضي التي كانت قد استولت عليها الشركة العقارية لفضالة، وهي الأراضي المطلة مباشرة على البحر. بعد بضعة أشهر فقط، تسلمت نفس الشركة رخصة للقيام بعملية عقارية شملت 218 بقعة مجهزة على مساحة 30 هكتار. تراوحت مساحة هذه القع الأرضية بين 500 و600 متر مربع وبنيت فوقها فيلات راقية.
في عام 1976، قرر الشخصان اللذان يملكان الأراضي الواقعة إلى غرب شاطئ مونيكا خلق تجزئة بهذا المكان. كان هذان الشخصان مضاربين عقاريين بارزين على مستوى المدينة بأسرها. تمكنا سنة 1966 من الحصول من أحد الأجانب على 20 هكتار وقاما بتجزئتها إلى 302 بقعة بمساحة تتراوح بين 200 و400 متر مربع.
والآن ماذا عن تجزئة لاسيستا القريبة م بون-بلوندان؟ تمتد الأراضي التي بنيت فوقها هذه التجزئة بين شاطئ مونيكا ومصب واد النفيخيخ على مساحة تقدر ب27 هكتار و64 آر و90 سنتيار تم اقتناؤها من شخص أجنبي من قبل خمسة مغاربة بدرهم واحد عن كل كيلومتر مربع. هذا الشخص هو نفسه الذي باع الأراضي للمضاربين العقاريين اللذين أنشآ تجزئة شاطئ مونيكا. هؤلاء المالكون الجدد الخمسة كلهم وافدون على المدينة من خارجها؛ إثنان جاءا من الدار البيضاء واثنان آخران من الرباط، أما الخامس فينحدر من الحاجب بإقليم مكناس. كلهم كانوا يمارسون مهنا مختلفة تعود عليهم بموارد هامة. يتعلق الأمر بمدير عام لمؤسسة بنكية ومقول ومؤمن ومنعش عقاري وفلاح مزارع. بعد سنتين، في يناير 1973 تحديدا، باع هؤلاء الملاك الخمسة مجموع أراضيهم لشركة 'أخرى بثمن 2،90 درهم للمتر المربع الواحد، وقد كان لهذه الشركة رأسمال بقيمة 30.000 درهم. لم تقم في البداية سوى بتجزئة قسم من هذه الأراضي، أي تلك الواقعة خلف الكابانوهات وتلك المطلة على الطريق الرئيسية.
بين سنتي 1982 و1983، ظهرت تجزئتان بشاطئ مونيكا أديتا إلى ارتفاع أثمنة الأراضي الواقعة في محيطها أو التي تشكل امتدادا لها، كما أديتا إلى تزايد الطلب على البقع الأرضية الصالحة لبناء إقامات ترفيهية؛ ذلك ما يشهد عليه تكاثر التجزئات وتفاقم المضاربات العقارية. والملاحظ بهذا الصدد أن العائلات التي رغبت في امتلاك بقعة أرضية لتبني فوقها إقامة من ذلك النوع فضلت أن تكون قريبة من منطقة سكنية راقية.
فيما يخص نمط البناء، نلاحظ أن هناك نمطين يفرضان ذاتهما. هكذا يتميز شاطئ مونيكا بكبر حجم فيلاته التي اختفت وسط أغصان وفروع الأشجار المغروسة في الحدائق وعلى طول الأزقة. في الغالب، تعود ملكية هذه الفيلات إلى فئة من الأطر العليا، ويحيط بهذه الإقامة الراقية سور بني بعناية فائقة ولا يتوفر سوى على باب واحد. أما في التجزئات الأخرى، فيبدو أن الفيلات ذات أحجام صغيرة ومتوسطة وهي أقل من الأولى من حيث القيمة والجودة.
تستقبل هذه المحطات في مجملها مواطنين مغاربة ينحدرون من الدار البيضاء وبنسليمان والرباط، إلا أن أغلب هؤلاء الوافدين ينحدرون من المدينة الأولى. إن هيمنة العاصمة الاقتصادية على فضالة ليست وليدة الأمس القريب، بل تعود إلى عقد العشرينيات من القرن الماضي، حيث بنيت المحطة الاصطيافية الخاصة بالمدينة الأوربية سابقا. ومن العوامل التي شجعت البيضاويين على اختيار المحمدية كمكان للاصطياف هناك إنشاء العديد من التجزئات الراقية والمتوسطة المطلة على البحر، ثم هناك إنجاز الطريق السيار الذي يسر التنقل بين المدينتين. كما استطاعت محطاتنا جلب عدد لا يستهان به من المصطافين المتحدرين من العاصمة السياسية وسرقت بالتالي الأضواء من محطات الهرهورة وشاطئ تمارة وشاطئ سيدي عابد…إلخ.
تتوفر هذه المحطات على عدد قليل من المتاجر الخاصة بالمواد الغذائية من مشروبات غازية وفواكه وخضار ومعلبات وبعض السلع الأخرى كالتبغ والجرائد. يفضل المصطافون العاملون بالدار البضاء الحصول على مشترياتهم من المدينة عينها بأثمان عادية. لقد رأينا سابقا كيف أن قرب المحمدية قاد جزءا كبيرا من المصطافين إلى اختيار هذه المحطات، لأن بإمكانهم التبضع من متاجر المدينة حيث يكون الاختيار متاحا والأثمان معقولة.
لا وجود لأي فندق (مصنف أو غير مصنف) في محطتي مانسمان وبون-بلوندان. مرة أخرى، نجد أن خاصية القرب من العاصمتين تفسر غياب تجهيزات فندقية. لقد اشتهرت مدينة المحمدية بمعلمتين فندقيتين مصنفتين (ثلاثة نجوم أو أكثر)، بالإضافة إلى بعض الفنادق الصغرى. هذان الفندقان المصنفان هما ميريديان وفندق سامير. بني فندق ميريديان (ميرامار سابقا) فوق مساحة كبيرة تنتمي للمدينة الأوربية وتطل على شاطئ المركز قريبا من الميناء، أما فندق سامير الذي شيدته المصفاة المعروفة بنفس الاسم، هو الآخر يشرف على نفس الشاطئ ويحتل الزاوية الناتجة عن تقاطع شارع مولاي يوسف مع الساحل. حوالي سنة 1968، أرادت شركة سامير الموؤودة حاليا المساهمة في التنمية السياحية على المستوى الوطني من خلال خلق شركة فندقية، لكن إدارة المصفاة لم تشيد سوى هذا الفندق الذي يحتوي على 400 سرير بدعوى التفرغ للمهام المرتبطة بتكرير البترول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.