محمد إنفي تتداول بعض المنابر الإعلامية أسماء وزراء وكتاب دولة سيجدون أنفسهم خارج التشكيلة الحكومية المقبلة. كما تتحدث هذه المنابر عن الصراع (شخصيا، أفضل كلمة التنافس) داخل بعض الأحزاب المنتمية للأغلبية الحكومية الحالية، من أجل الظفر بمناصب وزارية خلال التعديل الحكومي المنتظر. ويكتسي هذا التعديل الحكومي طابعا خاصا وأهمية بالغة لعدة اعتبارات؛ منها الظرفية الخاصة جدا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، التي تمر منها البلاد؛ ومنها الهندسة الحكومية الحالية، إن صح هذا التعبير، التي لا تساير الأوراش المؤسساتية المؤسِّسة التي فُتحت خلال العشرية الثانية للعهد الجديد، والتي تجد سندها في دستور 2011؛ ومنها الإعلان الملكي، في خطبه الأخيرة، عن انتهاء صلاحية النموذج التنموي الحالي الذي استنفذ كل إمكانياته؛ مما جعل عاهل البلاد يطالب بوضع نموذج تنموي جديد؛ وقد رسم أفقه في خطاب عيد العرش. لقد سجل المتتبعون الصراحة التي تكلم بها الملك محمد السادس في الذكرى العشرين لتربعه على عرش أسلافه، حيث جعل من خطاب العرش مناسبة لتقديم تشخيص موضوعي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد؛ كما جعل منه فرصة لتقديم تقييم نقدي لعمل المؤسسات؛ تقييم لا يخلو من جرعة من النقد الذاتي. فالملك لم يكتف بسرد المنجزات؛ بل سجل أيضا الإخفاقات. وأهم هذه الإخفاقات تتمثل في كون التقدم الاقتصادي الذي عرفه المغرب، في العهد الجديد، لم يواكبه تقدم اجتماعي؛ مما يعني أن آثاره لم تنعكس على الفئات الهشة ولا على الجهات الترابية الفقيرة. وبمعنى آخر، فإن نصيب العدالة الاجتماعية والمجالية من هذا التقدم الاقتصادي كان هزيلا إن لم يكن منعدما تماما. ولمواجهة هذا الوضع، ينبغي التجديد في التصور وفي المقاربات والآليات، وكذا في المورد البشري. ولذلك، فقد أعلن الملك عن دخول المغرب مرحلة جديدة، بخارطة طريق تتوخى اللحد من الفواق المجالية والطبقية. ولتحقيق هذا الهدف، يتعين على كل مرافق الدولة، وعلى رأسها الجهاز الحكومي، أن تنخرط بحماس وفعالية في هذا الورش الوطني الكبير الكفيل بتغيير الأوضاع الاجتماعية بالمغرب، بقدر يحقق نسبة محترمة من العدالة الاجتماعية مجاليا ومجتمعيا. غير أن هذا يتطلب الكفاءات العالية والجدية الفائقة والإخلاص الصادق للوطن والولاء لمصالحه العليا وللمصلحة العامة، بدلا عن المصلحة الشخصية أو الفئوية أو الحزبية الضيقة. وللتعديل الحكومي المرتقب خصوصية لكون سياقه غير مسبوق. فلأول مرة، يدعو الملك محمد السادس رئيس الحكومة، في خطاب موجه إلى الأمة، إلى القيام بتعديل حكومي. وأود، هنا، بكل تواضع وكل احترام، أن أوجه رسالة شخصية إلى السيد رئيس الحكومة، الدكتور سعد الدين العثماني، لأؤكد على بعض البديهيات أو أذكر بها (إن كانت الذكرى تنفع)، ما لم تكن هناك حاجة إلى التنبيه إليها؛ ذلك أن من عاشر بنكيران قد تخونه الفطنة وقد تعوزه الحكمة. لا أعتقد أننا في حاجة إلى ذكاء كبير لإدراك أن التعديل الحكومي المنتظر ليس مطلوبا لذاته؛ فرهان ملك البلاد على هذا التعديل، لا شك أنه رهان كبير وقوي. وحتى يستجيب هذا التعديل للرهان الملكي، يجب أن يكون عميقا وبهندسة جديدة للحكومة تستجيب لمتطلبات المرحلة وتعتمد على كفاءات عالية. فالمرحلة الجديدة التي أعلن عنها الملك في خطاب العرش، تستوجب ذلك. ولا بأس أن نذكر، هنا، بالخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة من العاصمة السنغالية دكار بمناسبة الذكرى الحادية والأربعين (41) للمسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2016. ولا بأس، كذلك، أن نذكر بأن السيد عبد الإله بنكيران كان، حينها، يباشر مشاوراته، بعد التعيين الملكي له، لتشكيل الحكومة اعتمادا على نتائج الانتخابات التشريعية ل7 أكتوبر 2016. لا أحتاج أن أذكر بمجريات المشاورات وبمآلها. فما هو مؤكد، هو أن بنكيران لم يفهم الرسائل الملكية ولم يدرك مغزاها. فخارج الخطب الشعبوية والتهريجية، رئيس الحكومة السابق محدود الفهم وضيق الأفق ومهووس بذاته بشكل مرضي. يقول النطق الملكي، في خطاب دكار: “إن المغرب يحتاج لحكومة جادة ومسؤولة. غير أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية. بل الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها إفريقيا. حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه. الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة”. بالطبع، مثل هذا الكلام عصي فهمه على من لا يرى أبعد أنفه ولا يفكر إلا في الأصوات الانتخابية، كما هو الشأن بالنسبة لبنكيران؛ وإلا لما تسبب، بعناد وغباء، في تعطيل مصالح البلاد والعباد لأكثر من نصف سنة، ختمها بالاعتكاف في بيته وكأن هذه المصالح لا تساوي شيئا أمام إرضاء غروره. فحين يقول الملك: “حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية”، فهو يشير بغير قليل من الوضوح إلى ولاية بنكيران السابقة (2012-2016) بأخطائها الدبلوماسية وبقراراتها الرعناء التي تسببت في اندلاع العديد من الأزمات الاجتماعية وأغرقت البلاد في بحر من المشاكل (ديون، بطالة، استشراء الفساد،”خوصصة” التعليم والصحة، اندحار مستوى الخطاب السياسي، الخ) التي زادت الأوضاع الاجتماعية سوءا وتعقيدا بسبب استفحال الفوارق الطبقية. فهل سيكون الدكتور العثماني في الموعد، أم أن منطق الغنيمة وأسلوب الإرضاء والمفهوم الضيق للديمقراطية (الأغلبية العددية، حتى وإن كانت هذه الأغلبية كغثاء السيل)…سيكون سيد الموقف؟ ذلك ما سنعرفه في الأسابيع القادمة.