وصفت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في أحدث تقرير لها، حصيلة للترشيحات المغربية في مختلف المنظمات الدولية والإقليمية برسم سنة 2018، بأنها "جد مرضية" وهو ما "مكن المغرب من تعزيز حضوره ضمن مختلف الهيئات الدولية". ولتحقيق هذه النتائج على مستوى العلاقات المغربية الدولية، اعتمدت المملكة المغربية– وفق بلاغ للوزارة نشرته في بداية الاسبوع الماضي– "نهجا هجوميا" يروم تعزيز موقف المغرب وتمثيليته ورؤيته على الساحة الدولية، وذلك إدراكا منها للرهانات المرتبطة بمواجهة العولمة المتسارعة وتضاعف التحديات متعددة الأبعاد التي تتطلب مقاربات وإجابات جماعية، أضحت المنظمات الدولية والإقليمية اليوم، الإطار المناسب، لحكامة عالمية عادلة، منصفة وشاملة تستجيب لانتظارات مواطني مختلف البلدان، يوضح المصدر ذاته. ومن أجل ضمان وجود قوي داخل الأجهزة والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وضمن الهيئات التقريرية بمنظمات دولية وإقليمية أخرى، أبرزت الوزارة في بلاغها الذى عممته عبر وكالة المغرب العربي للأنباء، ونشرت فحواه عدة منابر الاعلامية، بدون أدنى تعليق ومواكبة من المختصين والمهتمين، حسب ما تناهى الى علمنا، أن " نجاح العديد من الترشيحات المؤسساتية والشخصية التي تشهد على الاعتراف الدولي بالكفاءات المغربية، وبدور المغرب كفاعل ذي مصداقية، ديناميكي واستباقي على الساحتين الإقليمية والدولية". ويندرج خيار هذه الترشيحات في إطار الأهداف التي سطرها المغرب في مجال الدبلوماسية متعددة الأطراف، الهادفة إلى تموقع متعدد ومتنوع بفضل مقاربة تستند إلى العمل على تناغم جهود وأولويات الأجندة الدولية مع السياسات الوطنية للمملكة في مختلف المجالات السياسية، الأمنية منها ، السوسيو– اقتصادية والبيئية أيضا. وأوضحت الوزارة التي ضمنت بلاغها جدولا مفصلا للترشيحات المغربية، في نفس السياق أنه "على الرغم من منافسة أكثر فأكثر عدائية"، فإن هذه الترشيحات، تكللت في النهاية "بالنجاح بفضل حملات دبلوماسية ترويجية وازنة" قامت بها رفقة مختلف القطاعات الوزارية، وباقي المؤسسات الوطنية المعنية. بعد تقديم أهم المعطيات التي حاولنا تلخيصها قدر الامكان في الفقرات السابقة من البلاغ الذى يقع في خمس صفحات، يمكن ابداء بعض الملاحظات منها أنه من الايجابي جدا، أن تتواصل الوزارة وتتفاعل مع الرأي العام الوطني والدولي، عبر تقديم معلومات دقيقة، حول علاقاتها على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية، وهو ما من شأنه أن يساهم ايضا في تمكين الباحثين والخبراء ويدعم البحث العلمي والحقل المعرفي ويوسع من الرؤى من زوايا محددة، يوفر معطيات من مصادرها الرسمية، ويغنى الارشيف الوطني المغربي في المجال الدبلوماسي والعلاقات الخارجية.. ومن جهة أخرى يلاحظ أن بلاغ الخارجية اعتمد لغة جديدة غير معهودة في البلاغات السابقة، كما تضمن مفردات لم تتعود الوزارة اللجوء إليها في التعبير عن مواقفها والتعريف بأنشطتها، كما أن هذه الوزارة لم تفصح بدقة عن بعض المعطيات التي اكتفت فقط بالتلميح لها، من قبيل الجهة او الجهات التي قامت ب" منافسة عدائية أكثر فأكثر ".. كما أن الوزارة لم توضح في بلاغها المقصود والمراد ب"النهج الهجومي" المعتمد من طرفها في دعم هذه الترشيحات؟ وهل ما إذا كان هذا يعنى أن الوزارة تخلت عن سبق اصرار وترصد عن نهجها الدفاعي في علاقاتها الدولية قبل سنة 2018 ؟، وهل هذا يؤشر على الانتقال الآن الى مرحلة جديدة في تعامل الوزارة مع مكونات الحقل الدولي والفاعلين في الساحة الدولية؟. وفي نفس السياق، هل يمكن أن نعتبر مبادرة الوزارة ومقاربتها، بتقديم حصيلتها وتعميمها على الرأي العام، حول حضور المغرب وتموقعه في حظيرة المنظمات والهيئات الدولية والاقليمية، بمثابة شروع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، بعد انصرام نحو سبع سنوات، في تنزيل مقتضيات دستور 2011 خاصة ما يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، الذى يعتبر حقا من الحقوق والحريات الأساسية التي ينص عليها القانون الاسمى للامة خاصة الفصل 27 منه. إذ من المعلوم أن هذا الفصل يعترف للمواطنين والمواطنات بحق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.. كما ينص على أنه لا يمكن تقييد هذا الحق إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وفي نفس الوقت الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة. ففضلا عن ذلك فإن من شأن تكريس هذا الحق الذى يساهم في ترسيخ الديمقراطية، سيعطى فكرة واضحة عن مدى الالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، خاصة مقتضيات المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذا المادة 10 من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي تلزم الإدارات العمومية بضرورة تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات واتخاذ التدابير الكفيلة لممارستهم لهذا الحق، تعزيزا لمبادئ الشفافية وترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة. ان الأمل معقود على أن تتمكن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي مستقبلا، من التوفر على استراتيجية واضحة المعالم في مجالي التواصل والاعلام، خارج المنطق المناسباتي والتكتم والمبالغة في اعتماد التحفظ، استراتيجية من شأنها أن تخدم دبلوماسية فاعلة بأبعاد متنوعة منها ذات الطبيعة السياسية والاقتصادية والثقافية، بشراكة وتعاون مع الفاعلين في الدبلوماسية الموازية من مؤسسات دستورية وهيئات الحكامة والمجتمع المدني. كما ستمكن هذه الاستراتيجية في ظل الثورة الرقمية، من التجاوب مع التحولات المتسارعة التي يعرفها المجتمع الدولي، الذى ينحو نحو عالم متعدد الأقطاب، ويستند الفاعلون فيه على مبادئ الاحترافية والكفاءة والخبرة والتجربة، عوض الاكتفاء بالجوانب البروتوكولية في العلاقات الدولية. ان هذا الامر يقتضى نقاشا علميا نقديا هادئا، بمشاركة مختلف الفاعلين حول مساهمة كافة الاطراف في ظل العولمة التي همت كافة نواحي وأنماط الحياة في جعل المغرب يحتل مكانته الحقيقية على المستويين الاقليمي والدولي، وذلك في ظل تحولات السياسة الدولية وتأثيراتها، وكذا في خضم ما يعرف ب" نظام اللايقين" الذى يسود العالم في العصر الراهن، مع القيام بربط جدلي بين ما هو داخلي وما هو خارجي، وهو ما يقتضى مضاعفة الجهود، عبر عمل دبلوماسي دؤوب وسياسة خارجية يقظة وسريعة التفاعل مع متغيرات الساحة الدولية. كاتب صحفي باحث في العلاقات الدولية